مجالس المحافظات ثانية

العراق 2024/02/12
...

أحمد عبد الحسين



منذ أكثر من عقد من الزمن ظهرتْ بوضوح أصوات تدعو إلى إلغاء مجالس المحافظات باعتبارها "حلقة زائدة". كُتب الكثير وفقاً لهذا المطلب الذي رُفع شعاراً وعنواناً لبعض الاحتجاجات آنذاك. لكنّ هذه الأصوات بلغتْ ذروتها في تشرين 2019 الأمر الذي اضطر مجلس النوّاب للتصويت على إلغاء المجالس بسبب "سوء الإدارة واختيار محافظين غير أكفاء، والتمديد دون تحديد سقف زمني". وأمام اعتراضات قانونية عدّة تتمثل في "عدم امتلاك مجلس النوّاب صلاحية حلّ مجالس المحافظات بقرار"، اجتمع البرلمان مرة أخرى ليكتفي بتعليق عمل مجالس المحافظات.

اليوم، إثر الانتخابات المحليّة الأخيرة، نشهد عودة الحياة لمجالس المحافظات بعد سبات دام عشرة أعوام. فما الذي ينتظره المواطن منها وما الذي يمكن أن تفعله هذه المجالس بدمائها الجديدة لتمحو الصورة المضبَّبة التي كان يؤطِّرها شعور عدم الثقة بها؟

أوّل ما يمكن فعله هنا هو أن يعمد الفائزون بثقة الناس إلى نسيان أدائهم في السباق الانتخابيّ، وأن يقللوا من هدير الوعود الملحمية التي كالوها بلا ثمن في حملاتهم، وأن يضعوا أقدامهم على أرض الواقع والممكن، وأن يؤمنوا بأن القليل الصادق هو خير بالتأكيد من الكثير الكاذب.

معلوم أنّ من بين أبرز عوامل فشل المجالس السابقة هو ما تمثل في التناحر السياسيّ وعدم التناغم بين عمل أفرادها بسبب تنافر انتمائهم السياسيّ وتضارب مصالحهم ومصالح أحزابهم، وهم اليوم أمام مهمة استعادة ثقة المواطن بهم، فتكرار هذا التغالب والتطاحن مدعاة لتكرار الخيبات التي كانت وقود الاحتجاجات المتعاقبة.

بديهيّ أن لكل محافظة خصوصيتها التي تجعل احتياجاتها مختلفة نحواً ما عن احتياجات سواها، لكنّ هناك جردة من الاحتياجات تكاد تكون شاملة للعراق بأجمعه، ومنها طبعاً الخدمات الأساسية كالكهرباء ومشاريع الصرف الصحيّ والطرق، ومشكلات مزمنة كالفقر والبطالة والجريمة وانتشار السلاح. وإذا رأى المواطن عملاً جاداً في هذه الملفات وإنجازاً ولو محدوداً فيها فإنّ المجالس الجديدة تكون قد أفلحتْ في فتح صفحة جديدة مع الناس يمكن أن تكون رصيداً لثقة طال أمد غيابها.

المهمة أمام الأعضاء الجدد شاقة ومعقدة، لكنّ قليلاً من العمل المخلص ونبذ المناكفات وبعضاً من نكران الذات والكثير من التواضع والإصغاء لهموم المواطنين كفيل بتسهيل المهمة.