علي حسن الفواز
يكشف استمرار العدوان الصهيوني على غزة عن واقعٍ “جيوصحي” خطير، له تداعياته وآثاره، وانعكاساته المرعبة على البيئة، وعلى الصحة العامة، فحجم “المعادن الثقيلة” في قنابله وغازاته السامة، وفي مقذوفات الفسفور الأبيض التي استعملتها العسكرة الصهيونية في قصفها المتواصل للقطاع وأهله، تضع الواقع الصحي أمام التعرّض إلى تلوثات كبيرة، وتعقيدات من الصعب السيطرة عليها، لأنها ستكون سببا في إحداث تشوهات في النظام البيئي، وفي النظام الصحي، إذ ستكون الأضرار التي تتركها مخلّفات العدوان أكثر تدميرا للأرض وتلويثا للمياه والطعام، فضلا عن تسببها في زيادة نسب الأمراض السرطانية والإسقاطات المُبكرة للأجنة بين النساء.
ما يحدث من جرائم على أرض غزة يدخل في سياق ما يمكن تسميته بـ”جرائم المستقبل”، إذ ستتعرّض “الفئات الهشة” وهي النساء والأطفال كما تُحددها منظمة الصحة العالمية واليونسيف، إلى أخطار مروعة، تنعكس على تأمين فرص حقيقية للحياة الآمنة، والبيئة الآمنة، فهم سيتعرّضون إلى كثير من الأمراض الغامضة، مثل الخلل في النمو، وفي التشوهات الجينية، والعيوب الخلقية وغيرها، لأن تراكم المواد المنفجرة وغير المنفجرة والقنابل السامة، سيُسهم في إحداث عيوب بايولوجية، ومكاره صحية، لا تجد المنظمات الدولية الصحية سوى وضعها ضمن توصيف دوائر الخطر، والبيئات الأكثر تلوثا، لاسيما أن كثيرا من الجهات الإعلامية كشفت عن أن طائرات الاحتلال ومدفعيته تُسقط ما يعادل ألف طن يوميا من المتفجرات على غزة.
ما رصدته فرق تلك المنظمات من ارتفاع ملحوظ لنسب “المعادن الثقيلة” بعد الفحوصات المخبرية والإشعاعية لعيّنات من تلك “الفئات الهشة”، يضع العدوان الصهيوني في سياق توصيف الجرائم الكبرى، لأنه يتجاوز حدود القوى الفاعلة في “الحرب” والداخلة في قواعد اشتباكها، إلى تعريض الجماعات المدنية من النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، إلى أخطار القتل العمد، وإلى إصابتهم بحالات مرضية لا يمكن ربطها إلّا بالآثار الكارثية للعدوان، فضلا عما تتعرض له الأرض والبنى التحتية من أضرارٍ كبرى تمسّ الحياة وفرص العيش الطبيعية للبشر، وهو ما أكده رئيس لجنة الطوارئ الصحية مروان الهمص بالقول: “إن استمرار الحرب يُعرّض سكان غزة إلى أخطارٍ ضخمة نتيجة مخلفات القنابل والمباني المدمرة المنتشرة في كل مكان من القطاع، والتي تؤثر في جسم الإنسان وبالأخص الجهاز التنفسي”.