كاظم الحسن
في هذا الكتاب يكتب مانغويل عن بورخس وتشي غيفارا، وبشكل خاص عن "أليس في بلاد العجائب" للويس كارول، التي يعتبرها شريكته في المصير والأكثر قرباً والأحب.
يكتب عن الرقابة والفضول الفكري، عن فن الترجمة وتاريخ الصفحة، القارئ المثالي وعن المكتبات.
وفقاً لمانغويل، يمكن للكلمات أن تضفي تماسكاً على العالم وتوفر يضعة أمكنة آمنة تمنحنا مأوى أثناء رحلتنا عبر الغابة المجهولة والمظلمة.
آثرت أن استهل عرض هذا الكتاب بالحوار الذي دار بين جيفارا والكولونيل اندريه سيليش الذي أسره في بوليفيا ومدته خمسة وأربعون دقيقة. كان قلة الذين يعرفون عن ساعات جيفارا الأخيرة، بعد صمت دام تسعة وعشرين عاماً، سمحت أرملة سيليش أخيراً للصحفي الأميركي جون لي اندرسون بنشر هذه الأسرار أو الحوار.
"أيّها القائد أراك كئيباً بعض الشيء" قال سيليش: هل يمكنك تفسير انطباعي هذا؟.
"أنا فشلت، أجاب غيفارا: كل شيء انتهى، وهذا سبب رؤيتك لي بهذا الحال".
"هل أنت كوبي أم أرجنتيني؟"، سأل سيليش. أنا كوبي، أرجنتيني، بوليفي، بيروني، اكوادوي". "ما الذي جعلك تقرر القيام بعمليات في بلدنا؟". "ألا ترى الحالة التي يعيش فيها الفلاحون. سأل غيفارا. إنّهم، تقريباً يشبهون البدائيين، يحيون في حالة من الفقر تبعث الكآبة في النفوس، لا يملكون سوى غرفة واحدة ينامون فيها ويطبخون، عرايا مهجورين مثل الحيوانات".
"لكن الشيء نفسه يحدث في كوبا" ردَّ سيليش. "لا، هذا ليس صحيحا" ردَّ جيفارا بالمثل. "أنا لا أنكر أنّ الفقر موجود في كوبا لكن على الأقل لدى الفلاحين هناك وهم بالتقدم، في حين يعيش البوليفيون بلا أمل.. تماماً كما يولد، يموت، من دون أن يرى يوما تحسّنا في الحالة الإنسانيّة. هذه التراجيديّة الإنسانيّة تكاد تحمل نفس الهم الإنساني الذي عانى آلام الحسين في واقعة الطف، القاتل هنا يشبه إلى حدٍّ ما عمر بن سعد الذي دفعته الإغراءت الماديَّة وأعلن مقولته سيئة الصيت: اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى.
في حين لم يبقَ مع جيفارا إلّا العدد الاقل والشيء نفسه مع الحسين. هكذا هي الإغراءات العقائديّة انصارها قليل. ان الكرام قليل. ربما القارئ سوف يقول العنوان لا يتسق مع هذا المحور. لكن الكتاب مجموعة مقالات. المكتبة منزلا: هنا يروي البرتو مانغويل عن مكتبته في فرنسا حيث يقول للسنوات السبع الماضية، سكنت في بيت كاهن حجري قديم في فرنسا، جنوب اللوار فالي، في قرية يقطنها أقل من من عشرة آلاف نسمة.
اخترت المكان لأنَّ بجانب البيت نفسه حظيرة مهدّمة جزئياً عمرها قرون، وكبيرة بما يكفي لتأوي مكتبتي التي تناهز الثلاثين ألف كتاب، المجمعة على مدى ستة عقود سرمديَّة. عرفت انه حالما تجد الكتب مكانها، سأجد مكاني.
نهاية القراءة. قد يحمل هذا العنوان بعض الغرابة لكن الكاتب مانغويل قد يقنع القارئ بأطروحته تلك: الحقيقة هي أن القراءة كما عرفناها لم تعد ضرورة شاملة، ويجب ان تهجر المكتبات أوعية النصوص النبيلة إنما العتيقة تلك التي ندعوها كتباً، ونتبنى النص الالكتروني الآن والى الأبد، كما هجرت فيما مضى ألواح الطين ولفائف البرشمان لصالح المخطوطات.
اِقبلوا بالمحتوم، زمن غوتمبيرغ ولى. يطرح المؤلف سؤالا اشكاليا وهو لماذا في لحظة معينة من حياتنا، نفضل رفقة كتاب على آخر؟.