علي لفتة سعيد
تبدو العطل في دول العالم لها فائدة كبيرة وأهمية في بناء العلاقات بين الدولة وشعبها، وبين فئات الشعب نفسه حين تكون هذه العطل مرتبطة ببناء الإنسان وعلاقته مع المحيط الذي يعيش فيه، بهدف الاستذكار أو المشاركة في الاحتفالات التي تقام بهذه المناسبة والتي يقوم بها الموظّف وغير الموظف، لكنها لا تخرج عن حدودها التي لا تؤدّي إلى حصول ظواهر عكسية وسلبية.لهذا فإن هناك فوائد كبيرةً لوجود العطل الرسمية التي تنبّه إلى وجوب توحيد العلاقة بين طرفين مهمّين يسعيان لبناء الدولة والإنسان معا، والتالي تجاوز الأزمات التي قد تحصل بين الطرفين لأسبابٍ سياسيةٍ في أغلبها
فتأتي العطلة الرسمية لتجاوزها ومنها وأهمها العيد الوطني للدولة، أو ذكرى حربٍ نشبت، أو تحول هيلكية الدولة من نظامٍ إلى نظام، وغيرها من المناسبات الوطنية، فضلًا عن العطل الدينية التي تأتي في مقدّمتها الأعياد، وذكرى الأنبياء والرسل. وربما تضاف لها عطلٌ أخرى تتركّز في أهميتها على هذه العلاقة بين الاثنين، لأن الدولة من مهماها خدمة المواطن، سواء كان موظفًا في دوائرها أو مواطنًا عاديًا. وأنها أي العطل لا تكون مرتكزة على منطقةٍ دون أخرى، بل تشكّل البلاد كلّها، بمعنى تشمل الدولة وتمنحها الحكومة التي تقود
الدولة.
ولذا يكون السؤال هل: هل العطل في العراق تقع ضمن هذه العلاقة والمسؤولية؟ هل تعطي أُكلها ومدلولها الواقعي؟
إن الإجابة على هذا السؤال يبدو لها أكثر من بعد.. أولها إن الحالة العراقية تختلف عن أية دولة في العالم، باعتبار أن العطل لا تأتي من رئيـس الدولة، بل من الحكومات المحلية في أغلبها. وثانيها إن هذه العطل تأخذ في الحسبان الطابع المحلّي في عملية التوازن بين العاطفة والحاجة إلى التواصل مع الجهور. وكذلك البعد الثالث إنها عطلٌ تحمل البعد العاطفي أكثر منه الفعل لبناء الانسان وبناء العلاقات. ولهذا فإن أغلب العطل في العراق لا تخضع لقوالب الحاجة الفعلية، لأنها تنطلق من أساس التفاعل اللحظوي، حتى أن أغلب العطل تأتي ما بعد منتصف الليل، وكأن الحكومات المحلية تتسابق في إعطاء العطلة، مثلما تنظر الحكومات الأخرى، هل تعطي هذه المناسبة عطلة لتحذو حذوها حتى لا تكون هي خارج الفعل العاطفي
المؤثّر.
إن بلوغ عدد أيام العطل إلى أكثر من 150 يومًا وهو ما يعني نصف أيام السنة تقريبا، فضلًا عن عطلٍ خاصة بهذه المحافظة أو تلك في مناسبات دينية محدّدة قد تمتد فيها العطلة إلى أكثر من أسبوع، وهو أمرٌ مبالغٌ فيه، وهو غير موجود في كل دول العالم إلا الدول الفيدرالية وليس الحكومات المحلية، وهم ما أدّى إلى أن يكون له مردودٌ سلبي، حتى على المحافظة ذاتها، لأنها تولّد حالة من الركود الخدمي للكثير من الدوائر، وبالتالي إلى عجز الموظّف عن العمل ومواصلته، ممّا يؤدّي إلى تراكم المعاملات من جهة والإنتاج من جهة أخرى. وهو ما يعني أيضا تقليل ساعات العمل للموظّف الحكومي الذي يعاني أصلًا من قلة الإنتاج والعمل الرسمي، إضافة إلى حصول تقاعس و(غيرة) من بعض الموظّفين في الدوائر الخدمية التي لا تشملها العطل الرسمية العديدة، وهي تبقى في حالة استمرار بالدوام في حين أقرانهم في الدوائر الأخرى يتمتّعون بالعطل ويسافرون ويحصلون على ذات الأجر الذي يحصل عليه الموظّف في الدوائر الخدمية والتي أهمها دوائر وزارة الصحة وبعض دوائر الصيانة في مديريات الكهرباء والماء والمجاري. وبالنتيجة خلق فجوة بين الموظّفين دون التعويض لهم عن ساعات العمل التي ستكون إضافية، لأن هناك عطلة رسمية يجب ان تشمل الجميع ومن يعمل في العطلة على الدولة أو تعويضه عن هذه الساعات.
إن العطل الرسمية الكثيرة في العراق ينطبق عليها المثل (كل شي يزيد عن حدّه ينقلب ضدّه) وهو ما لا يؤدّي إلى الأغراض التي جاءت من أجلها العطلة التي تكون في الكثير من الدول فقط تشمل المدارس والكليات لأن الطلبة والتلاميذ غير قادرين على التواصل والتوصل إلى مكان الأبنية المدرسية والجامعات، بل إن العطلة لا تمنح إلى الموظّف لوجود أمطار مثلا، إلّا إذا كانت هذه الأمطار تحمل معها أخطارًا جسيمة تحدّدها دائرة الأنواء الجوية، في حين نرى الكثير من الحكومات المحليّة تعلن عطلةً لوجود أمطار يتبيّن لاحقًا أنها لم تشكّل خطورة.
إن سلبيات العطل الرسمية أكثر من إيجابياتها، وإنها تمنح بشكلٍ عاطفي وتأثّر بيئي، والبحث عن وجود علاقة بين الحكومات المحلية والموظّفين لأغراض انتخابية، لأنّها لا تشمل القطّاع الخاص الذين يستمرّون بالعمل حتى وسط الأمطار.