توقعات الثلوج : الحبّ في {بلوز} ب.ب. نيكول
جوليا آنا موريسون
ترجمة : أحمد رحمن
حبيبي، S.، يهديني طبعة لقصيدة تُدعى “بلوز” للشاعر الكندي bpNichol، نُشرت عام 1966. الطبعة معلقة جنب سريري في إطار أسود. أرى اسم حبيبي مطبوعاً على ظهر الإصدار المحرر لأعمال Nichol المضغوطة في رف الكتب الخاص بي. في قصيدة “بلوز”، كلمة الحب وردت 8 مرات، إلى الأمام وإلى الوراء، بحسب حروفها:
L o v e
تبدو وكأنها قلب
وبعد سنوات من النظر إليها، أصبحت استعارةً لعلاقتنا وطبيعة الحب المتطورة.
للوهلةِ الأولى التي أرى فيها القصيدة معلقة في شقة S، أقضي الصباح بحيرة من أمرها، وأتساءل، كما لو كانت جرعة مخدرات ، عن مصيرنا. مثل القصيدة، يكون حبيبي أحياناً بعيد المنال، غير قابل للقراءة، وجميلاً. في البدء ينسكب الحب من أصابعي. يختفي S لعدة أيام متتالية، ورسائله النصية فارغة كالثلج.
التقيته حين كنت أٌمّاً شابة مذ ما يقارب ثلاث سنوات، لست مرتبطة للمرة الأولى. سأعترف حينها كان قلبي ممزقاً. لا شيء يرمم شتاته. هل لديكِ عائلة؟ سألني في ليلة من الليالي، في بداية علاقتنا. أفكر في جليسة الأطفال، وكيف أحتاج العودة للمنزل بالفعل. هل أملك عائلة؟ نوعاً ما. أريد أن تنزلق سيارتي على الجليد في طريق عودتي لمنزلي البعيد في الظلام. أقولُ لدي طفل صغير، لكن لستُ أرى أهميةً لذلك بالوقت الحالي.
القصيدة عبارة عن مشكال تتغير فيه الألوان حيث يكون الحب مجرداً وملموساً في آن واحد، هو لقطة سريعة لتجسيد الوقوع في الحب (سقطت كلمة “حب” على الصفحة وتمزقت حرفاً حرفاً). ببطء، تشبه السهم، أشعر بنفسي أسقط لأجل “S”.، رغم معرفتي بقدري المحكوم عليه بالفشل منذ البداية. تخبرني القصيدة أن الأمر سيستغرق وقتاً، وهذه هي الحقيقة. منازلنا متماثلة لكن يفصل بينها تلة. عندما يحتضنني، أغفو على الفور تقريباً، شاعرةً بالأمان. أراه يقود الدراجة الهوائية أمامي نحو الشمس، ظهره مستقيم، ويداه مرفوعتان عن المقود. فكرة ألا أكون معه لا تُطاق، كل تلك التفاصيل اختفت.
قصيدة نيكول قصيدة كونكريتية، من النوع الذي كتبناه ونحن أطفال على أشكال أشجار عيد الميلاد خلال أيام ديسمبر المعتدلة. في تلال جورجيا الطينية الحمراء، حيث تصطف أشجار الصنوبر على جنبي الطرق، لكن يمكنك الرؤية من خلالها مباشرة طوال فصل الشتاء.
في شتاء أيوا، أستيقظ في ضباب، وبينما أتكيف مع ضوء الصباح الجليدي، أشاهد الحروف تستقر في قصيدة الحب، كأنها تتساقط في الثلج الغامض، على شكل عضلة القلب. أنا أتعافى، على ما أعتقد. أشاهد الأمل في القصيدة. إنها تعد بالحب، رغم كل شيء، لكن ذلك ليس سهلاً.
أستطيع القول أن القمر كان مكتملاً الليلة الماضية لأن العشب يغطيه الملح. لا يزال S نائماً، والنبيذ الأحمر يلطخ هلال شفته العليا. أنا مندهشة أنني نمت. يجب أن يكون ابني في منزل والده. لا بد أنني أحببت والده ذات مرة؛ أعلم أنني فعلت ذلك، لكن ليس بهذه الطريقة بعد الآن. يبدو لي هذا معجزة؛ أنا بالكاد أتأذى بعد الآن.
كتب نيكول في كتابه الشعري “الكابتن” عن الحب : “الحب / مكتوب بشكل عكسي / “EVOL” / طريق الطبيعة (لقد / أجهدته / في عشرات / القصائد) / لا علاقة له / بالشر-EVIL”” / بل بالأحرى يتطور-EVOLVES” “/ أفكار جديدة!
قبل أن ينتهي زواجي (لم نكن متزوجين قط)، كانت ركبتي تؤلمني في الليل. ركبتي بدلاً من قلبي. أيمكن للركبة المكسورة أن تقتلك؟ بحثت في جوجل بمنتصف الليل، خائفةً من وهج الهاتف يوقظ الطفل رغم أنه كان بعيداً في الرواق. لا، الإنترنت أخبرني. لكن على الماسحات الضوئية، تضيء ركبتيك عندما تفكر في شيء الحب المفقود. ليس شيئاً مثل الدمية التي أسقطتها وراء الدرج عندما كنت في الخامسة من عمرك. كالعاشق الذي يعد القهوة بنفس الطريقة كل صباح في كوب صغير خزفي. تضيء ركبتيك على الماسح الضوئي حين تفكر في الثلج.
يقول باشلار: «إذا نظر الشاعر عبر المجهر أو التلسكوب، يرى دائماً نفس الشيء». الحب في قصيدة نيكول مجهري وعملاق في الوقت نفسه. إنه لون فنجان قهوة حبيبي، برتقالي كريمي، وهو قصتنا، المحيط وأشعة نجم البحر بداخله.
عندما هجرني “S “ أشعر أنني فهمت القصيدة أخيراً,
بالطبع S من شأنهِ أن يكسر قلبي. هذا ما تقوله هناك القصيدة (لهذا يُطلق عليها اسم البلوز لسبب ما). أثناء فترة الانفصال، كنت أتجول لمسافات طويلة حول المدينة بحثاً عن الإشارات. أنظر إلى القصيدة، وأبحث عن S، لكن الحروف تنزلق من يدي مرة أخرىE V O L ، أرى O O O.
لا ينبغي للحب أن يكون بهذه الصعوبة، لكنني لا أترك القصيدة جانباً. أستيقظ ليلاً أتصببُ عرقاً وأظن أن هناك طَرْقاً على الباب. أقوم بتحريف الحروف إلى كلمات أخرى: - E V I Lالشر، - E V O L V Eالتطور، OH - أوه، V O W E L - حرف العلة، - E E L ثعبان البحر، E L L E - إيلي، O V A L – شكل بيضوي . . . أرى أشجار الصنوبر في جورجيا. أرى شاطئ بحيرة أونتاريو حيث ولد S. أرى الذئاب التي يرى نفسه فيها؛ أرى ذئباً في القصيدة.
بعد أن استغرق الأمر وقتاً طويلاً ولم يتصل S بعد، بدت القصيدة وكأنها اختبار أفشل فيه. في صورة الأشعة السينية للصدر، في تشريح الجثة، هذا ما سأراه: يُعاد ترتيب الحروف، بالأبيض والأسود. إنها غير مزخرفة، الأبجدية باردة. القصيدة استعارة للحب. حبيبي ليس حبيبي ثم هو كذلك.
واحدة من أبرز سمات قصيدة “البلوز” الخط المائل المكون من ثمانية مرات من حرف e، والشق عبر الصفحة، التأرجح ، هذا ما يمنح القصيدة تناسقها، إذ يعكس جانباً واحداً على الجانب الآخر: الأشجار الخضر العميقة وانعكاس لونها في البحيرة المظلمة. كتب كارل يونغ أن “محور البلوز هو الحرف e، الذي يمارس تأثيره التحويلي على حرف العلة الآخر بينما يظل متوار عن الأنظار في المقطع المفرد “love “؛ لكنها تهيمن على كلمة “evol” المكونة من مقطعين، فتُخلق صرخة تمزق القصيدة إلى نصفين”.
لا أقرأ تكرار حرف e على أنه صرخة؛ لا أستطيع سماع ذلك. إنه الحب، لكنه مائل، ببطء الحركة؛ صعود التل المغطى بالثلوج ثم، إذا كان لا بد من وجود صوت، فهو صرير مزلجة حمراء أسفل التل.
عندما عدنا معاً، بعد شهر أو نحو ذلك، كنت منتشية تغمرني السعادة، ولكن بحذر، وأنا أرتدي بيكيني بلون الليمون. ركبتيّ لم تعد تؤلمني. لقد وجدت كائن الحب. وفي حماستي، تجعل القصيدة معنى للجرح، في الفضاء على شكل حرف S في وسط القصيدة حيث تتلاقى الكلمات. كان الحب يجر ويترك جلد قلبي. ظهر S عند باب منزلي ومعه زجاجة حمراء وسمحت له بالدخول.
عدنا معًا لكن لا تزال هناك فجوة، ومساحة، وقف عند منتصف بيت الشعر مثل الموجود في القصيدة. لا نعترف أبدًا إننا انفصلنا أو عدنا معاً، ليس حقا.
في إحدى القصائد النثرية لسابرينا أوراه مارك “الأطفال”، جلبت بياتريس ووالتر بي أربعة أشياء للاختبار في كشك اختبار الواقع: “القبعة، والحب، واليوم، واللذيذ”. الكشك لا يعمل. بالطبع أو، إذا نجح الأمر، فإنه سيستغرق وقتاً طويلاً حتى يقوم الكشك بإخراج “النسخة المطبوعة” من النتائج (“كان انتظاراً طويلاً، هذا الانتظار”)
ومثل والتر بي وبياتريس، أقف أمام حجرة اختبار الواقع ومعي عملاتي الذهبية الصغيرة. أضع “الحب LOVE-” في الحجرة. يا ترى الحب مجازي أم إنه حقيقي؟ “أمي، أنا لست استعارة”، يقول ولدي عندما أسأله من فضلك، من أجل محبة الله، أمنحني فترة راحة. أوه نعم أنت كذلك، على ما أعتقد. هذا هو بالضبط ما أنت عليه، وكيف عرفت؟ أنا والدته. وبهذا أعرف أهو مجاز أم لا.
لا أعرف ما الذي يحبه S في القصيدة، أو لماذا علقها على جدار منزله في المقام الأول. من الممكن أن تكون إجابته عكس إجابتي، على الرغم أننا قد نرى بعض الأشياء نفسها. قمت بكتابة الحب المكتوب وغير المكتوب مرات عديدة أثناء النظر إلى البلوز. لديها نمط. لقد أحب قلبي شخصاً جديداً حين أحب آخر.
القصيدة هي صورة القلب في الماضي والمستقبل، متناثرة، لقطة من الزمن. لم تخبرني الحقيقة مطلقاً. أن حبنا لن يكون واضحاً. هذا الحب هو أشياء كثيرة، وفي أغلب الأحيان، ليس الحب نفسه.
هذا الحب هو التغيير، ونحن نتغير.
أحاول ألا أقول إنني أحب S، أخاف أن يفسد ذلك كل شيء، رغم أنه أنزلق خارجاً في إحدى الليالي بعد سقوطه على الجليدِ وكسر كاحله. هو نائم. تعالي وسنتحدث عن ذلك، يقول بعد أن اتصلت به في اليوم التالي وأنا أبكي. أنا قادمة . لم نتحدث عن ذلك. يتعافى كاحله لكن تظل به بعض المسامير الجراحية.
اعتقدت أن هذا سيكون مقالاً عن كيفية فهمي للقصيدة بعد كل هذه السنوات، لكن القصيدة تقاوم الفهم. كلما نظرت إلى القصيدة كلما اختفيتُ أكثر؛ الحب يتكسر أمام عيني. لا أعرف حرف L من O أوE من .V ويتبقى لي المزيد من الانتظار، وتوقعات بانهمار خفيف للثلوج.
عن الكاتبة :
جوليا آنا موريسون شاعرة من أتلانتا، جورجيا. لديها درجة الماجستير في الفنون الجميلة من ورشة كتابة القصة في جامعة آيوا. ظهرت قصائدها الأخيرة في B O D Y و The Journal و The LA Quarterly Review of Books. تعيش حالياً في مدينة آيوا حيث تعمل في جامعة آيوا وتعلم ابنها فيليكس كلمات جديدة.