نتفاءل.. ولكن بشروط

الرياضة 2024/01/29
...

علي رياح
لستُ في حاجة إلى إعادة رسم المشهد بحساباته وتوقعاته وتخميناته ونحن في الطريق إلى لقاء المنتخب الأردني الشقيق في ثُمن نهائي كأس آسيا.. فمنذ الفوز التاريخي الاستثنائي على اليابان، خرجت تطلعاتنا عن حدود المشاركة الإيجابية أو مجرد تسجيل الحضور المؤثر إلى البحث عن اللقب الثاني بعد غياب سبع عشرة سنة عن منصة التتويج، حتى صار بديهياً لدى كثيرين أن نجتاز المحطة الفيتنامية وما تليها، فهو إسقاط فرض كما يَرون.

شعورٌ يعبر عن الامتلاء بالسعادة إزاء التفوق العراقي الذي صار مضرب الأمثال في البطولة، فضلاً عن كونه شعوراً بالثقة التي خرجت لدى البعض عن إطارها المنطقي الموضوعي لتصبح ثقة عمياء لا حدود لها متناسين أننا نتعامل مع كرة القدم أمّ المتغيّرات والتقلّبات والمفاجآت خصوصاً إذا كنت تلعب في دور إقصائي لا تُعوَّض فيه خسارة بفوز لاحق، والفرصة المتاحة لديك واحدة، إما انتهازها أو التفريط بها.

فوزنا على اليابان كان نقلة في صورة العراق وفي مسارات البطولة ككل.. رأينا كيف كانت المجاميع تتقلّب على صفيح الحسابات وكيف السبيل لتفادي هذا المنتخب وملاقاة ذاك. وفي الجزئية التي تتعلّق بمنتخبنا، كنت أرى أن كل ما جرى يضع على كواهل لاعبيه ومدربه كاساس حِملاً متزايداً من المسؤولية في تفادي الحَرج أمام أي منتخب في ثـُمن النهائي، وفي هذا الإطار ننظر إلى اللقاء مع الأردن على أنه اختبار جدي لقدرة منتخبنا على ضبط إيقاعه السليم حتى الآن، وعلى التعامل مع المباراة بنديّة شديدة بعيداً عن أي تراخٍ أو تساهل أو اتّكال على صورة نمطية مشرقة أوجدها المنتخب في دور المجموعات.

نحن هنا أمام واقع جديد، ومهمة أخرى نطوي فيها كل حسابات دور المجموعات، لنضع كل قدراتنا موضع التفعيل مع حتميّة تجاهل أن المنتخب الأردني طرف لا تلعب الترشيحات المبدئية في صالحه.. المنتخب الشقيق له طموحاته هو الآخر، طموحات لا تتوقف عند دور المجموعات، ولن نتصور أبداً أن مدربه عمّوته يقول للاعبيه الآن: لقد أنجزتم المهمة بالصعود من مجموعتكم، جزاكم الله خيراً.

نتفاءل؟ نعم هي دعوة لأن ننتظر من منتخبنا فوزاً جديداً وانتقالاً إلى دور مقبل، لكننا مع كلمة (تفاؤل) لا بدّ أن نضع مفردات مُقابلة من قبيل الحذر والحرص خشية أن نخسر ما هو متوقع ونغادر قاطرة البطولة في موعد مبكر جداً لا سمح الله ..

ما تحفل به كرة القدم من مفارقات لا تخطر في البال، يُحيلنا دوماً إلى الخشية من مفاجأة غير منظورة في سباق التوقعات. ليس هذا تقليلاً من شأن لاعبينا ومدربنا الذين نجحوا في مواجهات أصعب وأشد، ولكنه تذكير بأن فرصة واحدة خارج السياق قد تخلط الحسابات.. فلقد رأينا في المباريات الثلاث حجم السخاء العراقي في إهدار الفرص التي أتيحت لنا وفي منح الغرماء أهدافاً سهلة.. هذا السخاء قد يجد أي فريق تعويضاً له في مباريات تُجرى وفقاً لنظام المجموعات، ولكن الحال سيختلف كلياً في دور جديد لا ينطوي إلا على مباراة واحدة ستحدّد لك ملامح الطريق في البطولة ككل.