سموقان.. صدى الأزرق موسيقى حاضرة

ثقافة 2024/01/14
...

 رندة حلوم

يرسم سموقان الدّهشة، فهو صياد ماهر لمخزون الفكر الإنسانيّ، رموزه ليست أحاجي بحاجة لتفسير، هي جمال ينتظر عشق المتلقي لتذوقه.
محمد أسعد سموقان هو تشكيليّ سوري، 1951، له أكثر من مئة معرض فردي في داخل البلاد وخارجها، فضلا عن معارض جماعيّة عديدة.. تألقت أعماله ببعدها الفلسفي والأسطوري بحداثة مفتوحة في باريس وبيروت المانيا وموسكو وبطرسبورغ.  
وضم (صدى الأزرق) معرضه الأخير في صالة بيت الأزرق بدمشق، 51 عملاً فنيّاً زيتيّاً بقياسات مختلفة عبر فعاليات احتفالية أيام الفن التشكيلي السّوري 2023.
عن تسمية معرضه بـ "صدى الأزرق" قال الفنان: لأني بحثت كثيراً في دراسة العمل التّشكيلي وحاولت تدوينه، أو تنويطه بمعنى أن يستطيع الموسيقي أن يعزف العمل التّشكيليّ من خلال إيقاعاته اللونية والخطية، مضيفاً: الحقيقة أحببت المقاربة بين التّشكيل والموسيقى، وأقمت أمسيات أو ندوات عدّة تحت عنوان المقاربة بين التّشكيل مع بعض الموسيقيين.
 أمّا عن اللون الأزرق، فتحدث سموقان، مؤكدا: كانت تجربتي الأولى تحت عنوان أبجديّة الأزرق، وفي هذه الأبجدية حاولت أن تكون جميع الألوان زرقاء أو لها وظيفة زرقاء من خلال الدّلالة لا من الشّكل، فكل لون له وظيفة زرقاء، وذلك عبر توضعه أو مجاورته لألوان أخرى، فتتغير دلالته حتّى تصبح زرقاء، وربمّا يراها المتلقي في الشّكل أيضاً، فاللّون يأخذ دلالته من خلال السّياق الذي يتواجد فيه! وكما هو الإيقاع اللٌوني حاضر في دلاته، كذلك هي الموسيقى حاضرة بقوة كقرار وجواب إن كان خطّاً أو مساحةً لونيّة، أو شكلٍ لشجرةٍ ومنزل، أو حيوان كقطة، أم كلب، أو سمكه.. هي الأشكال تعشق بعضها في أبجدية الأزرق، وتتموضع فوق بعضها البعض.
وتابع الفنان في حديثه عن البعد الأسطوري: للوحات بعدها الأسطوري والتّاريخي والمستقبلي أيضاً الذي يخص الفنان نفسه والبلد الذي يعيش فيه، وصدى الأزرق هو صدى الأساطير السّورية القديمة، صدى أوغاريت وبلاد الرّافدين وملاحمها
الأسطوريّة.
وأضاف أن: أغلب العناصر التي أرسمها تؤدي فعلها الأسطوري. ففي أعمال "قصة البعل"، نرى الأشخاص والأشجار والحيوانات تمارس قدراتها الروحية، ومُحرَّضَة بفعل الضوء الذي ينبعث من الداخل داخل الشكل المرسوم. وأن للضوء دلالات تساعد المشاهد على الدخول في هذا العالم البصري.. في حركة اللون وقوة الخط ومحبة الأشكال لبعضها.
كما وتحدث الفنان سموقان عن حالة الفن التشكيلي في الوطن العربي، واصفاً إياه بالفن المتطور على صعيد  الوطن العربي شكلا ومضموناً، لكنّه يعتمد على البناء أكثر مما يعتمد على الهدم، ويمكن أن نقول إنه "جبان تنقصه المغامرة" على صعيد الشّكل والمضمون وبقي متمسّكاً في أساسيات بناء العمل الفني، في الخط واللّون والتّكوين والتقنية، وهذا التّقييد جعله يطّور نفسه وتصبح الحرفية لديه عالية، فهو يضع نفسه ضمن زجاجة أو قارورة مغلقة، من الصّعب عليه الخروج
منها!
ويرى سموقان أن مفهوم الجمال عند أكثر الفنانين العرب يرتبط في المرئي الواقعي والاخلاقي. ومن الملاحظ في لوحات الفنانين التشكيليين العرب بشكل عام وجود الكثير من الحلم، والألم والحب، والخواء، والرّعب أحياناً واللّوعة والعشق المبتور واللا فهم، كما أن محاولات التّعبير الفني تأتي مبتورة وغير مكتملة. ويحاول الفنان عبثا الدخول في لعبة النسيان، لكن حضور اللّون واللّوحة التي يمكن أن تكون الملاذ الأخير. ويأتي اللّون صريحاً نافذاً في أغلب الأحيان، وتتفاعل المشاعر التي تعمل على كبث غصة قهر وإبدالها ببهاء حلم، وأمل يحوّل النزيف إلى التعبير عن البقاء الحقيقي، وفي محاولات التّعبير عن الألم كمبحث للفهم والاستجابة والتأويل، ومن تم الصعود فوق غرائز البقاء والانتصار لاستعادة الإنسانية، والبحث عن هوية مفقودة.
وتناول سموقان عبر حديثه الاتجاه الذي أخذه في الرسم، وكيف وجد علاقة الإنسان بالحيوان والحركة مع اللّون في لوحاته، فعند الفنان الرسم يشبه الشعر وهو عملية بناء يواجه فيها الفنان اللوحة القماشية كما يواجه الشاعر الورقة البيضاء. وقال: بالنسبة لي ابدأ بلا مخطط محدد.. أبني الأشكال والألوان فتتجاور، وتتراكب فوق بعضها أحذف. وأضيف وأترك للصدفة دورها، فتتوالد الأشكال ضمن سياقات، حيث تتجمع وتتحد في سياق كلّي الذي هو العمل المفعم بدلالات لانهائية.
وتابع: فالإنسان شكل، والشجرة شكل، واللّون شكل يحس ويفرح ويتألم، والدّلالات لا تعنيني أكثر من الأشكال.
وأوضح أنّ "الفنان والأديب الحداثي، يعتمد مبدأ التجريب  المستمر على الشكل، وعلى النّمو  الواعي للتّغيير عند الفنانين والأدباء وهذا نوع من الانفصال عن الحقب السابقة لتأكيد قدرة الذّات على الإبداع والتفوق في ظل إيقاعات الزمن المتلاحقة، والتّطور المذهل في النّمو المعرفي والمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والاستجابة للتغيير عند الشرائح الاجتماعية". ولذلك انعكست آثار هذا التجريب في أعمال الكتاب والفنانين الأوروبيين والأمريكيين من خلال تلك الحركات الفنية المعروفة بالرمزية، والسوريالية، والطبيعية والتصويرية، والمستقبلية إلى غيرها من الحركات المتعاقبة في الزمن.
ومن هنا، كانت حركة الحداثة ثورة حقيقية على الأشكال والمضامين الأدبية والفنية السابقة، إلا أن هذه الحركة – مع كل هذا- لها أسباب وأصول وتوجهات عالمية.
وعن العلاقة بين النقد والفن، أضاف أنّ "الفن يأتي أولاً ثمّ النّقد، فالناقد هو مشاهد بالدّرجة الأولى، والعلاقة بين الناقد والفنان هي حوار ليس أكثر، ومبني على الرؤية الصّحيحة للعمل الفني، وليس على الثّقافة التي يمتلكها كل من الناقد والفنان، اللّوحة هي أرض خصبة لحوار يؤدي إلى دروب عديدة تقود دوماً إلى التجديد ومغامرات جديدة وعلى الناقد ألا يكون حكماً أكثر مما هو محاور.
أمّا وجهة نظر سموقان عن  الأشكال في الحداثة، فيرى ألا شكل، لا شكل للحداثة، ولا قاعدة تقيّدها إنّها الإبداع الكلّي والجنون المطلق. كما وقف الفنان عن مفهوم  "المغايرة"، وقال: تكون المغايرة لدى الفنان أحيانا في رؤية مختلفة للوجود عبر طريقة تقديمه لجسد الشكل والألوان التي يوظفها حيث يحاول ايقاظ مكونات الشكل اللامرئية، إن كان شجرة أو إنساناً أم حيواناً، فتأتي الأشكال نحيفة ضامرة بمعالم غير واضحة، وفيها قمة الإثارة في وضعيات الأشكال وتكون في الغالب مثيرة ومقززة في آن واحد، فردوسه وجحيمه.. المغايرة هي هذا "الارتياب الذي قد يأتي بالصدفة على سطح اللوحة هو الخطأ الإبداعي".