سيسيل كولون معجزة الرواية الفرنسيَّة

ثقافة 2024/02/14
...

كامل عويد العامري



سيسيل كولون: مثل العديد من المراهقين، كتبت القصائد والقصص القصيرة في السادسة عشرة من عمرها. وتلقّت النصائح من العديد من البالغين، ولا سيما مدرس اللغة الفرنسية والأصدقاء. وفي الوقت نفسه، كان هناك ناشر في كليرمون فيران افتتح دار نشر جديدة. ولظروف مواتية صدر كتابها الأول “لص الحياة” الذي يعد من أوائل النصوص التي نشرها هذا الناشر. ومن ثم لم تستطع الهرب من الكتابة، (لأنني أحببت القصص التي تُقرأ لي بصوت عالٍ لدرجة أنني بدأت في الكتابة لأحكي قصتي.) 

خلال دراستها في المرحلة المتوسطة والثانوية كانت تعتقد أنها ستتولى كتابة سيناريوهات سينمائية لتروي حكاياتها، لأنها شاهدت الكثير من الأفلام وسُجلت في قسم السينما. لكن عندما كانت في السادسة عشرة، أدركت أنَّ الرواية كانت المسار الأكثر عملية وفورية: “كل ما كنت بحاجة إليه هو الحصول على أفكارها ودفتر وقلم”.


إنَّ أغلب رواياتها، تدور أحداثها في أماكن مغلقة، على نحو متعمد، لأنَّ المكان هو في الحقيقة الشخصية الرئيسة. وهذا يعني أنَّ المكان هو الذي سيضع قانونه. وهو الذي يتجسد في السلوك، وفي كلمات الشخصيات المحاصرة، والسجينة، التي لا تزيين البيئة أو الإضرار بها، بل العكس. ولذلك فإنَّ المكان والبيئة هي التي ستؤثر في طبيعتها.

إنَّ عالم سيسيل كولون يتميز بالقرن التاسع عشر، وخاصة بالحكايات التي أحبتها. لكنَّ، النصوص التي أثرت فيها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، هي (اللحية الزرقاء) لتشارلز بيرو، و(حياة) لموبسان، و(مرتفعات ويذرنغ)، و(جين أير) للأختين إيميلي وشارلوت برونتي. على حد قولها.

ورداً على سؤال عن الكتب التي أتاحت تطوير نفسها على المستوى الشخصي والفكري والثقافي؟ أجابت: 

“الكتب التي ساعدتني في بناء نفسي تعود إلى طفولتي. وهذا يعني أنني قرأت الكثير من كتاب (اللصوص الثلاثة) وهو ألبوم للأطفال كتبه ورسمه تومي أنجيرر ونُشر باللغة الإنجليزية عام 1961، و(أمير موتوردو) وهو سلسلة من الألبومات المصورة للكاتب بيير إيلي فيريير 1980. و(سنة مستوفلون) للكاتبة آن ماري شابوتون، وهي كتب تجمع بين المضحك والأساسي في بنائي كقارئة، ثم كمؤلفة. قرأت الكثير من روايات هاري بوتر للكاتبة جيه كيه رولينج، لأنني كنت أحد هؤلاء الأطفال الذين كانوا ينتظرون صدور المجلدات التالية بحمى لا تصدق. لقد تأثرت أيضًا بستيفان كينج، وهو بلا شك المؤلف الذي قرأته كثيرًا، منذ طفولتي وحتى اليوم .... وكجزء من دراساتي الأدبية، قمت بإعادة اكتشاف الأدب الفرنسي من خلال مارغريت يورسينار وماري هيلين لافون، والأدب الأميركي من خلال جون شتاينبك وويليام فولكنر. لذا فإنَّ الكتب التي تعلمت منها كثيرة للغاية.”

معجزة الرواية الفرنسية الشابة، ولدت عام 1990، وقعت روايتها الأولى في سن السابعة عشرة، وتميزت بأسلوبها المقتضب والثاقب. وهي تصور العالم البشري المصغر من خلال التقاط أحلك المشاعر بسخرية، أحيانًا وبدقة متناهية، وهي شاعرة أيضا، فازت بالعديد من المسابقات، بما في ذلك جائزة أبولينير المرموقة، عن مجموعتها الشعرية الأشواك ـ Les Ronces، ولها أيضا مجموعة (البركان الأسود Noir Volcan،) وهي مجموعة من القصائد المتفجرة والمتحررة التي تؤكد انتماءها إلى الحداثة. 

درست سيسيل كولون الأدب الحديث وكتبت أطروحة عن موضوع “الرياضة والأدب”. وهي فضلاً عن دراستها، تكتب هذه الطالبة غزيرة الإنتاج الروايات، وتعمل بشكل مستقل للمجلات. إنها لا تطلق على نفسها اسم الكاتبة تمامًا، موضحة أنَّ “كونك كاتبًا لا علاقة لذلك بتأليف الكتب. اليوم، أن تكون كاتبًا هو أنك أصبحت شخصية، أو خيالًا.”

إنها قارئة نهمة للأدب الأميركي، وهي متأثرة جدًا بجون شتاينبك (شرق عدن، عن الفئران والبشر، وما إلى ذلك)، وتجد في المؤلفين الأميركيين ما تقدره لدى الشعراء الفرنسيين: أعظم المشاعر تأتي من خلال اختصار اللغة. في الكتابة، الشيئان الأكثر أهمية بالنسبة لها هما البشر، المادة الأساسية في أعمالها، والتاريخ، الذي يجب أن يشكل قصة حقيقية، سردية وموضوعية وأسلوبية.

بعد روايتها الأولى “لص الحياة” ومجموعة القصص القصيرة “المتوحشون”، برزت عام 2010 مع رواية “احذروا الأطفال الحكماء”، التي تسترجع فيها الانتقال من الطفولة إلى المراهقة، بطريقة شعرية وقاسية أحيانًا تذكر بـ جي دي سالينجر في روايته (الحارس في حقل الشوفان)، تصور فيها أنه يجب أن نتعلم الصراحة في مواجهة خيبة الأمل. في روايتها الثالثة “الملك لا ينام”، التي فازت بإحدى الجوائز الأدبية عام 2012، تحكي قصة الاختيار السيئ والجانب المظلم لدى الأفراد العاديين. لكنها مع روايتها (ضحكة الجريح العظيم)، وهي حكاية قوية تغير من الأجواء وتقدم واقعًا بديلاً. 

مع (قلب البجعة)، وقعت روايتها الخامسة، لتقدم “صورة مذهلة لحياة فاشلة” تسترجع قصة رجل يتصارع مع رغباته وما لا يُقال. من المجد إلى السقوط، من الرياضة إلى المعاناة، هناك خطوة واحدة فقط، في هذه القصة هي التطرف.

وهنا سنتطرق إلى روايتين مهمتين للكاتبة:

لغة الأشياء الخفية

في روايتها “لغة الأشياء الخفية”، تتناول أسرار الطبيعة والروح البشرية. بلغة محمومة وشاعرية للتعبير عن ظلم الرجال ووحشية المناظر الطبيعية.

القصة: عند حلول الظلام، يتوجه شاب معالج، يتمتع بقوى غامضة ورثها عن والدته، إلى سرير طفل في قرية فوند دو بوي النائية، إلى المكان نفسه الذي حضرت إليه والدته منذ سنوات لمساعدة روح مكلومة. إنه على وشك أن يعيش تجربة أولية لن يخرج منها لا هو ولا سكان القرية سالمين.

في روايتها هذه، تستكشف سيسيل كولون ما هو غير معلن وما يهمس به. وانتقال الغضب والجروح الصامتة من جيل إلى جيل. وتروي أسوأ وأفضل ما في البشر. وما في ظلام العالم من قوة وبصيص نور.

ما هي لغة الأشياء الخفية التي لا يستطيع أحد التحدث بها إلا البطل المعالج وأمه المسنة؟ إنها اللغة التي نتعلمها عندما “نقرر الصمت ونحاول أن نفهم ما هو مخفي في المحادثات، وما هو مخفي في المنازل، وفي الأجساد، وتحت الأجساد”، كما تقول الروائية في إحدى المقابلات معها.

لغة الأشياء المخفية تتحدث عن النار، والرعب والانتقام، وتتحدث أيضًا عن أرحام النساء المرضعات التي فتك بها. هذه الرواية الشبيهة بالحكاية تحول المناظر الطبيعية إلى شخصيات في حد ذاتها وتغوص في أعمق الأسرار، وصولاً إلى الأحشاء، حتى لو كان ذلك يعني الإخلال بمصير هؤلاء الرجال “الجميلين” بعيونهم المليئة بالحب وأكفهم المملوءة بالدماء”.

“يدرك لماذا أرسلته أمه ليحل محلها: فهي لم تعد لها من العمر ما يكفي لتقطع كل هذه المسافة. ولم يعد لديها من العمر ما يكفي لمواجهة هذه العزلة، وهذه الوديان العميقة. يجب أن يتعلم أنَّ الشمس هنا قاتلة، وأنَّ الماء شديد البرودة”. لدرجة أنه يسحق الأحشاء، وفي الليل تجتمع التلتان معًا التي تقع بينهما القرية، لتبقي البيوت دافئة حتى الفجر، لا يوجد شيء هنا سوى قرية فوند دو بوي. وهو يتساءل عما إذا كان سيخرج على قيد الحياة أم لا.”

“هذا المكان الواقع بين جبلين تقريبًا يشبه، بالنسبة للرجال هنا، حافة الهاوية: العيش هناك يعني يدفعك إلى الفراغ عند أدنى صدمة.» إلى هذا المكان الذي يبدو أنه قد تجمد في الوقت المناسب يذهب الابن. مثل الأم من قبله، يأتي ليشفي الأجساد والأرواح بفضل “لغة الأشياء الخفية”. فحينما لم يعد للطب أي فائدة، فإنَّ الأم هي التي كانت من تستدعى. ولكن الآن ها هو الابن. الذي تعلم منها كل شيء. لقد نقلت إليه “لغة تصمت لتُفهم على نحو أفضل، وتنسى لتُعرف أكثر، لغة تضخمها حركات غير مرئية، وأساطير ثقيلة ومتألقة.»

هذه القوى التي تسمح له بالشفاء، ورؤية ما وراء المظاهر. تمنحه إتقان لغة الأشياء الخفية. وعندما يرى النساء تغتصب على طاولة، والرجال مشنوقين معلقين تحت جسر حجري. يخمن الأفعال التي ارتكبت قبل عقود أو قرون، ويسمع صرخات الضحايا الذين صمتوا منذ زمن طويل. ولكن في هذه الليلة عندما يجب عليه إثبات قدراته لأول مرة من دون والدته، فسوف ينحرف عن المسار الذي يفرضه البروتوكول المقدس ويواجه حقيقة لا تطاق.

عندما دعي الابن إلى سرير صبي صغير. وعندما وصل إلى القرية، شعر بأشياء فظيعة. “(...) إنه يعلم أنَّ الرجال هنا كانوا أكثر عنفاً مما كانوا عليه في ساحات القتال”. لكنَّ هذه هي “مهمته” الأولى، عليه أن يحترم سمعة والدته ويعتني بالطفل ويغادر. في منزل الصبي يلتقي بالرجل ذي الأكتاف الحمر، أي الأب. “لغة الأشياء الخفية” تتيح له أن يرى ويعرف ويشعر ويخشى أن يستمع إلى ما ستكشفه له تلك اللغة. إنه يدرك أنَّ في القرية، جوهر عنف الرجال صادم ومرعب، وأنَّ هؤلاء الرجال “(...) “ينتهكون المكان الذي يأكلون فيه، والابن، على الرغم مما علمته والدته، يترنح عند سماع الصرخات ويشعر بالوحدة عندما يسمعها وحده.”

أجساد النساء مبثوثة في كل صفحة من صفحات الرواية حتى القرية التي تقع بين تلتين لها صورة ظل لامرأة مستلقية، فيها، تعيش النساء من دون أن يتمكنّ من العيش، يكافحن لإخفاء أجسادهن، ويناشدن قوة الإخفاء مثل الشمس التي لا تتمكن أبدًا من إضاءة القرية الصغيرة. 

تركز (لغة الأشياء المخفية) على جو مظلم ومبهم، وتسلط الضوء على عالم ريفي غارق في ظلمات حالكة. من خلال الجدران. والرجال. ومن خلال تجارب النساء. ولهذا تضيف سيسيل كولون جانبًا مثيرًا لقوى الابن. فقواه، التي تشبه السحر في العصور الوسطى تقريبًا، تضع القصة في زمكان غير محدد، مزيج من الماضي والحاضر. في أي وقت نحن؟ ما هي بالضبط مواهب هذا الابن الذي ورث كل شيء عن أمه؟ فـ «في وسط هذا الجمع الأعمى المذهول، هناك من يفهم الخفايا. إنهم يخمنون بصمت ارتعاشات الجسد الكبيرة، وانهيارات الدم المفاجئة، ويمتلكون الموهبة، والقوة.»

وعلى النقيض من المهارات غير العقلانية، ولكن الحقيقية للغاية، يلتقي الابن بكاهن القرية. يبدو أنه عاش هنا منذ فجر التاريخ. إنه يعرف كل الساكن، وكل قصة، وكل سر، وكل صرخة. إنه الوصي الصامت. وهو أيضًا يتكلم لغة خفية، ولكن من نوع مختلف: لغة الحوار المنتظم مع الله. يمكن أن تتخذ “لغة الأشياء الخفية” أشكالًا مختلفة، وتكون متضادة، ولكنها تتعايش في الفكر. حيث يبحث هذا الثنائي غير المتوقع، أحدهما عن الحقيقة والآخر يحرس الأسرار لأطول فترة ممكنة.”

“لغة الأشياء المخفية” تروي في ليلة واحدة ظلمة النفس البشرية، وثقل الماضي، ومرارة العدالة المشكوك فيها، إنها قصة الابن الذي يعيد النظام إلى العالم من خلال التحرر من تعاليم والدته. لقد حاول الجميع في عصرهم أن يفعلوا الصواب، لكن الابن يمتلك إنسانية أكثر ثراءً وإحساسًا بالعدالة. إنه يستمع إلى ما تكشفه له “لغة الخفايا”، عن تصورات جسده، وأصوات روحه. 

 وهكذا تتحدث المقدمة والخاتمة إلى جميع الرجال، وتتساءل عن العنف المتأصل في جنسهم، وتجبرهم على الانتقال من الصمت إلى الحقيقة. “يقول إنه فخور بكونه إنسانًا، وأن لديه إخوة وأخوات وقلوبًا قادرة على الخروج من هذا الفخ حيًا”. 

إنَّ رواية سيسيل كولون من الروايات التي تجذب القارئ بقدرتها الشعرية، وطريقتها في الإيحاء من دون أن تقول ذلك، بفضل هذه الغنائية التي تجعل القبح جميلًا، وتجعل من “لغة الأشياء الخفية” نصًا متميزًا بالتفاصيل. فمن الدموع، يبرز التعاطف: «بكاءه لا يشبه أي شيء مما عرفه: في كثير من الأحيان، عندما يبكي الناس، تتدفق دموعهم، ووجوههم مغمورة كالبلدان المغمورة بالمياه، وهم يحتفظون بآثار تلك العواصف على جفونهم.» 

وحش في الفردوس

تدور أحداث رواية (وحش في الفردوس) حول قصة عائلة تعيش في ريف فرنسا وتواجه تحديات الحب والعنف والخيانة. تمتاز الرواية بأسلوب كتابة مثير ووصف دقيق للشخصيات والمشاعر. تتذكر بلانش، البالغة من العمر 80 عامًا:

في مزرعتها المعزولة الواقعة، في نهاية طريق متعرج، وفناء في منتصفه شجرة عمرها قرن من الزمان ومبان ملحقة، وحظيرة.. تتولى إميليان تربية حفيديها اليتيمين الصغيرين، بلانش وغابرييل، بمفردها. بعد وفاة ابنتها ماريان وصهرها إتيان، اللذين قُتلا في حادث سيارة، - وإميليان العجوز، الأم التي تدير المزرعة، والتي كان جسدها جسد “غولة جائعة،” قادرة على إبداء اللطف والقسوة، وقادرة على المداعبات وتوجيه الصفعات، وكل من” حولها كان يتكئ على هذا الجسد لتظل واقفة على قدميها”.

ينضم إليهم المساعد لويس، المراهق الذي أنقذته إميليان من عنف والده، ليعيش في المزرعة وسيكون مخلصًا لها تمامًا من دون أن يصبح جزءًا من العائلة. يحب بلانش بشغف سرًا، بينما الأخيرة، وهي التي «تفتقر للجاذبية والإغراء كانت تحتل مكان حيوان منزلي، ذكي سهل الانقياد.» ولكن يُنظر إليها بوصفها امرأة قوية وشجاعة والمكافحة منذ الخامسة من عمرها، تعمل في مزرعة أصبحت أرضها وكل شيء بالنسبة لها، بل أصبحت جزءًا من حياتها.. 

 تلتقي بلانش وهي في سن المراهقة بحبها الأول ألكسندر، الوسيم، اللطيف الجذاب، ولكنه طموح، متردد في أن يعيش حياة والديه البسيطة والمسالمة. سيكون حبه لبلانش، هو حب بلانش الأول الحقيقي، لكن من المؤسف فإنَّ ألكسندر قد “بنى طموحه منذ الطفولة على الهرب من هذه البيئة” فيتمزق هذا الحب عندما يعبر ألكسندر عن رغبته في الانتقال إلى المدينة بينما تظل بلانش مرتبطة بالركن الذي تعيش فيه في عالم منغلق على نفسه. هذا الحب ربما كان مأساويًا. لأنه إذا كانت بلانش تحب ألكسندر بجنون، فهي أيضًا تحب أرضها بجنون.

يؤدي هذا التخلي إلى اليأس والغضب الذي لا يمكن السيطرة عليه. تصبح بلانش ظلًا “تتحرك مثل شبح في قلعة”. وبعد أن دمرها الحزن، تلوذ بالصمت. وبالرغم من محاولتها استعادة السيطرة على نفسها، تقع فريسة لردود فعل متطرفة. وتصبح الجنة قبرًا تواجه فيه “أشباحًا أكثر من الأحياء”. ولكن بعد بضع سنوات تعيد عودة ألكسندر المفاجئة وسلوكه إحياء ترس معطل على نحو مؤقت، يقود إلى تشغيل آلية عنيدة.

أما غابرييل، شقيق بلانش، فيطارده الحزن، “ضعيف البنية، متضخم في حزنه” يتحرك على الهامش في ظل أخته وجدته.

كل فصل من فصول الرواية يبدأ بفعل: “يجرح”، “يحمي”، “يبني”، “يتغلب”، “ينمو”... “ينتقم”، “يظهر”، “يعض”، “يحيا”... ينهضون من خافية الأرواح للحديث عن الحرية، والقدر، والتنازلات، والعواطف، والخيانات، والانتقام في حركة عضوية ذات كثافة نادرة: 

هناك الكثير في متن الرواية التي تروي الحياة في الريف، بما تمثله من عمل شاق وعزلة في كثير من الأحيان، نتيجة الارتباط بالأرض في بيئة فريدة من نوعها: أجساد تحب بعضها البعض، أجساد كائنات تعاني. وشخصيات تتميز على نحو ملحوظ، بأنها إنسانية ومتوترة نفسيًا. بعذاباتها ومشاعرها المتشابكة: الحب، العاطفة، الغيرة، الطموح، الكراهية، الخيانة، التنازل، الانتقام. 

وسيسيل شاعرة أيضًا 

 نالت عن ديوانها الشعري الأول (الأشواك) جائزة غيوم ابولينير- في عام 2018، فضلًا عن جائزة (الرؤى الشعرية) التي تقدمها جمعية رجالات الأدب. ثم اعتبرت الصحافة الشابة الشاعرة “أحد الأصوات الجديدة الواعدة في الأدب الفرنسي، وفي ديوانها “البركان الأسود”. تكتب قصائد معبرة عن سيرتها الذاتية بطرق سردية، بسيطة ومباشرة:


“اتصلتِ بي في وقت سابق لتخبريني

أننا كنا قد وجدناك على الأريكة في المنزل.

صباح يوم السبت. وجدناك.

اتصلت بي لتخبريني

وفي الفم شوك،

كنت أحسس به حتى لو كانت في جزيرة وأنا

في شقة في شارع بالينفيلييه،

اتصلتِ بي لتخبريني

أنه ليس لديك من العمر ومن الجسد،

للموت من هذه الأشياء “

مقتطف من قصيدة “رودولف”