مطالباتٌ بتأسيس دائرة لتوزيع الكتاب ودعم مؤلفه وجمهوره

ثقافة 2024/01/17
...

 صلاح حسن السيلاوي  

اعتاد المثقف العراقي، أن يتساءل في أثر السنة التي يودعها، وتلك التي يستقبلها، عن الأثر الثقافي في الماضية، وما يمكن أن يحققه من حلم في المقبلة، هكذا هو المبدع العراقي، لا يطمئن للسنوات، التي طالما سرقت أحلامه، بما تضمره من البارود، وما تقتله من الورد، لذا فهو حريص على مواجهة الزمن بالأسئلة والإبداع. مرت سنة 2023، وقد تكون أحد أفضل السنوات هدوءاً منذ 2003، ذلك الهدوء، الذي طالما افتقده المثقف العراقي على أرضه، وفي سمائه، وطالما تأثرت نصوصه، بمحيطها من الحزن والألم والحروب. لذلك كله أتساءل، في حضرة نخبة من مثقفي البلاد، فأقول: ما أهم كتاب قرأته في 2023، وما أهمية مضامينه برأيك؟ ماذا عن الكتاب العراقي المطبوع خلال العام الماضي؟ ما رأيك بمستوى طباعته وانتشاره؟ وما تقترح بشأن المؤسسات التي تعمل على إنجازه، ما رأيك بما يخضع له الكتاب من مشروع تجاري، يفضل نوعاً ويترك آخر؟ هل نحتاج دعماً معيناً، لإصدار كتب في  مجالات محددة، كالفلسفة وعلم الاجتماع والنقد الثقافي وغيرها؟


مرحلة الانقلاب السلبي 

الناقد الدكتور صباح التميمي، يرى أننا نعيش في مرحلة ثقافية حرجة جداً، يصفها بـ (مرحلة انقلاب سلبي تام) ويبدي أسفه لهذا الوصف، مشيرا إلى أن هذا الانقلاب تسلقت فيه الهوامش، واحتلت مناطق المتون، مؤكدا على عدم اقتصار هذه الحالة المرضيّة على حقل ثقافي واحد، بل أصابت معظم الحقول الثقافية الفاعلة، على حد تعبيره، وقال مضيفا: لا عجب في أن يتراجع (مُنتِج الدراما) مع مَن تقهقر من فواعل الثقافة وصانعيها اليوم ! 

(الدراما) فعل تأثير خطير، صعوده والارتقاء به ينسحب على الارتقاء بثقافة المجتمع كلّه، لأنّ النص (المرئي) أكثر تأثيراً في (بلاغة الجمهور) من النص المقروء، الذي يتمّ تعاطيه وتداوله في زوايا قصيّة عن هذه البلاغة العامة، وها نحن نشهد تقطيع أوصال مشاهد (درامية) هزيلة بثقافة (الريلز)؛ لتسليعها وإشاعتها بشكل يُعطي انطباعاً سلبياً عن مستويات الثقافة التي وصل إليها مجتمعنا، ويُفكّك البنيات العميقة فيها، ويُحوّلها إلى محتويات (هابطة) لا تُنتِج سوى (ثقافة القهقهة) التي تُهمّش البنى القيميّة (الجادة) الثاوية في أعماق المجتمعات الريفية، التي كانت تُمثّل في ما مضى أدواتٍ ناجحة لصناعة ذات معتدلة غير 

مهزوزة.

ومما يؤشّر خطورة الدراما وضرورة إعادة قراءة طرق إنتاجها، تأثيرها السحري الذي يسري في طبقات المجتمع المختلفة بسرعة الضوء، ويصنع فارقاً بما يطبع في تربية جيل بأكمله من آثار ثقافة معيّنة، فالذاكرة العراقية الجمعية تحتفظ لنا بصور لأبطال دراما بقوا عالقين فيها لأكثر من جيل كشخصية (ساري العبد الله) البدوية مثلا، وهي قصة حياة شاعر شعبي تُرجمت إلى فعل درامي ناجح، خلّف أثراً عميقاً في المتلقي العربي، ومما هو قريب من أيامنا هذه، مسلسل (أبو الطيّب المتنبي)، وقد قام بتجسيد شخصية أبي الطيّب فيه الفنّان السوري (سلوم حداد)، والمسلسل من إخراج الأردني (فيصل الزعبي) ومن إنتاج تلفزيون أبو ظبي سنة 2002، وقد اشترك فيه بعض من نجوم الدراما العراقية. 

القراءة والجيل القشري 

ثم يطرح التميمي سؤالا هو: هل تبدو الدراما العراقية عاجزة عن صناعة مُنتَج درامي يكشف عن مضمرات الثقافة الوطنية ومقتنياتها الفنيّة الثمينة التي تجهلها أجيال اليوم التي سيطرت عليها ثقافة (الريلز) و

(القهقهة)؟

ثم يجيب على تساؤله بقوله: يبدو لي أن الإشكال لا يكمن في عدم توفّر الإمكانات البشرية والمادية والفنية، بل المشكلة تكمن في فواعل الانتاج الدرامي (المُنتجِين)، والغايات التي توجّه تفكير هذه الفواعل من جانب، والصمت الذي أدخل دراميي الأجيال الصحيّة السابقة (الستينيات والسبعينيات والثمانينيات) في سبات عميق، وعزلة سلبية!

يُضاف إلى ذلك صعود، جيل درامي شبابي فقير جداً في بنيته الثقافية، وهو نتاج طبيعي لمرحلة قُوِّضَت فيها الثقافة بشكل مُنَظَّم، منحها انفتاح العقل العراقي على العالم تكنولوجيًّا لوناً من السلطة الجمعية، التي باتت ترفض العودة إلى منابع الثقافة الصحيّة، وأخذت تضع ممارسي هذه الثقافة في دائرة الكلاسيكيات الميّتة، وما عادت القراءة الورقية تؤثّر في هذا الجيل القِشْرِي، الذي يهيئ نفسه للذهاب في رحلة لشارع الثقافة العظيم في بغداد – أعني شارع المتنبي – من أجل أن يُمارس قشور الثقافة، ويتعاطى الضار منها، ويلتقط صوراً لفعله هذا في نهاية الرحلة الفارغة ؛ كي يظهر بمظهر المثقف! لأنّه ببساطة نتاج مرحلة قِشريّة تحتاج منّا جميعاً وقفة جادة تُعيد للقراءة بريقها السابق؛ لبناء عقلية درامية 

مثقّفة.


 الكتابة والشفويَّة 

رئيس نادي النقد في اتحاد أدباء النجف، الدكتور كاظم عبد الله، تحدث عن آخر كتاب قرأه هو (الكتابة والشفوية - في بدايات الإسلام) لمؤلفه (غريغور شولر) الذي ترجمه رشيد بازي، الصادر عن المركز الثقافي للكتاب في عام 2016.

مبينا أن الكتاب تناول مسألة العلاقة بين الشفوية والكتابة، لا سيّما في بدايات الإسلام، ومرحلة تطوّر الأدب العربي، وأشار عبد الله إلى أن مؤلف الكتاب يرى أنّه ليس من المستبعد أنْ يكون النبي محمد (صلى الله عليه وآله) قد أقدم على إملاء بعض السور، وأن تكون في حوزة بعض الصحابة نسخٌ لها ، وذلك بعدَ وفاتهِ بمدّةٍ يسيرة وعندما شُرِّع بجمع القرآن، تمّ الاعتماد على كتابات سبق تدوينها على مواد مختلفة، وعلى الرواية الشفوية، وأضاف عبد الله موضحا: بيدَ أنّ العلاقة بين الشفوية والكتابة تبدو أكثرَ تعقيدًا، عندما يتعلّق الأمر بالحديث. 

كانَ الشاعر يحتفظ بشعره عن طريق راوٍ، وإذا مات الراوي يتصرّف ذووه بالشعر، وكان الحطيئة شاعراً وراوية لزهير بن أبي سُلمى، وفي بعض الأحيان قد يبدّلُ الرواة كثيرًا من المفردات حتى قيلَ الراوي شاعرٌ ثانٍ.

ثم تحدث عن رأيه بشأن الكتاب العراقي، عبر سبع فقرات، امتدت على أفقٍ من الرصد والنقد والمقترحات، قال فيها:


1 - الكتاب يحتاج إلى عناية كبيرة من ناحية الإخراج الطباعي، كالواجهة ونوع الخط وكما نعلم أنّ ذلك نوعٌ من الرموز التي تكوّن علاماتٍ أو مفاتيح لمحتوى الكتاب.


2 - تجديد المضامين إذ أكثر الموضوعات مكرورة وإنْ اختلفت العنوانات وهي مشكلة يعاني منها المثقف العراقي.

3 - ضعف انتشار الكتاب الذي لم يجدْ من يسوّقه داخل وخارج العراق بصورة صحيحة وتقع مَهمَّة ذلك على عاتق الجهات الراعية والمصدّرة للكتاب.


4 - يحتاج الكتاب العراقي إلى المشاركة في معارض الكتاب العالمية والعربية والعراقية جميعها حتى يرى النور والانتشار.


5 - يحتاج نشرُ الكتابِ إلى وسائل الإعلام للتعريف به وبصاحبه والإشارة إلى فصوله ومضامينه أسوةً بإعلانات المسلسلات وأدوات الطبخ.. وغيرها من البرامج .


6 - استحداث أمسيات أو ندوات تحت عنوان، (كاتب وكتاب) يتحدث فيها المؤلف، عن تجربته في تأليف الكتاب وما يحويه من مضامين ومعلومات يصعب فهمها في بعض الكتب.


7 - يحتاج الكتَّاب إلى دعم الدولة في تسهيل طباعة كتبهم ودعمهم من الناحية المادية. 

كذلك تشجيع طلاب المدارس، وتحبيب القراءة لديهم، وتفعيل المكتبات المدرسية، التي أُهملت في أغلب المدارس ومنح درجات لمن يقرأ الكتب، ليشبَّ الطلابُ على حبِّ الكتاب، في ظل انحسار القراء والمثقفين بشكل ملحوظ. 


برنامج لرصد 

حاجة القارئ 

الشاعر الدكتور عقيل حبيب، يرى أن على الدولة، عبر مؤسساتها المعنية بالكتاب، أن تعمل على وفق برنامج، تضعه لإنجاز مشاريعها، مشيراً إلى أن أهمية هذا البرنامج تكمن في رصده لحاجات القارئ العراقي، في مجالات معينة، مثل الفلسفة وإصداراتها الجديدة في العالم، وهذا حسب - حبيب - لا يتمثل بانتظار المؤسسات لإصدارات الكُتّاب المعنيين بذلك، بل يجب ان توضع خطة لرصد الإصدارات الجديدة في اللغات الأم، ثم السعي لترجمة المهم منها، ويلفت حبيب هنا إلى ضرورة أن تشمل خطة العمل هذه، جميع مجالات الفكر والأدب والإبداع بشكل عام، وأضاف قائلا: على مؤسسات الدولة أن تعرف أهم ما يكتب في العالم وتسعى لترجمته، فهذا واحد من أهم السبل الكفيلة بتطوير العمل الثقافي، والوقوف على آخر فعاليات الحداثة على كل المستويات. 

أما في ما يخص رأيه بالكتاب العراقي، فقد ذهب، الى الحديث عن أهمية توزيع الكتاب ونشره، ليصل إلى جميع مناطق البلاد، فها هو يقول: أجد أن واحدة من المشكلات في صناعة الكتاب العراقي، هي فقدانه لهذه الحلقة المهمة، إذ لا يجد القارئ العراقي الكتاب في متناول يده دائما، بل عليه البحث والسعي، عبر وسائل متعددة للوصول إليه، فهنالك كتب يجب عليك أن تسافر لأجلها، أو تطلبها من خلال وسائل التوصيل، وهذا لا يُمكّنُ الدولةَ من زيادة الوعي بين شرائح المجتمع، لا يُمكّنُ الدولةَ من صناعة وعي اجتماعي، بأهمية الكتاب بوصفه وسيلة للرقي والتفاهم والتواصل الإنساني، عبر مفاهيم حديثة وسامية. 

لهذا اقترح أن تعمل الدولة على إنشاء دائرة معنية بتوزيع الكتاب، لها فروع ومكتبات في كل انحاء العراق، ولا أعتقد أن الامر صعب عليها، بوجود مؤسسات وزارة الثقافة، والبيوت الثقافية المنتشرة في كثير من مدن البلاد. 


الأدب والفلسفة 

الناقد وجدان عبد العزيز، تحدث عن أهمية القراءة بوصفها منظورا متسعا للعالم ومفاهيمه، كونها البوابة للخروج الى عوالم جديدة ومعرفة شخصيات وآراء مختلفة، يمكن من خلالها الإطلالة على عوالم معرفية متعددة. 

وأضاف عبد العزيز، قائلا: طالعت في عام 2023 الكثير من الكتب وأكثرها عن الادب، وكان أهم ما قرأت برأيي، كتاب ( في الأدب الفلسفي) للكاتب الدكتور محمد شفيق شيا، وقد طرح الكتاب أفكار جديرة بالاحترام، بين الأدب والفلسفة، في الرواية والمسرح والشعر، في الأدب الذي يحمل بعدا فلسفيا، يحمل من الفلسفة تلك الـ (لماذا) المقلقة، أي أنه يحمل من الفلسفة آفاقها وقضاياها وتحدياتها، بينما يبقى له من الفن جماليته وتفرده وأصالته، إنه ذلك الادب الملتزم بقضايا الإنسان العميقة، حتى أصبحت تلك القضايا هماً دائم الحضور في المضمون والشكل.

أما عن الكتاب العراقي المطبوع خلال عام 2023 فأراه مزدهرا جدا، وأخص بالذكر ما يطبعه الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقي، ومشاركته بأكثر من معرض داخل العراق وخارجه، جعلنا نأمل بانتشاره على مستوى العراق وخارجه، وعلى الرغم من أن الاتجاه العام للمثقف، هو باقتناء كتابه من الشبكة العنكبوتية، إلا أنه ازدهر طباعة خلال عام 2023 لكن تبقى أثمان طبع الكتب يتحملها المؤلف نفسه، وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة لظروف المعيشة الصعبة. 

أقترح أن تبدي المؤسسات القائمة على طباعة تساهلا في أثمان الطباعة. تصور أنا الآن لدي ثلاثة كتب معدة للطبع، لكني لا املك القدرة المادية لطباعتها، وفي حكم المؤكد طباعة الكتب في مجال الفلسفة وعلم الاجتماع والنقد الثقافي وغيرها تحتاج إلى ما هو أعلى من أثمان طباعة ديوان شعر، أو مجموعة قصصية، وقد تكون أكثر في طباعة رواية، فلا شك انها تحتاج الى دعم كبير، في هذا المجال.. لهذا يظل الكتاب، مصدر التعليم الأول، فلا أفضل من الكتاب للوقوف على خلاصات العلوم على اختلافها، فأنت بالكتب تستطيع تعلّم كل شيءٍ عن مكان ما، أو عن علوم الطبيعة، والبيولوجيا، واللغة، والعلاقات العامّة، والتاريخ، والأديان أو أيّ أمرٍ كان، كما أن الكتاب خير وسيلة، لتنمية ثقافة الإنسان، وزيادة وعيه بالأمور من 

حوله.