وائل الملوك
في المسرح.. يكمن الارتباط بين الصورة البصريّة والمفهوم الفلسفيّ عبر القدرة على تحفيز التفكير ونقل أفكار فلسفيَّة عميقة بطريقة تجسيديّة، كما يمكن للصورة البصرية، سواء كانت من خلال التصميم المسرحيّ أو حركة الممثلين، أن تكون وسيلة لتجسيد مفاهيم فلسفيّة معينة لتبرير الحالة التي يريد المخرج ايصالها للمتلقي، وهذا ما نشاهده في مسرحيّة «بيت أبو عبدالله» للمؤلف والمخرج أنس عبد الصمد، الذي عرض في مهرجان المسرح العربي 14، واختتمت فعالياته قبل أيام قليلة في مسارح بغداد بمشاركة أعمال محليّة وعربيّة.
فالرؤيا الفلسفيَّة في المضمون الحركي لـ «بيت أبو عبدالله» وتناسقها مع الاضاءة المسرحيّة التي بينت في أغلب الأحيان بأشكال هندسيّة تنعكس على الخشبة برؤية سينوغرافية لتخترق الممثلين ببعض اللحظات، وصولاً إلى أسطح المجسمات الصلبة «الديكور»، تعطي مجموعة أفكار ترتبط جميعها بالفلسفة الكونيّة المقصودة بالوجود وتنافرها مع الذات وما يحيط بها. بمعنى آخر وهو قد يتمثل هذا الارتباط في استخدام الرموز البصريّة لنقل أفكار فلسفيّة يتم من خلالها استغلال التأثير العاطفي للصور لإيصال رسائل تحمل طابعا فلسفيا حول الواقع والحقيقة.
والحقيقة التي أراد المخرج أن يسلط الضوء عليها هي معاناة الإنسان عبر استخدام أصوات الفئران وعرضها عبر “الدات شو” بأشكال متحركة على الجدران، والتي سمح بدخولها أهل “بيت أبو عبدالل” حتى نخرته ومزقته على الرغم من تعايشهم مع بعض، لكن كل منهم انفرد بقضيته التي أنتجت مفهوما دراميا يشخص ويعالج فكرا هيمن عليه الخوف والارستقراطية، فعلى الرغم من أنهم يصلون لمرحلة الموت خلال البناء الدرامي، لكنهم ينهضون من جديد للاشتغال على مرحلة جديدة تؤكد تمسكهم بالحياة، وبالوقت نفسه أعطى انطباعا لدى المتلقين بأنهم عادوا إلى الصراع نفسه الدراماتيكي من دون معالجة حقيقية .
والأهم كان هناك انسجام كبير بين الأداء وحركة الديكور والموسيقى التي صنعت جوا ملائما للاشتغال الفكري، ومكملة للصورة المسرحيّة ذات الاشتغال الفلسفي العميق، إلى جانب أن المخرج كان يستخدم أسلوبا مختلفا عن الأسلوب العربي في طرح أعماله، وكان الأقرب بحسب المدارس المسرحية إلى الفرنسية، التي تقدم أعمالها بالاعتماد على المحتوى الحركي وانسجامها مع شكل الاضاءة المسرحيّة باستخدام الصمت لغة التوثيق مع وجود مشاكسات تنتمي لمسرح
“العبث”.
وهنا أجد أن “بيت أبو عبدالله” هو بيتي وبيتك، ربما قد تختلف الأفكار والمفاهيم والتقاليد بيننا، لكننا في الحقيقة نعتاش في رؤيا أنس عبد الصمد من دون الوقوف بجدية ومعالجة المضامين الفلسفيّة الحقيقيّة التي يحتويها كل بيت.