خضير الزيدي
الدهشة التي تمنحنا اياها أعمال مؤيد محسن تكمن في نزعتها الشكلية والبنائية، فهو فنان من طراز ينتقي الأسلوب، ليضيف له متعة بصرية، اعتمادا على المهارة، ولا تبدو مظاهر الاغتراب قائمة في رسوماته، بل نجد سردا واحتجاجا ورؤية بمقدورها أن تبقى لأطول فترة من عمر المرء، حينما يريد من العمل الفني أن يضفي جمالا ومعنى بعد رؤيته، وفي الوقت ذاته سنجدُ في عمله مسلكًا ذهنيًّا يقوم على ابتكار طريقة الفن، وهو مبدأ حقيقي سعى اليه هذا الفنان منذ زمن بعيد، ليس لأنه تفرد بطريقة اسلوبية مميزة فحسب، بل لأن مفاهيم التعبير في الفن عنده يتفاقم فيها الاحساس والمسؤولية مع وجود نزعة وطنية صادقة في العودة الى التراث والتاريخ العراقي القديم (نلاحظها في رسومات فيها رموز بابلية وسومرية)، أستطيع القول هنا أنه يكابد من أجل إعلاء فنه جماليا والاعتزاز بقضيته الوطنية، وهي واحدة من مميزات ما تحمله لوحاته في البناء والتعبير كأن مهمته أخذ المتلقي الى مناطق حرجة في الاثارة الشكلية أولا، وفي التسامي والقدرة ثانيا، وهكذا سنجد نزعة تمرد اعتمدها الفنان مع سيل من منظومة تعي ما تقصده من مدلول تعبيري، وهو مزاولة فعلية وحقيقية ترفض الاذعان لأية وصايا خارجية، معتمدا على خياله ومتداركا الوقوع في المباشرة وعليه نقول تراكمت لديه الخبرة خارج التبادل السلعي، فابتكر لنفسه مناطق بدت لنا غرائبية، لكنها تستدعي أحكاما من قبل الرهان الثقافي، حينما يصر هذا الفنان على نجاح مخيلته في الفن التشكيلي، واضعا كل ذلك التراكم الدلالي في اشكاله وما تؤديه من رسالة لا تنفصل عن الواقع المعاش، ولكن ما الاثارة التي تفرضها تلك الرسومات
علينا ؟
في معرضه الاخير المقام في قاعة ذا كاليري قدم أعمالا كبيرة وذات توجه بنائي وتعبيري صريح بدت ماثلة امامنا، وكأنها طروحات تستعير العاطفة وتمثل سياقا تعبيريا يتقصى تلك الاحكام المثالية داخل المرء وهنا لابد من ذكر حساسية العمل الفني من حيث صياغاته وتكوينه وطريقة استحضار اجواء فكرته، إنه معرض متناسق تشتد فيه الطروحات كلما تضاعف الاحساس بقيمة ما تحمله الأنساق الإسلوبية من تأسيس وجدل وحيثيات خطاب جمالي صرف، يضاف له تقنية الرسم وهيمنة التحديث في الفكرة الواحدة، فما الذي تشكل من ضرورة لتقديم هذا المعرض؟
يجتهد مؤيد محسن في طرح الأفكار عبر الرسم ويكتسب من خلال مهارته وتقنيته نقطة ارتكاز مركزية في كل عمل متفرد، وهذا يفسر لنا نحن محبو فنه بأن الاسئلة التي نطرحها عن قيمة معرضه الآن تعد بعدًا استباقيا في وقت بات فيه الرسم ايقاعا متكررا، جراء عرض لأعمال ساذجة ومتشابهة المعنى، فالقيمة إذن تكمن في تجديد الرسم وطروحات فكرته وبسلطة الخيال والحدس ومتغيرات الشكل الفني، ولهذا لا يصعب على المتلقي أن يكتشف المعادل الصوري ولا يحتاج لرؤية مظاهر اغتراب وسوداوية فائضة، المتلقي يبحث عن فن يمتلك المعنى القريب من ذاكرته، ويتمتع برؤية رسومات ذات طراز جمالي يخضع فيه التعبير الى نوع من المعرفة والتجلي كيف يفهم الرسم عند هذا الفنان؟
في محاولات الاولى وحتى معرضه الاخير المقام قبل ايام في بغداد، يحمل مؤيد محسن قضية الرسم في وجدانه ويفهمه كحاجة ملحة داخل ضميره الحي، ويصر على تغيير فكرة المتلقي الجامدة او الروتينية حيال التعامل مع جوهر مكاشفة الرسم، وباطن اشكاله فالفن الحي والمتغير يأخذ وجهة تصعيدية، لأن الفنان يظهر لنا حقائق الجمال جراء ما يبديه من تحليق في منظومة الرسم، فهو يكدس في تكوين اللوحة مرجعيات معرفية وتاريخية وعاطفية، لهذا يمكن القول إنه يمثل قاسما مشتركا داخل وجدانه، لتبدو علاقته في نهاية المطاف مع الفن علاقة ثنائية، لها اكثر من اواصر ارتباط معرفي ووجداني، كأن الصورة الداخلية للرسم لا تفارق ذاكرته ولا خياله الجامح.