أحمد عبد الحسين
في بيانات لوزارة التخطيط نشرتْ أمس أنّ الأطفال يشكلون نصف سكان العراق تقريباً، فقد جاء أن نسبة الذين أعمارهم أقلّ من 15 سنة بلغتْ 41 بالمائة من مجموع المواطنين.
في العراق شعبٌ فتيّ إذن، والمستقبل ـ من هذه الجنبة ـ يعمل لصالحنا، لكنّ السؤال الذي سيخفف من منسوب التفاؤل يتعلق بما عملناه نحن من أجل مستقبل هؤلاء الشبّان الذي هو في آخر الأمر مستقبل العراق.
ما الذي تفكّر فيه مؤسسات الدولة وتخطط له للتعاطي مع حقيقة أنّ اليافعين هم نصف الشعب؟ ما الذي هيأناه لهم الآن ليفتحوا أعينهم غداً على رؤية أنفسهم رجالاً قادرين على بناء بلدهم وحمايته وإعماره؟
نحن، أعني آباء هؤلاء الفتيان، لم تترك لنا حياتنا فسحة للتنفس، كانت الحرب تسلمنا إلى حرب أخرى، وعسف الديكتاتورية وتغوّلها ترك وشوماً لا تنمحي على أرواحنا، ثم ما إن فتح التغيير نافذة تطلّ على نسمات الأمل العذبة حتى أغلقنا تلك النافذة باحترابات طائفية وأمراض هويّات وتغالب مكوّنات وسباق محموم على غنائم حصل عليها أصحابها باللصوصية والفساد أو بإشهار السلاح وترويع الناس.
وإذا أدار اليافعُ عينيه إلينا وإلى تاريخنا فلن يجدْ ما يمكن أن يفيده في قابل أيامه، في الحقيقة لن يجد شيئاً يدعو للفخر أو ما يمكن أن يترسَّمه فينا مثالاً أعلى في حياته. فما الذي تركناه لهم؟ لم نترك لهم وسطاً مناسباً لتنشيط مهاراتهم، ولا تعليماً معتداً به، ولا بيئة صحية تقيهم من الأمراض، ولا أملاً كبيراً بتغيير هذا الواقع. لأننا جميعنا، مسؤولين ومواطنين، مشغولون باستيفاء أثمان فوريّة تاركين المستقبل وأعباءه إلى ظهور هؤلاء الفتية التي ستنوء به غداً.
نحن وإيّاهم مثل أبٍ غنيّ جداً لكنه مبتلى بأمراض مزمنة كالسكريّ وارتفاع الضغط، أنفق جميع أمواله في محاولته علاج هذه الأمراض، وحين حان موعد إغماض عينيه لم يكن له مال ليقسمه بين أولاده لكنّه أورثهم سكّريّه وارتفاع ضغطه.
تتمنى الدول أن يكون لها شعب فتيّ كما هي الحال عندنا، لأنّ ذلك علامة على أنّ المستقبل يلعب لصالحها، لكنْ قبل ذلك عليها أن تفكّر بهذا المستقبل وأن تعمل له.