قصص قصيرة جدا

ثقافة 2024/02/20
...

 د. مصعب مكي زبيبة


*معاناة جاهل

نهض ذلك الناقد العظيم لكتابة نقد أدبي عن رواية (كلاب المدينة)، أخرج من جيب سترته قلمه البذيء، أشعل سيجارته، انحنى على أوراقه، ظمأ.. ذهب ليرتشف الماء، رجع منحنيا على أوراقه، أراد أن يبدأ بالكتابة جاع، قام يبحث عن طعام، وجد على الطاولة صحن (محلبي) لعقه سريعا، ورجع إلى أوراقه الباكية من غبائه، وجد نفسه بحاجة إلى إفراغ أمعائه، ذهب إلى التواليت، قضى حاجته، رجع إلى أوراقه، فكر بما سيكتبه بالمقالة، ومن عادته إذا فكر وضع أصبعه في أنفه لإخراج القاذورات منه، لا شيء بإمكانه أن يكتبه، أخذه الوقت، طنطنت الساعة الجدارية تمام الساعة الثانية ليلا، قال في نفسه مهمهما من ورطني وقال لي إني ناقد؟  قلّب الرواية من الورقة الأولى إلى الأخيرة، ومن الأخيرة إلى الأولى، قلّبها على (البطانة)، لم يتوصل إلى شيء، سوى أن للدجاجة جراء، وأن للكلب فراخا، ليت هذه النظرية تصل إلى (رولان بارت)؛ ليفرح وهو في قبره قابع.

كتب من أوهامه هراءَ صفحتين، مليئة بالضياع والأخطاء الإملائية، أرسلها سريعا إلى الجريدة بلعناتها وتعفنها، تلقاها المحرّر بفرح غامر كان ينقصه عمود النقد في الصفحة الأدبية، أرسلها إلى المطبعة من دون قراءة أو مراجعة، صدر عدد الجريدة في صباح اليوم التالي، مثقلا بتلكم المقالة النقدية بكلماتها المثقوبة، وعباراتها الصدئة.


* استحواذ

قالوا: من سيدير أمسية اليوم؟

قال: أنا.. فأنا قادر على إدارة الحوار، وتنظيمه، والتقديم للأمسيات، أنا صاحب خبرة طويلة، أنا سأرفع مؤونة التعب والجهد عنكم، وأنا بخدمتكم دائما.

ـ لكنك يا حضرة الأستاذ تلحن باللغة

ـ نعم صحيح، ولكن ليس المهم اللغة، المهم هي الأفكار التي سأطرحها وجدتها.

قالوا: كتاب من سيناقش في الأمسية الأدبية؟

قال: كتابي، فهو الوحيد الذي يحمل الدراسات النقديّة، والتحليل على وفق المناهج الغربيّة

ـ لكن كتابك يا حضرة الأستاذ نسخ من شبكات الإنترنيت.

ـ نعم صحيح، لابد للكاتب أن يستلَّ من بعض المواقع، ووسائل التواصل الاجتماعي

قالوا: من يترأّس جمعيتنا هذه؟ 

قال: أنا، أنا أكبركم سنا، وأطولكم، وأكثركم إنتاجا.

ـ لكن يا حضرة الأستاذ الرئاسة لا علاقة لها بالعمر، ولا بالطول، ولا بالوزن، ولا بالكم، إنما بالنوع والفكر.

قالوا: من سيكون عريف حفلتنا.

قال: أنا، أنا صاحب الصوت الدافئ المحبوب.

ـ لكنك يا حضرة الأستاذ صوتك قبيح، ومكروه عند الجميع.

ـ نعم صحيح، ولكن ليس المهم أن تكون محبوبا عند كلّ الناس، المهم أن يحبك أعضاء حزبك الذي تنتمي إليه.


* النداء

ألم تعلم يا صاحب الكرش الكبير بأنّ «أبا رِغال» يأخذ كلّ سفينة غصباً؟! وتقضم أسنانه كل ما هو متميّز وناضج، وأنّ سجاح قد تواطأت معه خوفا من سطوته. 

يا صاحب الكرش الكبير أ لم يصلك النداء، وقد بحت الأصوات، واصطكّت الكلمات؟!

إن كنت لا تدري فتلك مصيبة.. وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.