عبد الغفار العطوي
من دون شك إن الاختلاف بين مصطلحي(النساء) و(المرأة) يعتبر من أخطر المشاريع الانشقاقية الذي أحدثته اللغة(العربية هنا) في علومها المختلفة ؛ الفيللوجية والدلالية والاشتقاقية، واستقرت في اللسانيات أخيراً، خاصة في اللسانيات الاجتماعية (في اللسانيات الاجتماعية د – محي الدين محسب في نظرية نشارلز فيرجسون ونظرية جوشوا فيشمان) وبات القصد من ورائه ثورة ارتدادية في عالم أنطولوجي غامص اصطلح على تسميته بعالم(النساء) هوعالم مختلف ابستمولوجياً كذلك عن عالم(المرأة) لكن أوهمتنا اللغة ذاتها بوجود صلة ذرائعية بينهما ، كما في مصطلح (الكليات) أو(اسم الجموع)
ثمة دراسة لجومسكي في (آفاق جديدة في دراسة اللغة والعقل) تنصب على تفسير استعمال اللغة، في ما يتعلق ببعض القدرات البشرية التي يمكنها أن تكلم اللغة، التي أميل لجانب منظورها النظري التي جعلت لمصطلحي (النساء) و (المرأة) أن يستقلا في شؤونهما الأدائية والمفاهيمية تحت نظر اللغة والعقل، مع عدم المساس بالرابط العضوي بينهما (المفرد والجمع) ويرد جومسكي هذا الحدث ربما بنظري إلى بنيان اللغة أيضاً الذي يستجيب لحتمية الاستعمال، ففي كتابه (بنيان اللغة) يذهب جومسكي في رده على سؤال بأن اللغة فطرية، لكن لها أيضاً وظيفة متداخلة في التلفظي والتمثيلي، ويعزوها إلى اكتساب اللغة تلك المهارة، لأننا نشاهد شبه الاستقلالية في تعامل المصطلحين، في الدلالة اللغوية التي تصنعها سلطة اللغة (نورمان فيركلف –اللغة والسلطة) والتركيز على مصطلح (النساء) في دراستنا هنا، لكي نبلور معطيات ثقافية يحملها المصطلح باعتباره دالاً ومدلولاً يرتبطان في مدى الاستعمال في المعنى والأداء المستقلين، فليست (النساء) هنا إلا وحدة ثقافية وتركيبية ووظيفية، تعمل بمعزل عن مفردة (المرأة)لأن مفهوم (نساء) كثيراً ما يلتقط ظاهرات ثقافية مستقلة لا يمكن أن تشير لمعنى المساواة نساء- إمرأة لهذا اعتبرت (النساء) ظاهرة لسانية – ثقافية، واشتهرت من كونها تؤشر للصفات الكليانية، وأهم ظاهرة اتخذت دالة (النساء) مدولاً لها،في العلاقة بين الجنس والنساء، من حيث ارتباط تاريخ الجنس بتاريخ النساء، واستعيض بالتساؤل عما دور المرأة في هذه العلاقة، فتكلمت الدراسات الجندرية المعاصرة، خاصة ما بعد الحداثة عن (الأنثى المفقودة) أمام مصطلح (النساء) ففي كتابهما (النساء الوقوف على الدوافع الجنسية من الثأر إلى المغامرة) يتحدث د ديفيد ام باس ود سيندي ام ميستون عن السؤال الأشهر والأخطر الذي يواجهه مصطلح (النساء) في التمهيد من داخل العقل الجنسي (لماذا تمارس النساء الجنس؟) بالتأكيد سيقول المؤلفان إن الإجابة حاضرة دوماً في ذلك، لكنها ستكون مختلفة وغير مقنعة، ويكثر الجدل عن الأسباب التي تربط بين الجنس والنساء، لكن لولاحظنا من جهة تاريخية مهمة إن (قصة الجنس عبر التاريخ) من تأليف ري تاناهيل التي تتحدث عن ما تشكله الصلة بين النساء والجنس من عالمين متداخلين، يمثلان جنسانية النساء، واالمدخل لنقد العقل النسائي الجنسي لاكتشفنا أن الدوافع الجنسية اللذية هي أقرب الدوافع لفهم العقل النسائي، ففي هذا الكتاب يتعرف المرء على أن عالمية النساء بعالمية الجنس، وأن أشكال النساء ترتبط بأشكال الجنس،بدءاً من الصفات الجسدية المختلفة حتى الصفات الجنسية المشتركة، في تقاليدهن، وممارسات طقوسهن، وأن العلاقة بين النساء والجنس تمتد إلى عالم ما قبل التاريخ، إذ يتحدث رى تاناهيل عن حقيقة إأن النساء كنَّ يعرفن الجنس قبل نحوربع مليون عام قبل بداية التاريخ المدون عام 3000 ق م ويبدو أن العلاقات الجنسية قائمة عند الإنسان على التعددية والمشاعة التي شاعت في عيش الكهوف، ونشوء الصلة الأسرية الأمومية لحد بداية عصر الزراعة في 1000 ق م حينما فطن الرجال لتلك العلاقات الجنسية التي كانت تفضّلها النساء بغياب الرجال في نظامها الأسري وقام بتبني نسبة الأبن للرجل بعد ذلك، ولعل نظرة اللغات لهذه العلاقة الموغلة في القدم أصبحت من لوازم أبنيتها، وبرزت أشكال الثقافة النسائية في الممارسات الجنسية التي لم يستطع الرجال تقليصها أوتنظيمها مذ ذاك التاريخ إلى يومنا هذا، عرفت بتواريخها القديمة، تاريخ البغاء، وتاريخ الدعارة وتاريخ العهر والزنى، كان أساسها اللذة (نساء في خدمة اللذة) مصباح محجوب التي تمارسها النساء بوصفها موروثاً تاريخانياً مشروعاً، أما لور كاتساروفي (المثقفون والجنس والثورة) فقد عزت انتشار ظاهرة (المومسات) إلى صعود البرجوازية في القرن التاسع عشر، حيث اكتشفت أن العزاب والعاهرات سكنوا دائماً هوامش التاريخ، فشجعوهم بالانخراط في الحركات الفنية والأدبية الكبرى، في تغيير مجرى عالم القرنين العشرين والواحد والعشرين نحوعالم خنوثي، حيث تحولت (النساء) كمفهوم ومصطلح مستقلين يعملان على سيادة جنس (النساء) عبر إشاعة الثقافة الجندرية التي تنادي بدمج الجنسين بجنس أحادي، تمتاز بتناولها للصفات النسائية العامة (الجنسية) واختص علم النفس التطوري بدراسة جانب من تلك الصفات الدافعة نحوممارسة الجنس بشغف عندهن، في دوافع الإثارة الجنسية، ومردوداتها على النساء عموماً ؛ في لذة الجنس، وأنواع الحب مع الرجال ومع النساء، روائحهم، أجسامهم الوجوه، الحركات الرجولية الشخصية، حس الدعابة، إلى الغلامة والشذوذ، وتبرز في الآخر مجموعة من التعقيدات الجنسية عندهن، مادام السؤال القائم في هذه التعقيدات هو لماذا تمارس النساء الجنس، مع إن علم النفس حاول مواجهة الدوافع بتعميق الدراسات الميدانية، واستقر على أن الجامع بين النساء في التعاطي مع الجنس يتلخص في سر الجاذبية الجنسية وتأثيرها القوي في ما يسمى بالحب، والنظرة الأولى ، واكتشاف الشهوة في جمال الشخص، حتى إن انتشار القصص والروايات الأدبية ووسائل الاتصالات المرئية أدى إلى أن يكون الانجذاب بالنسبة للنساء عالماً أنطولوجيا.