اشتباك المُعطيات

الرياضة 2024/01/22
...

علي رياح

أوجدَ فوز منتخبنا على نظيره الياباني ما يمكن وصفه بـ (اشتباك المعطيات). الأمر لا يتعلق فقط بنتيجة تاريخية واستثنائية لم تكن موضوعة في حسابات الكثيرين وهو إقرار لا بدّ منه الآن، ولا يتعلق أيضاً بالارتباك الشديد الذي أصاب (الكومبيوتر) الياباني الذي يحسبها دوماً في عناية شديدة خصوصأ حين تسبق ذلك انتصارات لامعة على منتخبات عالمية، إنما جاء الفوز لكي يُعيد رسم ملامح الحدث بأكمله. يصحّ القول هنا، وفقاً لاستعارة المنطق الذي يسير عليه المؤرخون، إن التنافس في البطولة سيقوم على نقطة فاصلة بين تاريخ يسبق فوزنا الكبير وآخر يعقب الفوز.. وهو الفرز الذي انهمك فيه المراقبون بعد المباراة مباشرة، فكان عليهم إعادة جدولة الحسابات والتخمينات ليس في مجموعتنا وحدها وإنما على صعيد المواجهات اللاحقة في الدور ثمن النهائي وما يليه. حتى نحن العراقيين، كنا قبل مباراة اليابان نضع ما يتيّسر من معطيات حول هوية المنتخب الذي سنواجهه بعد فيتنام، واليوم تتغير لدينا الحسابات، وفي المشهد العام لم يعد مجرد حسن السير أو تقديم الصورة الإيجابية أو تسجيل الحضور هدفاً وغاية وطموحاً بالنسبة لنا ولمنتخبنا، فالفوز على اليابان أكثر دول آسيا تقدماً في مجال كرة القدم يفرض منطقاً آخر مختلفاً ويفتح شهيتنا للمزيد من النجاح، وهو السياق المنطقي الذي تفرضه الوقائع في الميدان وليس على الورق.
هناك من يقفز فوق الحقائق ويَدّعي أن فوزنا على اليابان كان في إطار كل الحسابات والتوقعات، وهذه مبالغة كبرى تدلل على قصور في النظر إلى كرة القدم وموازين القوى فيها، وفي رأيي أن الأصح هو القول إننا تغلبنا على منتخب آسيوي بمواصفات عالمية وقد حققنا نتيجة عجز عن رصدها كثير من المحللين، وهذا الاعتراف لا يقلّل من قيمة ما تحقق ولا يثلم صورة منتخبنا وفوزه التاريخي، فالاعتراف بمكانة المنتخب الياباني تعزيز لقيمة فوزنا.
في خضم هذه المعايير المتشابكة التي فرضها المنطق العراقي عن جدارة واستحقاق، ينبغي أن نضع كثيراً من الخطوط الحمراء تحت مفردة (غرور) قد يتسلل إلى أنفسنا ويصيب آمالنا في مقتل. هناك من يرى أن مجرد الفوز على اليابان هو لقب في حد ذاته، والبعض يذهب إلى مكان أبعد فيرى أن التتويج الفعلي للعراق قد تمّ يوم الجمعة ولا يهم ما سيأتي.. حذارِ من شعور كهذا، فنحن لم ننته إلا من المباراة الثانية ويفترض أن تنتظرنا مباراتان على الأقل، وإذا أردنا مواصلة سعينا الحثيث فعلينا أن نستعد لكل مباراة بما تقتضيه، وعلينا أن ندرك مجدداً أن مهمتنا لم تتوقف بالفوز على اليابان إنما تبدأ به، فلقد اندرج منتخب العراق في عِداد المنتخبات المؤهلة للتنافس على اللقب بعد أن كان المسؤولون عن المنتخب وبضمنهم المدرب كاساس لا يعِدون قبل البطولة بالكثير ربما بهدف رفع الضغوط عن لاعبينا أو تخفيفها على الأقل. مباراة الأربعاء أمام فيتنام ستكون تحت الأنظار على نحو غير مسبوق، الكل يريد أن يرى عطاءً أكبر للمنتخب العراقي، وألا تكون نشوة الفوز الأخير سبباً في تعثرنا وفرضنا معايير أخرى.. ولكن في الاتجاه المعاكس.