علي حمود الحسن
جنَّس بعض النقاد فيلم "بريسيلا" (2024) للمخرجة صوفيا كابولا ضمن السينما النسوية، وكان تقييمهم للفيلم سلبيا، فهو من وجهة نظرهم ممل وبلا سيناريو محبوك، ولا يوجد صراع في تراتب أحداثه، ومخرجته تتعكز على شهرة أبيها، وهم يتذكرون بشماتة اقحامها كممثلة في دور ماري ابنة مايكل كورليوني، إذ حلّت في اللحظات الأخيرة محل وينونا رايدر في دور {ماري} في الجزء الثالث من فيلم "العراب" (1990) يومئذ كان عمرها 18 عاما.
شخصيا لا اتفق مع هذه الآراء اتجاه الفيلم، الذي خطفت بطلته.. جائزة أفضل ممثلة في مهرجان فينسيا السينمائي 2023، فالفيلم نسوي بامتياز ليس لأن مخرجته امرأة، بل لأنه" تناول أوضاعها الاجتماعية والنفسية والسياسية، ونظر لها وفق منظور واقعي، وهذا لا يعني تجاوزا على تنظيرات نساء ثائرات وجدن في السينما التقليدية، محض نظرة ذكورية محدقة "، وهذا يحسب للمخرجة وليس ضدها، كذلك السيناريو المقتبس من مذكرات بريسيلا بريسلي المعنونة "إلفيس وأنا"(1985) لم يكن ضعيفا، انما اهتم بالتفاصيل الصغيرة التي يعتقدها المخرجون تافهة، فثمة مشاهد طويلة لتفاصيل غرفة بريسيلا ، من اكسسوارات إلى صور معلقة الى تماثيل الصغير، فضلا عن العطور والمكياج، وهذا ليس ترهلا وحشوا، إنما هو بالضبط ما كانت تفكر فيه بريسيلا (كايلي سبيني) المراهقة الصغيرة الحالمة، التي تجد نفسها في بيت " الملك"، وبدا اتهام صوفيا بتحويل بريسيلا الى أنثى سلبية فاقدة الإرادة في حضرة البرنس، باهتا لسبب بسيط ؛ كونها كانت مأخوذة بهالة الفس معبود النساء عموما والمراهقات خصوصا، وهي تنظر إليه كملهم ونجم بعيد المنال.
الفيلم مثلما اكدت كابولا(53) " ليس عن الفيس وصخب موسيقاه" انما عن قصة بريسيلا (كايلي سيبني) التي اغرمت به وعمرها 14 عاما، ولم تتوقع قط انها ستحظى بقلبه، التقاها في المانيا الغربية بوقت كان يؤدي فيه خدمته العسكرية، وكانت هنالك برفقة ابيها العسكري الصارم، يجد فيها الفيس (جاكوب الوردي) - وهو الذي تغمره الأضواء ويحيط به المعجبون - خلاصا لوحشة روحه، ربما لأنه وجد فيها نقاء امه، التي لم يتحرر بعد من حبلها السري، يلتقيان ويقنع اسرتها المتشددة بانه سيحافظ عليها وبدا معهم مهذبا جدير بالثقة، تنتقل معه إلى قصره المنيف (غريسلاند) يعيشان تحت سقف واحد كزوجين، من دون أن يمسها (لم تبلغ السن القانونية) .. يحنو عليها حد التطرف، فتتحول هي الى محض دمية في هذا القصر الواسع، متعة بالعيش مع في عالم نجمها الباذخ، يتزوجان وتنجب طفلة وتعيش السعادة الكاملة، لكنها تكتشف غربتها عن عالم الفيس المتقلب والمتحول، تتصحر مشاعرها وتتخذ قرارا بمغادرة الفيس، هذه الرحلة واستعادة الوعي، هي موضوعة الفيلم الذي ارادت منتجته بريسيلا أن تكون الفتاة التي تمثل دورها مراهقة هي ذاتها التي تمثل شبابها ونضجها، وقد أدت الممثلة سبيني دورها بتمكن ونجحت في ابراز تحولات الشخصية بلا تكلف او مبالغة، فاستحقت جائزة مهرجان فينسيا، وكان الدور الذي قدمه جاكوب وردي جيدا ومقنعا وإن بدا جامد الملامح حتي في لحظات جموحه.. قدمت صوفيا كابولا وفريق عملها فيلما جميلا بأسلوب سردي خطي بسيط وبميزانية متواضعة (20) ألف دولار، فأضاءت الوجه الآخر لحياة الملك التي غيبتها الأضواء.