الإحالة على النصوص العقابيَّة في رؤية قانونيَّة !
العراق
2019/05/20
+A
-A
القاضي ناصر عمران الموسوي
يشكل الشهيد ترجمانا حقيقيا لمعنى التضحية الحي المتجسد بالعطاء فالنفس حين تكون هي القربان الصادق للتقرب ومعانقة الهدف والغاية تكون اقصى غاية الجود ، وقد ارتبطت كلمة “شهيد” بالشاهد بالمعنى الذي يعرفه القضاء. واتسعت مفاهيمه الدينية ففي المسيحية تنطبق على الشاهد الذي يبذل دمه وحياته تأكيدا لإيمانه وتمسكا به. وفي هذا أفصح الشهادات التي يستطيع الانسان ان يعطيها كونها تخلياّ عن الذات حتى الموت اما مفهوم الشهادة كاصطلاح إسلامي فيراد منه أن يُقتل الإنسان في سبيل الله تعالى والشهادة في الإسلام تعني: بذل النفس في سبيل الله، لأجل إعلاء كلمة الحق كي تكون كلمة الله هي العليا وقد منح الله الشهداء استحقاقهم فقال تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” والشهادة إما من “ شهد “ بمعنى حضر، أو من “ شهد “ بمعنى علم ، وتكريم الشهداء هو حق والزام اخلاقي وقانوني دأبت الشعوب والحكومات والدول على العمل به ومنها العراق فقد جاء في الاسباب الموجبة لتشريع قانون مؤسسة الشهداء رقم 2 لسنة 2016 ما نصه تحقيقا للعدالة في منح الحقوق والامتيازات لذوي الشهداء من ضحايا النظام البائد من خلال رفع مستواهم المادي والعلمي والصحي والثقافي وبما يتناسب وحجم تضحياتهم وتثميناً لشهداء ومجاهدي الحشد الشعبي في الحفاظ على ارض ومقدسات العراق شملوا بذات الحقوق والامتيازات الممنوحة لشهداء النظام البائد وتكريما وانصافا لشهداء العمليات الحربية والاخطاء العسكرية والعمليات الارهابية ولغرض ايصال الحقوق لذويهم شرع هذا القانون، وقد استهل القانون في المادة الاولى بالتعاريف للمصطلحات الواردة في القانون فقد عرف في الفقرة اولا:-
الشهيد : هو كل من :أ - المواطن العراقي أو أي شخص اخر مقيم في العراق ضحى بحياته أو فقدها بشكل مباشر نتيجة ارتكاب حزب البعث البائد أي من جرائمه ومنها الإعدام أو السجن أو التعذيب أو نتيجتهما أو الإبادة الجماعية أو الأسلحة الكيماوية أو الجرائم ضد الإنسانية أو التصفيات الجسدية أو التهجير القسري أو من غيب أو وجد في المقابر الجماعية أو الهارب من الخدمة العسكرية؛ وذلك بسبب معارضته للنظام في الرأي أو المعتقد أو الانتماء السياسي أو تعاطفه مع معارضيه أو مساعدته لهم. ب- كل مواطن عراقي ضحى بحياته جراء تلبية نداء الوطن او المرجعية الدينية العليا اعتباراً من 11 / 6 / 2014 وتتكفل هيئة الحشد الشعبي ومؤسسة الشهداء بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة واقليم كردستان ومجالس المحافظات بتوثيق اسماء الشهداء حتى اللذين لم يتم تسجيلهم في هيئة الحشد الشعبي بشرط محاربتهم تنظيم داعش الارهابي واستشهدوا بسبب ذلك، وتقديم ملفاتهم الى اللجنة المنصوص عليها في المادة (9) أولاً من هذا القانون لغرض شمولهم بالحقوق والامتيازات. وبالاطلاع على القانون يتبين بان نصوص قانون المؤسسة تضمن حالة تشريعية جديدة لم تألفها تشريعات القوانين السابقة وهي ان قانون المؤسسة في بعض النصوص القانونية التي وردت اختط لنفسه دورا تطبيقيا فقد نص على ذكر السلوك المخالف للقانون دون النص على العقاب وانما احال ذلك الى نصوص قانونية محددة ونستطيع ملاحظ ذلك بشكل واضح في المادة (17) من قانون المؤسسة في الفقرة ثانيا:- يعاقب كل من يسئ إلى حرمة ومكانة الشهداء او ينكر تضحياتهم بالعقوبات المنصوص عليها وفق أحكام المادة (372) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 وتعديلاته .
وهو نص قانوني بين فيه المشرع السلوك المجرم والمادة القانونية المنطبقة عليه في قانون العقوبات العراقي المعدل وهو امر يعني الجمع بين التشريع والتطبيق وهي ليست مهمة المشرع وانما يختص فيها القضاء وفي تقديرنا ان المشرع لم يكن موفقا بالإحالة الى نص المادة (372 ) من قانون العقوبات والتي تجرم الاعتداء بطرق العلانية على معتقد او طقوس او شعائر دينية لاحد الطوائف والمذاهب او اهانة رمز ديني وقد جاء النص العقابي تحت عنوان (الجرائم التي تمس الشعور الديني ) والشهادة التي اراد المشرع حمايتها جنائيا من الاعتداء عليها بالإساءة الى حرمة ومكانة الشهداء وانكار تضحياتهم ليست شعورا دينيا او معتقدا او طقوسا او رمزا دينيا وانما هي عقيدة وطنية وان منحها الدين اصطلاحا واحكاما دينية فالشهيد موضع الحماية ورد تعريفه في المادة الاولى من القانون فصار معنى قانونيا يوجب حمايته بالمفهوم القانوني المعرف به وفي نظرنا ان المشرع لو نص على مادة عقابية تجرم الاساءة الى الشهادة او الشهيد لكان اكثر شمولية بتعزيز المفهوم الوطني للشهادة واكثر تأثيرا في الحماية الجنائية واكثر تمسكا بدوره التشريعي ، كما ورد في القانون تطبيق احكام المادة (329 ) من قانون العقوبات في الفقرة رابعا :- تلزم الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة على نقل المشمول بأحكام هذا القانون بالدرجة والتخصيص المالي وحسب الخبرة والاختصاص للوزارة التي يرغب الانتقال اليها وتلزم وزارة المالية بأجراء عملية الحذف والاستحداث ويتعرض الرئيس المباشر للوزارة او الجهة غير المرتبطة بوزارة للإحكام القضائية المنصوص عليها في احكام المادة (329) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 وتعديلاته في حال امتناعه عن تنفيذ احكام البند رابعا من هذه المادة .
ونرى بان التطرق الى تطبيق المادة (329 ) من قانون العقوبات اختلف تماما عن ما ورد في الفقرة ثانيا فقد نصت الفقرة رابعا بشكل ملزم على تنفيذ طلب النقل المقدم من ذوي الشهداء المذكورين حسب نص المادة (1 /ثانيا ) من قانون المؤسسة والزام الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة على نقل المشمول بأحكام هذا القانون وقد وضعت المادة الية واجراءات طلب النقل واوجبت على وزارة المالية باجراء عملية الحذف والاستحداث لتحقيق ذلك وهي آلية ادارية متسعة بتحقيق نقل ذوي الشهداء من دوائرهم الى وزارة او جهة غير مرتبطة بوزارة التي يرغبون بالنقل اليها ولان المعرقل بذلك سيكون وزارة المالية بحسب التعليمات والقوانين المعتمدة والمخصصة بدرجات وظيفية فان المادة الزمت الوزارة المذكورة باعتماد اليه الحذف والاستحداث لتحقيق طلب ذوي الشهداء الا ان التطبيق العملي لهذه الالية عند عدم الاستجابة لطلب الموظف من ذوي الشهداء فان المادة القانونية ستضعه بمواجهة الرئيس المباشر (مسؤوله الاداري الاعلى سواء كان مديرا عاما او وزيرا) وفي نظرنا ان اليه عدم استجابة الرئيس المباشر والشكوى من قبل ذوي الشهداء فيه الكثير من المآخذ التي نرى تجاوزها وذلك عن طريق العمل بالية جديدة يكون طلب الموظف من ذوي الشهداء مقدما الى مؤسسة الشهداء ومؤسسة الشهداء هي من تقوم بالترويج للطلب ومتابعته وهو امر يحقق للمؤسسة ثنائيات عدة اهمها ان المؤسسة ستحقق تكريما اكثر لذوي الشهداء وستبعدهم عن الاصطدام بمسؤوليهم المباشرين وستجعل المؤسسة بمواجهة الرئيس المباشر لتطبيق المادة (329) من قانون العقوبات وستكون هي الطرف المشتكي بصقتها الوظيفية وبخاصة ان تطبيق المادة القانونية في احدى فقراتها تقتضي توجيه انذار رسمي بالتنفيذ خلال ثمانية ايام قبل تطبيق النص العقابي كما انها ستحقق للمؤسسة ارتباطا تفاعليا مع دوائر الدولة من جانب وذوي الشهداء من جانب اخر وبخاصة ان الفقرة رابعاً عالجت تحقيق طلب الموظف من ذوي الشهداء بشكل عملي ودقيق اجرائياً
وعقابياً.