فنّ الكاريكاتير.. أفكارٌ عميقةٌ ومضامين هادفةٌ
رحيم رزاق الجبوري
يحمل الرسم في طيّاته سحرا وإبهارا يطغيان عليه، ويفرزهما بفضل أدواته المتعددة؛ ولهذا يشبّهه المختصون على أنه شعر صامت. وهذا الوصف لم يأتِ من فراغ؛ لما تحمله الرؤية البصرية من تأثير كبير على مخيلة المتلقي. ويندرج فن الكاريكاتير الذي يعد أحد أهم الفنون البصرية النابعة من الرسم ولكن بطريقة مغايرة وغير مألوفة، حيث يعتمد على عنصر التحريف والتغيير بقصد السخرية والنقد الهادف واللاذع، من أجل إيصال فكرة ما؛ تختصر كتابة مقال أو تقرير أو تحقيق صحفي.
فهو فن ساخر ركيزته الأساسية الاعتماد على تحريف الملامح الطبيعية لأي شكل من الأشكال المراد استهدافها كاريكاتيريا.
ولهذا تراه أكثر التصاقا بالمتلقي والأكثر شعبية في تكثيف المشهد المنعكس على الواقع بكل حرفية وسلاسة وخطوط ساحرة تعتمد وتختلف في جمالها وروعتها على مهارة وأسلوب كل فنان يمارس هذا الفن المبهر بكل تفاصيله.
والذي برز وظهر - كما تقول المصادر-على جدران الكهوف في فرنسا وإيطاليا وأميركا الجنوبية والجزيرة العربية والصحراء الجزائرية وقبرص وفي أمكنة أخرى تنتمي لحقب ما قبل التاريخ.
وبعض المؤرخين يذكر بأن بداياته قديمة تعود لعصر الفراعنة، فيما تشير مصادر أخرى إلى أن نشأته تشكلت منذ بدء الخليقة.
تحفيز النقاش
إلى ذلك ترى (آية الجميلي- رسامة كاريكاتير من العراق): "إن الكاريكاتير هو فن مميز وقوي يمزج بين السخرية والتعبير الفني.
ويتيح للفنانين فرصة التعليق على القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية بطريقة مباشرة.
فهو يستطيع نقل الأفكار المعقدة بسهولة ويسر، ويعبر عن وجهات نظر مختلفة بطريقة فكاهية ومبتكرة. ويُعتبر هذا الفن مهما، لأنه يساعد في تحفيز النقاش والتفكير النقدي في المجتمع".
قبول الذات
فيما يقول (كارلوس جارديل- رسام كاريكاتير من البرازيل): إن الكاريكاتير هو شكل من أشكال الفن ضمن لغة الفنون البصرية الفكاهية.
وينشأ من حاجة الفنان إلى التعبير عن نقده من خلال المبالغة في الخصائص التي تميز وتحدد شخصا أو شيئا ما.
والجانب الآخر منه هو عمل قبول الذات، ويرجع ذلك أساسا إلى ما يسمى بمعايير المجتمع التي تحدد الوجه والفم والجسم المثالي. ومن ثم يقترح الكاريكاتير التشوهات، ويسلط الضوء بدقة على ما يخجل منه الكثير من الناس".
الشكل والمضمون
مارسه منذ عام 1992 بشغف ودون دراية، ولا يعلم بأنه أمام فن له مكانة كبيرة. ويعتقد بعدم وجود مدرسة خاصة به؛ كونه فنا متمردا يعتمد على التجربة والموهبة. (بن حريزة عبد الغني- رسام كاريكاتيري جزائري) فاق مشواره الفني 30 عاما، يشير إلى إن الكاريكاتير العربي في الآونة الأخيرة أصبحت له مكانة كباقي دول العالم من حيث الشكل. لكن مضمونا لا يزال بعيدا كل البعد عن التعبير بكل حرية عن أي قضية؛ بسبب أن المسؤول العربي يبقى متشبثا بالسلطة ويحافظ عليها مهما كانت أخطاؤه ويتجنب النقد البنّاء الذي يتناوله الكاريكاتير القريب جدا من المتلقي؛ بسبب خطوطه الجميلة والجذابة الممزوجة بلمسة فنية".
أوكسجين
وعن دخول الأجهزة الرقمية في مضمار عملهم، يوضح: "أنا ضد الرقمنة في مجال الكاريكاتير. لأنها تفقده لذاته؛ بالرغم من بعض إيجابياتها.
إذ أصبح للعقل الاصطناعي دور في الهيمنة على كل ما هو إبداع. وهذا الفن نادر ورساموه يعدون على الأصابع في العالم. ولكن الرقمنة حاولت أن تطمس هذه المواهب وفتحت المجال لغير الموهوبين والمتطفلين". ويختم: "الكاريكاتير هو الأوكسجين بالنسبة لي. فهو متنفسي الوحيد الذي أروّج به عن خاطري. والنافذة التي أنتقد بها كل ما أراه باطلا ولا يتماشى مع الحقيقة. كما أحاول دائما بتبسيط الفكرة، وأجتهد حتى لا أبخل عن أي مستوى ثقافي من فهم فكرتي. كما أنني أميل كثيرا للرسم الاجتماعي لأنني ابن المجتمع بالدرجة الأولى، وأواكب أحداثه وأعيشها بحلوها ومرها".
مزحةٌ مريرة
من جانبه يقول (كارلوس مارتينيز-رسام كاريكاتير من إسبانيا): "إن الكاريكاتير هو حس السخرية والفكاهة، والإحساس العام بالخفة، وهو نظرة غير رسمية ترتبط بروح الدعابة على سمات شخص معين. فالكاريكاتير مزحة، ربما مريرة، وربما غامضة، لكنها هفوة في نهاية المطاف. فهذا هو مصير عمل رسام الكاريكاتير: أن يبدو دائما خفيفا وغير جوهري؛ حتى عندما لا يكون الأمر كذلك".
خارج الحدود
يطلق على الكاريكاتير بأنه فن السياسة الساخر. ويعده أبرز الفنون الساخرة من خلال إنتاج اللوحة المقاتلة التي تبحث عن حقوق الشعوب المستضعفة والمظلومة.
كما يعتبر امتلاك الفنان للجرأة هو أحد وأهم مقومات نجاحه. ويشير (أحمد خليل- رسام كاريكاتير من العراق) في حديثه، إلى: "إن الأوروبيين يعتبرون أنفسهم بأنهم أول المكتشفين لهذا الفن، لكن هناك دلائل تشير إلى أنه من أصول عراقية ومن نتاجات بلاد وادي الرافدين حيث وجد في الكهوف سابقا. وقد وثق الفنان في ذلك الوقت حياته اليومية ومعاناته في رحلات الصيد والسكن والاستعباد. وعبّر عنها عن طريق الرسم بخطوط سهلة وبسيطة مستخدما أغصان الفحم الصغيرة المحترقة ويلوّنها بدماء الحيوانات التي يصطادها. والهدف واحد قبل أكثر من 7000 سنة كانت المواضيع هي الحياة وشقائها. كذلك الكاريكاتير الحديث يمتلك الهدف والمضمون ذاته". ويختم: "إن أغلب الفنانين العرب المغتربين يمارسون هذا الفن بكل حرية؛ وهذا الفضاء غير موجود في بلدانهم الأصلية بسبب التقييد والمحاذير. وهنا نتساءل؟ نحن مكتشفو هذا الفن ونحن من فقدناه؛ عكس ما نراه في الغرب بسبب تقبل السياسي للنقد".
فنٌ شعبيٌّ نابض
ويقول مصطفى الشيخ (رئيس الجمعية المصرية للكاريكاتير): "إن الكاريكاتير هو أحد أهم الفنون الشعبية الحيوية النابضة التى تعبّر عن آمال وطموحات المواطن البسيط ومعاناته. وتعد معينا وراشدا لكل صاحب قرار. وليس مناهضا كما يعتقد بعض ضيقي الأفق. ففنان الكاريكاتير هو من طين أرض وطنه الطيبة وقد يكون أكثر وطنية وغيرة على بلده من حاجبي أفكاره ومانعيها". ويؤكد على أن: "فنان الكاريكاتير في دول العالم الثالث قد يكون أكثر مهارة وحرفية منه في دول العالم الحر. حيث إنه يعمل تحت سقف منخفض ومحاذير عديدة ومساحة قد تكون محدودة؛ ولكنه لا يتوقف ويحاول أن يبدع من خلالها ويؤكد رأيه ووجهة نظره التى يتمنى أن تساعد فى بناء الصورة التى يحلم بها لوطنه علميا وثقافيا وحضاريا. وكم من رسمة أسهمت فى تعديل أو تغيير قرارات أو أرشدت صانع القرار وأعانته؛ خاصة إذا ما كان يمتلك سعة صدر، وأفق واسع وثقافة عريضة تترجم له رسالة الكاريكاتير على نحو لا يؤرقه".
هويَّةٌ عراقيًّة
دخل عالم الكاريكاتير في سن مبكرة، وكانت بدايته رصينة بسبب قربه من رواد فن الكاريكاتير العراقي، أمثال الفنان الرائد غازي البغدادي، وعبدالحسن عبدعلي (رحمهما الله)، واكتسب منهم خبرة ومهارة مضاعفة ساعدته كثيرا في الاحتراف، وبعد تراجع الصحافة الورقية اتجه للرسم الرقمي. يقول (رسام الكاريكاتير العراقي غزال محمد): "يستند الكاريكاتير بصورة عامة على إصلاح الأخطاء بخطوط بسيطة ساخرة وممارسة النقد ببلاغة عالية والقدرة الكبيرة على معالجة الحالات السلبية. ولا تخلو صحافتنا المحلية من هذا الفن الجميل وهو يرصد كل تفاصيل الحياة اليومية". ويضيف: "تتألف لوحة الكاريكاتير المتكاملة من الخط والكتلة والفراغ والحركة والمبالغة والموضوع والمضمون والهدف والتعليق. ويعد الكاريكاتير أحد فنون الإشباع والإمتاع البصري الغني بالتفاصيل والالتقاطات الذكية في بناء الفكرة والتعليق المناسب. وهذا ما جعلني أُقدّم كاريكاتيرا مختلفا يتوّفر فيه الإتقان والحرفية المكثفة بما يفهمه ويرغبه الجمهور، مع الحفاظ على الهوية العراقية".
السهل الممتنع
رسامة الكاريكاتير هالة زياد من العراق، تشير إلى التميز الذي يحظى به هذا الفن كونه السهل الممتنع، بخطوطه البسيطة التي تشرح أفكارا عميقة. ويعتمد رسام الكاريكاتير في إيصال فكرته على سرعة البديهة ومتابعته للأحداث بحيادية وصدق، فكلما كانت الأفكار حديثة وحقيقية وقريبة من المتلقي نجح الرسام في إيصال رسالته". وتضيف: "إن البرامج الرقمية ساعدت فن الكاريكاتير كثيرا لسهولة العمل بها وإنتاج رسومات ذات جودة عالية، وأصبحت ضرورة قصوى لتوفير الوقت والجهد".
جماعة الكاريكاتير العراقي
يؤكد في مداخلته أن الكاريكاتير، هو فن البسطاء والأقرب إلى همومهم. والراصد الساخر من كل مفارقات الحياة. يقول أحمد المالكي (رسام ومؤرشف لفن الكاريكاتير): "إن لهذا الفن القدرة السريعة على تبسيط الأفكار المطروحة وإيصالها بشكل سلسل يتقبله الجميع بمختلف ثقافاته. وتكمن فعالية هذه القدرة على ترويض الأفكار والخطوط المرسومة المبسطة بأشكال مختزلة تأخذ نسق التعليق في بعض الرسوم، وشكلا آخر يحتوي على الرسوم الصامتة التي يصفها أصحاب الفن باللغة العالمية المتاحة للجميع". ويضيف: "وصل الكاريكاتير إلى العراق في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، وهذا الوقت يعد متأخرا عن باقي الدول. وقد ساهمت الصحف الساخرة -آنذاك-في بروز أسماء نقلت خبرتها وثقافتها الفنية لهذا الفن، وما تلتها من سنين كانت بمثابة الحلقة المرتبطة والمتأخرة والمتأثرة بالمدرسة المصرية. وأرى أن التحول والخروج عن السائد والمألوف من حيث الشكل والأفكار المرسومة بدأ في مطلع السبعينيات وتحديدا بعد تأسيس (جماعة الكاريكاتير العراقي) سنة 1976 حيث رأينا نقلة نوعية في الشكل والأفكار والطرح على يد الفنانين العراقيين منذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا".