الإسرائيليون يخشون حربا مختلفة مع حزب الله
شيرا روبن
• ترجمة: أنيس الصفار
على مدى السنوات كان «ديفد شتفت» يبذل المحاولات لإقناع الجيش الإسرائيلي بأن مسلحي حزب الله، الذين لا يبعدون سوى ميل واحد داخل لبنان، قد ينفذون تهديداتهم ذات يوم بمهاجمة إسرائيل.
يقول شتفت، ويؤيده جيرانه، إنهم رأوا القوات الخاصة لحزب الله تتحشد على طول الحدود وتؤسس لها نقاط رصد داخل منشآت يزعم أنها تشيّد لأغراض حماية البيئة. في بعض الأحيان يتناهى إلى سمعهم ما يبدو وكأنه صوت أعمال حفر تجري تحت الأرض. أما الجيش فيدعي أن أعداء إسرائيل قد تم ردعهم وأن حدودها لا يمكن أن تخترق.
لكن الكيبوتز، ورغبة منه لتجنب المجازفة، راح يجمع الأموال ويضع خطط طوارئ أولية- كما اشترى بنادق طويلة سلح بها وحدة الدفاع المحلية المكونة من 25 عنصراً، وعمل على تأمين الموارد لحالات الطوارئ من ماء وكهرباء وبنى عيادة تطبيب عسكرية.
في يوم 7 تشرين الأول، عندما اخترق آلاف المقاتلين بقيادة حماس- وهي جماعة مسلحة مقرها غزة ولها صلات وثيقة متنامية مع حزب الله- حدود إسرائيل وتمكنوا من قتل 1200 إسرائيلي وأخذ أكثر من 240 آخرين كرهائن، شعر شتفت أنَّ سكان كيبوتز إيلون كانوا على حق في قلقهم، وكان الشعور مريراً.
يقول شتفت: «ما حدث في الجنوب كان عين ما حذرنا من إمكانية حدوثه هنا، والاحتمال لا يزال قائماً، إنها حقيقة واقعة.»
أخلى 70 ألف إسرائيلي على الأقل من منطقة الحدود الشمالية منازلهم في أعقاب ذلك الهجوم، الأمر الذي أحال المنطقة- مثلها مثل الجنوب المدمر- إلى منطقة عسكرية مغلقة، بعد ذلك انتشرت فيها عدة أفواج من الجيش الإسرائيلي قوامها آلاف الجنود. وعبر الحدود كان مقاتلو حزب الله يواصلون الرد على النار بالنار.
هذه ليست منطقة حرب بالمعنى الرسمي، مع ذلك تردد الجبال الصخرية دويّ الانفجارات جراء القصف المدفعي الإسرائيلي وصواريخ حزب الله المتواصلة في كل يوم تقريباً. يقول الجيش الإسرائيلي إنَّ حزب الله يستخدم مدافع هاون قصيرة المدى وصواريخ «كورنيت» الروسية المضادة للدبابات والقنابل الحرارية لتدمير المنازل في الكيبوتزات الإسرائيلية.
في لبنان قتل أكثر من 120 عنصراً من حزب الله و20 مدنياً على الأقل بينهم ثلاثة صحفيين. أما في الجانب الإسرائيلي فقد لقي اثنا عشر جندياً وخمسة مدنيين مصرعهم.
في يوم الثلاثاء الماضي أودت ضربة جوية على بيروت، يشتبه بأنَّ إسرائيل وراءها، بحياة صالح العاروري وهو مسؤول كبير في حركة حماس كان له دور مؤثر في تعزيز أواصر العلاقة بينها وبين حزب الله.
أذكت الضربة المخاوف في المنطقة من أن تسفر المناوشات عن تفجر الأوضاع على طول هذه المنطقة الحدودية القلقة وتحولها إلى حرب شاملة. حزب الله ليس كمثل حماس، إذ تنظر إليه إسرائيل على أنه جيش بمعنى الكلمة فهو يتمتع بمستوى متقدم من التدريب كما يمتلك ترسانة حربية مؤلفة من نحو 150 ألف صاروخ. ويخشى كثير من الإسرائيليين أن تقلل حكومتهم مرة أخرى من شأن هذا التهديد المهلك.
في خطابه يوم الأربعاء الماضي حذر زعيم حزب الله حسن نصر الله من أنَّ الثأر لاغتيال العاروري لابد آتٍ، وأضاف أنَّ إسرائيل إذا ما حدثتها نفسها بشن حرب على لبنان فسوف يكون الثمن باهظاً جداً جداً جداً، على حد قوله.
يقول «موشي دافيدوفتش»، رئيس المجلس المحلي الذي دعا 40 ألف شخص إلى حزم حقائبهم من قبل صدور الأمر الرسمي بالإخلاء، إنَّ كثيراً من السكان يعتبرون المعركة على الجبهة الشمالية معركة من أجل الديار. لكنهم يواجهون مصاعب، كما يقول، في العثور على أماكن لإقامتهم وفي العثور على مدارس لأطفالهم. يقول دافيدوفتش إنَّ هؤلاء السكان لا يثقون بحكومتهم «اللاحكومة» في القدس حيث تستحوذ على الزعماء السياسة والتكتيكات ولكن من دون ستراتيجية.
بالنسبة لهذا العدد غير المسبوق من النازحين الإسرائيليين، الوافدين من الشمال والجنوب، تبدو الدولة غائبة إلى حد كبير. فقد تطلب الأمر من السلطات أسابيع من أجل تسهيل الإقامة في الفنادق أو الحصول على موافقات لاستئجار أماكن للسكن. كما أنَّ نازحي المناطق الشمالية لم يحصلوا على إجابات وافية بشأن وضع منازلهم أو الموعد الزمني الذي سيتمكنون بموجبه من العودة إليها.
يقول دافيدوفتش إنَّ الحكومة الإسرائيلية ربما تركن مرة أخرى إلى وهم إمكانية إبرام اتفاقيات مع «العدو»، بيد أنها سرعان ما ستتوقف إثر تلقيها مكالمة من مكتب رئيس الوزراء «بنيامين نتانياهو»، على حد تعبيره.
يمضي دافيدوفتش مستطرداً: «حتى يوم 6 تشرين الأول كان ينظر إلينا على أننا شرطي منطقة الشرق الأوسط، ولكن من بعد 7 تشرين الأول صار ينظر إلينا على أننا قد فقدنا القدرة على الردع، وما من سبيل آخر أمامنا سوى السعي لاستعادة ذلك.»
تجري إسرائيل محادثات مع الحكومة اللبنانية وممثلي حزب الله- الذي يعد القوة العسكرية والسياسية المهيمنة في البلد- بهدف خفض التصعيد، ولكن وزير الدفاع الإسرائيلي «يواف غالانت» أبلغ كبير مبعوثي البيت الأبيض «آموس هوجشتاين» بأنَّ الحل الدبلوماسي لم تعد أمامه سوى فسحة زمنية ضيقة، على حد تعبيره.
في يوم الخميس الماضي قال ناتانياهو: «نحن سنعيد مواطنينا في الشمال والجنوب، ولأجل هذا الغرض سوف نستخدم القوة إلى أقصى حدودها والدقة إلى أقصى حدودها ما تطلب الأمر ذلك.» بيد أنَّ كثيرين على امتداد الحدود الشمالية لم يعودوا يثقون بنتانياهو الذي بقي يردد على مسامع الإسرائيليين منذ سنوات أنَّ حماس قد تم احتواؤها في غزة. لذا سيواجه صعوبة في تسويق مثل هذه التطمينات الآن بخصوص حزب الله.
يقول «دوتان رازيلي»، وهو جندي احتياط يؤدي الخدمة في منطقة سكنه في كيبوتز إيلون: «ما كان عليه الحال قبل 7 تشرين الأول يجب ألا يعاد أبداً.» ثم يستأنف مبيناً وهو يشير إلى الجدار الحدودي المتعرج (بعض أجزائه من الخرسانة وبعضها الآخر من الأسلاك الشائكة، المعززة كلها بمستشعرات وكاميرات عالية التقنية تبث كل ما تسجله إلى المراقبين في القواعد العسكرية القريبة) إنَّ هذا الجدار الذكي لم يعد كافياً بعد أن استخدمت حماس الطائرات المسيرة حاملة القنابل ونيران القناصين لضرب الكاميرات على طول حدود غزة.
يقول رازيلي: «لقد أغرمنا بالتكنولوجيا إلى أن أنستنا أشياء أساسية في غاية الأهمية.»
يضيف رازيلي أنَّ وحدته أخذت تتبنى حلولاً منخفضة التقنية، حيث لجأت إلى كتيبات ستراتيجية الجيش الإسرائيلي التي كانت معتمدة في أعوام الخمسينات واستخدمت أجهزة الهاتف اللاسلكي قديم الطراز.
يمضي رازيلي فيقول إنه ليس بوسع أي إسرائيلي الادعاء بأنَّ ما حدث لن يتكرر، رغم انسحاب قوات حزب الله من قرب الحدود في الأسابيع الأخيرة بعد أحداث 7 تشرين الأول.
يطرح المسؤولون الإسرائيليون فكرة المناطق العازلة- على غرار ما كان عليه الوضع حين احتلت إسرائيل جنوب لبنان للفترة من 1985 إلى 2000- وهي مناطق تمتد إلى نحو أربعة كيلومترات داخل الجنوب اللبناني وبضعة كيلومترات داخل قطاع غزة، الذي لا يتعدى عرضه أصلاً 12 كيلومتراً. قال نتانياهو أيضاً إنَّ إسرائيل تريد السيطرة على منفذ فيلادلفيا الذي يمتد بموازاة حدود غزة مع مصر.
يوضح «يوسي هارباز»، وهو عالم اجتماع من جامعة تل أبيب، أنَّ تحولاً قد طرأ على المنظور الدفاعي الإسرائيلي عقب 7 تشرين الأول، ودور البلدات الحدودية فيه. يمضي هارباز مبيناً أنَّ المنطقة العازلة اليوم أصبحت تقع داخل أراضي إسرائيل، في المناطق الحدودية نفسها، ولكن الذين يتواجدون فيها الآن هم الجنود وليس المدنيين. يقول هارباز إنَّ يوم 7 تشرين الأول خرق أيضاً عقيدة الجيش الإسرائيلي القائلة بنقل المعركة إلى أرض العدو.
يدير «نوعام إيرلخ» شركة لإنتاج البيرة من داخل كيبوتز المنارة، وهي من مستوطنات الشمال التي أخليت من أهلها لأول مرة في تاريخها يوم 8 تشرين الأول. ستة وثمانون منزلاً في هذه البلدة من أصل 155 منزلاً قد دمّرت، ومن بينها منزله.
يرى إيرلخ أنَّ قوة الكيبوتزات الحدودية، من أشباه المنارة، مسألة ترتبط بالأمن القومي، ويقول: «إذا ما سقطت المنارة فإنَّ خط الحدود التالي سيكون عند كريات شمونة ..» في إشارة إلى المدينة الإسرائيلية الأبعد عن الحدود «ثم شيئاً فشيئاً ستصل حدود إسرائيل الشمالية إلى تل أبيب.» تقول «تريستا فالنتاين»، التي كانت والدتها «راشيل رابين» من بين مؤسسي كيبوتز المنارة وهي شقيقة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق «إسحاق رابين»، الذي اغتيل وكان آخر زعيم إسرائيلي يقترب من عقد اتفاقية سلام مع الفلسطينيين: «لا يمكن للكيبوتزات أن تبقى وتدوم من دون تعاون الحكومة، في حين أنَّ الحكومة نفسها تنهار وكذلك البنى التحتية.»
تنهي فالنتاين حديثها بالقول: «المناطق العازلة لم تعد مجدية، وإذا ما كانت الحلول الوحيدة التي تبحث وتناقش هي تلك التي تدعو إلى استمرار الانتقال من حرب إلى حرب فإننا إذن في مأزق وورطة».
• عن صحيفة «واشنطن بوست»