دمشق: علي العقباني
تزيد تجربة المخرج السينمائي العراقي قيس الزبيدي على قرن من الزمان أحاطها بعدد من المجالات التي ترتبط بالسينما من تصوير ومونتاج وإخراج وكتابة سيناريو، ونقد وتنظير ومشاركة، فقد كان يصور ويقوم بأعمال المونتاج والإخراج، وهذا الأمر منحه إلى حد كبير الحرية في أن يقدم العمل الذي يريد من جهة وأن يجرب في أدوات سينمائية ويختبر في نقل الأفكار والصورة والموسيقى بشكل مختلف وخاص.
ينتمي الزبيدي إلى جيل سينمائي نهض في السبعينيات من القرن الماضي، مُحملاً بالكثير من الأحلام والأمنيات والأفكار التحررية والقومية، والمزود بدراسة أكاديمية في أهم معاقل السينما في أوروبا جعلته مطلعاً على تاريخ وتجارب السينما في العالم، ومطلعاً على التجارب الفنية والمدارس المختلفة فيها، هذا الجيل هو من حمل أو من اعتقد أن بإمكانهم خلق سينما عربية بديلة وجديدة، وأن ينفخوا روحاً مختلفة فيها وجعلها تقارب السينمات العالمية في كل مفاصلها، وهو ما اصطلح على تسميته" السينما البديلة أو الجديدة".
منذ فيلمه القصير الأول "الزيارة" حاول الزبيدي الابتعاد عما هو تقليدي وسائد في السينما، معتمداً على الصورة والتشكيل والموسيقى والتعبيرية العالية في الأداء والسرد، وهو ما حاول فعله في فيلمه الروائي الطويل "اليازرلي" المأخوذ عن قصة على الأكياس للروائي السوري حنا مينا، وعبره حاول الزبيدي منحازاً إلى التجريب والبحث عن جماليات خاصة في السينما البحث عن سينما بديلة وخاصة، هذا الأمر المتعلق بالتجريب والاختبار ينسحب على الأفلام التي صنعها الزبيدي" قصيرة
وروائية وتسجيلية"، وذلك رغبة منه في البحث عن علاقة فنية وجمالية بين اللوحة التشكيلية والصورة الفوتوغرافية الثابتة والصورة السينمائية، التي تتمايز عنها كونها متحركة في الزمان والمكان، وكان قد عُرف عن الزبيدي ولعه بالفنون البصرية والتشكيل وبدا ذلك جلياً في عدة أفلام منها"الزيارة، وشهادة الأطفال، وزائد ألوان، وكابوس، و فيلمه “ألوان”، وهو عمل تسجيلي مختلف عن تجربة الرسام العراقي جبر علوان، حيث حاول الزبيدي في هذا الفيلم إيجاد علاقة متكاملة تبدأ من التلاقحات الجمالية بين عدد من الفنون المختلفة، ومحاولة إيجاد علاقة عضوية فيما بينها، معتمداً في ذلك على محاولة إنشاء علاقة جدلية بين كل ذلك من خلال سردية سينمائية جمالية للصورة المتحركة في السينما، الأمر الذي يعلي من شأن الصورة والفيلم التسجيلي إلى مستوى جمالي مختلف.
تعود علاقة قيس الزبيدي بالسينما الفلسطينية والقضية الفلسطينية إلى بداياته السينمائية، ووعيه المبكر بأهمية ودور السينما في القضايا المصيرية والكبرى، ومنذ فيلمه التسجيلي "وطن الأسلاك الشائكة"، والذي يمكن اعتباره فيلما سياسيا، يعتمد على مادة من واقع الاستيطان الصهيوني، وقد تناول أساليب النضال في كامل التراب الفلسطيني، والذي تحاول إسرائيل، عن طريق البؤر الاستيطانية منذ ذلك الحين، قضمه قطعة تلو قطعة، بدا واضحاً ذلك الارتباط العضوي بينهما، والذي استمر حتى هذا اليوم من خلال عدد كبير من الأفلام التسجيلية، التي قدمها الزبيدي عن فلسطين، فهو يرى أن السينما التسجيلية تكتب تاريخ الأفراد والجماعات كتابة بصرية، بالإضافة إلى أنها تقدم موقفاً وتوثيق لحظة وتعيد ترتيب الأحداث، ويرى الزبيدي أن "المخرج التسجيلي صاحب قضية يهدف إلى إثبات حقه أو إدانة غيره، فليس أمامه سوى الوقائع، مهما كان قديرا وموهوبا وحرفيا، فالموهبة والحرفية، عنده، عاملان مساعدان فقط، في الفيلم التسجيلي، وأي محاولة من المخرج للتفنن على حساب الوقائع تضعف مصداقيته في الإقناع بعدالة القضية التي يعتقد أنه يدافع عنها".
الزبيدي الذي يعيش منذ سنوات طويلة خارج وطنه العراق وخارج الأماكن التي عاش وأحب، سورية وفلسطين ولبنان، واحترقت روحه على ما جرى ويجري فيها، ينظر إليها بشوق ورغبة في أن يصنع فيها وعنها أفلاماً كثيرة، فهو يسعى منذ سنوات إلى صنع فيلم عن فلسطين
مادته البصرية والسمعية منتقاة من أفلامه، ويتناول تاريخ الاستيطان في فلسطين واستيلاء الصهيونية، بدءا من مؤتمر بال إلى الوقت الحاضر، على أغلب أرض الوطن الفلسطيني.
ومن الضروري التعريف بقيس الزبيدي، فهو مخرج وباحث في نظرية السينما وتاريخ فلسطين في السينما. أسس "الأرشيف السينمائي الوطني الفلسطيني" بالتعاون مع الأرشيف الاتحادي في برلين ألمانيا. حازت أفلامه جوائز في مهرجانات عربية ودولية عديدة وصدر عنه وعن أفلامه كتاب "عاشق من فلسطين"، للناقد محسن ويفي، وصدرت للزبيدي الكتب التالية: "بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني: نحو درامية جديدة"، و"درامية التغيير: برتولت بريشت"، و"المرئي والمسموع في السينما"، و"فلسطين في السينما"، و"الوسيط الأدبي في السينما""مونوغرافيات في نظرية وتاريخ صورة الفيلم"،وكتاب في الثقافة السينمائية – مونوغرافيات"،"الفيلم التسجيلي: واقعية بلا ضفاف"، و"دراسات في بنية الوسيط السينمائي".