أحمد عبد الحسين
خبر صدور الأعمال الشعرية الكاملة لعبد الرزاق عبد الواحد يلفت الانتباه، ليس لأهمية شعر هذا الشاعر بل لوقوفه هو وشعره في مفرق الطرق الذي يتقاطع فيه الشعر مع التكسّب وخدمة السلطة والهبوط بالفنّ إلى درك المديح المبتذل والإغماض عن رؤية الكارثة بل السعي الحثيث لتجميلها. وبجملة واحدة فإنَّ جمع شعر عبد الواحد في كتاب تأتي أهميته من كونه وثيقة عن ذلك الزمن العجيب الذي كنا شهوده والذي يريد لنا البعض أن نمحوه وننساه كأنْ لم يكن.
قبل أن أقرأ كتاب عبد الواحد بمجلداته الثلاثة عرفت من الأصدقاء أنَّ القائمين على إعداده استبعدوا كلَّ “القصائد” التي كتبها الشاعر في مدح صدام حسين والتغزّل بشواربه والتغنّي ببطولاته التي أوردتنا موارد التلف. فعرفتُ أنَّ الكتاب فقد أهميته ولا داعي لقراءته.
هنا تزييف للحقيقة وعبث بوثيقة تاريخية ومحاولة لخلق نسخة جديدة نظيفة من عبد الرزاق عبد الواحد، وأظنها محاولة ليست بريئة مهما كانت دوافع المعدّين منحازة للفنِّ الشعري الذي قد يرونه في ما كتبه عبد الواحد.
الخلاصة الأهمّ التي يمكن أنْ يفيدنا بها شاعر مثل عبد الرزاق عبد الواحد هو أنْ يكون هو وشعره أمثولة على انحطاط الشعر وأنموذجاً على ما يمكن أنْ يفعله غياب الموقف السويّ بصاحبه. أما أنْ يصار إلى تنظيف مدوّنة الرجل بعد موته من كلِّ الخساسات التي ارتكبها في حياته فذلك أمر ليس نبيلاً ولا يدخل في سياق المقولة الخالدة “اذكروا محاسن موتاكم”.
محاولة استيلاد عبد الرزاق عبد الواحد جديداً غضّاً مبرّأً من دنس جرائمه، محاولة مخزية. لا أجد وصفاً أكثر لياقة من هذا.
شخصياً كنت أمنّي النفس برؤية هذا الكتاب بوصفه وثيقة في غاية الأهمية، وكنت أتطلّع لقراءة عنتريات عبد الواحد بعين من شهد العهدين القديم والجديد لنعرف أيّ جناية ارتكبها عبد الواحد ورهط الشعراء الذين هزّوا ذيولهم الشعرية طويلاً أمام هبات الطاغية مبتهجين برؤية تساقط جثث الشبان العراقيين على وقع قصائدهم وأراجيزهم.
أعرف أنَّ عبد الواحد صار أباً لجيل شعريّ نفخ فيه هذه الروح الغريبة على الشعر، روح الصوت العالي المتنطع الذي يستثمر التهويل والمبالغة إلى أقصاهما من أجل تغطية عورة السلطان، وأعرف أنه مزّق تاريخه لترقيع تاريخ طاغية، لكنَّ محاولة صنع تاريخ جديد له لن تنفعنا نحن الذين نريد أنْ نعرف لمَ جرى علينا ما جرى؟.
عبد الرزاق عبد الواحد من دون شوارب صدام حسين سيظل ناقصاً، لا نعرفه ولا نفهمه ولا قيمة له. لست ضدّ نشر أعماله الكاملة، لكني أريدها كاملة حقاً من دون عملية تجميل بائسة ومتأخرة وفاشلة.
كان عبد الواحد يريدنا أنْ نغمض أعيننا عن الكارثة. ومَنْ جمع هذا الكتاب يريدنا أنْ نغمض أعيننا عن رؤية عبد الرزاق عبد الواحد الحقيقيّ.
هذا الكتاب تزوير في وثيقة مهمة.