محاكاة المسرح العراقي القديم

ثقافة 2024/01/14
...

 وليد خالد الزيدي

لم تكتمل سمات المسرح القديم بظهور أول بوادره بنضوج الحضارات الإنسانية وسطوع عوامل نهضتها حينما اكتملت لدى الانسان مقومات الحياة المستقرة، ولم يبق له سوى البحث الدائم عما يعزز تلك المسيرة بعوامل رقي أخرى ينمو فيها الفكر ويكتمل بها الفعل فاقتصرت مواضيع المسرح قديما على الملاحم والبطولات وتطورت إلى سرد الأساطير وقصص الحب والجمال، ثم تناولت الصراع المبني على الاضداد كالخير والشر والعمل والتقاعس والبناء والهدم والسلم والحرب والمواضيع والاهتمامات البشرية الأخرى. وتصدى فلاسفة ومفكرو بلاد الاغريق لتلك القضية من خلال مبدأ وحدة وترابُط  العمل الأدبيّ السائد حينذاك.
 بهدف تحقيق التقارب بين مُكوِّناته المسرحية التي تجسدت بضَرورة ايجاد عنصر التجانس الفَنِّيّ في أيِّ خِطاب أو قول يفضي إلى عمل يأخذ مداه بوَحدة مكوناته الأساسية الداخلية كضرورة لتماسك بنائه الدرامي.
وطالما ارتبط المسرح قديما بملاحم تترجم صور البطولة حدد المؤرخون ثلاثة عصور منها ما ازدهر في بلاد اليونان نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، وهذا لا يتعارض مع كون أقدم التأليف الادبية اليونانية كالاوديسة والالياذة لم يتجاوز تدوينها القرن الثامن قبل الميلاد وعصر البطولة الهندي إلى ما بعده بقرن من الزمان والثالث عصر البطولة التيتوني شمال اوربا حاليا (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وألمانيا وبولندا وروسيا والسويد) بين القرنين الرابع والسادس الميلاديين  غير أن المؤرخين العراقيين بينوا أن أول عصر للبطولة في التاريخ كان سومري وعزز ذلك خبير المسماريات صموئيل نوح كريمر(1897ـ 1990) المولود في مدينة كييف، والذي هرب الى فلادلفيا الأمريكية عام 1905، نتيجة مذبحة قيصر روسيا نيقولا الثاني، بسبب احتجاجات شعبية معارضة. يعد كريمر أبرز شخصيات العالم دراسة للشرق، وتخصص بفك رموز الكتابات المسمارية وإحياء الأدب السومري، فأكد أن العراق شهد أقدم عصور البطولة اسماه بعصر البطولة السومري في الالف الثالث قبل الميلاد، عندما تطورت فعاليات المعابد من الاحتفالات الدينية برأس السنة في الأول من نيسان كل عام إلى مراكز ثقافية كهنوتية لتعليم النصوص الأدبية، واستنساخ التأليف والمعاجم اللغوية، حيث كانت الكاهنة العظمى تقوم بتمثيل دور الزوجة الالهية مع الكاهن الاعظم بصفة الزوج الالهي باحتفال كبير يعرف بالزواج المقدس هو عبارة عن محاكاة  لزواج الهة الخصب عشتار من اله الخصب دموزي (تموز). ومن الراجح أن الالهة عشتار لا يحق لها الزواج من الناحية الدينية، لكن أحد نصوص حمورابي سمح لها بذلك بشرط عدم الانجاب، بينما منحها آخرون حق الزواج، لكن بعد بلوغ سن اليأس وانتهاء خدمتها في المعبد، يقوم الكاهن ناروم بمهام الانشاد والعزف على الآلات الموسيقية اثناء تلك المحاكاة. حينما نقف اليوم على تلك الأرضية الخصبة لتاريخ  المسرح العراقي لا عجب أن يتفهم الفنانون العرب المعاصرون عمقه الأصيل الذي طالما ارتبط  بحياة العراقيين، وهم يعودوا إلى حيث الجذور الأولى لانبثاقه على أرض سومر، ويعطون العراق حق انعقاد دورته الجديدة الرابعة عشرة حاليا، رغم احتجاب بعض من توهجه بسبب اطماع القوى الخارجية، وانشغال حكامه في العقود الماضية بترصين ممالكهم وتمتين عروشهم وتأمين قصورهم.
وحرصا منهم على تيجانهم من إعادة الحياة للمسرح، واحياء دوره البناء وخشية انتقاد شخوصهم ليتمسك مسرحيو العراق بمبادئ هذا الفن وإبراز صوره الجمالية متضمنة احترام العقل، والابتعاد قدر الإمكان عن الوهم والخيال ممسكين بوظيفتهم الأخلاقية المبنية على إرشاد الجمهور بقيم مجتمعهم عبر نشر الفضيلة ودرء الرذيلة واحترام مبدأ المحاكاة واللياقة والأدب ليرتقي الانسان بدوره في البناء
والنماء.