معرض تشكيلي أول لنصير شمّة في أبو ظبي

ثقافة 2024/02/21
...

يقظان التقي

يغامر الموسيقي وأستاذ العود العراقي نصير شمة، بمعرضه التشكيلي الأول بعنوان “رؤية وحياة: أربعون عامًا من الألوان” الذي يجمع أكثر من 70 عملاً فنيًا بمواد لخامات متعددة، أنجزها الفنان خلال السنوات الماضية، ويعرضها ضمن المعرض الذي تستضيفه “غاليري الاتحاد” بالعاصمة الإماراتية أبوظبي من 11 شباط لغاية 8 آذار 2024.
يتضمن المعرض مجموعة متنوعة من الأعمال الفنيَّة ذات الطبقات اللونيَّة، طبقات الذاكرة والسطوح الغنيَّة والكثيفة، يستخدم فيها الموتيفات الخام من مواد طبيعيَّة، بالأسلوبيَّة التي تجمع بين التجهيز والتركيب على الخشب والرسم.

تجربة فنية جديدة
عبر اشتغاله على اللوحات بمجموعة من المفاهيم، وأولها الإحساس بالإنسان الذي يعاني المجاعات والحروب والكوارث الطبيعيَّة كفنان وكسفير اليونسكو للسلام، والسفير فوق العادة ثمّ وفائه وولائه للمكان الذي احتضنه وقدّم إليه الكثير خلال مسيرته الفنية الحاضنة لتيارات واتجاهات الموسيقى العربيَّة، ودوره مديرًا لبيت العود العربي في أبوظبي، المكان الذي شهد إنجاز أغلب أعماله التي يتضمنها المعرض، مع ما يعنيه ذلك من علاقةٍ حميمةٍ بالعود، صناعةً وعزفًا ودراسة وأبحاثاً.
المعرض مزيجٌ من المواد المستخدمة في صناعة آلات العود ومخلفاتها في بيت العود في أبوظبي، إذ يستخدم نصير المخلفات لإعادة إحياء واستخدام مادة الخشب الطبيعي التي يمكن أنْ تحملَ دلالات رمزيَّة ومجازات موحية أشبه بدثار الروح.
من الاستثناءات الفنية أنْ تتوحد الثنائيات الموسيقيّة والتشكيليّة في شخصيّة واحدة، بمقدار ما سطع نجم الموسيقار توفيق الباشا في الموسيقى ونجله عبد الرحمن، أحد كبار عازفي الموسيقى الكلاسيكيين، بمقدار ما اشتهر اسم الفنان التشكيلي العالمي أمين الباشا، الذي رسم بيروت وتنفسها في رسوماته ولوحاته مثل الهواء. سجلت خطوة أخيرة للموسيقي رئبال ملاعب في اتجاهات تشكيليَّة تحديثية لمسار والده الفنان القدير جميل ملاعب. الثنائية قد تبرز أكثر عند الشعراء، تقدمتهم الفنانة ايتل عدنان، وانضم الى السرب لاحقاً الشاعر ادونيس وآخرون، أو عند بعض السياسيين كجيمي كارتر وجورج بوش.
التقيت أول مرة نصير شمة في حفل موسيقي ثلاثي لآلة العود على مسرح المدينة ببيروت منتصف التسعينيات برفقة العازفين شربل روحانا وسيمون شاهين، بعدها في سلسلة أمسيات مهرجانية في بيت الدين ولقاءات في صالونات ومسارح المدينة بيروت، وبرع الموسيقي العراقي في تقديم موسيقى تصوريَّة ساحرة وجاذبة، متفجرة. وكانت موسيقاه أقرب الى الأصوات التشكيليَّة التعبيريَّة، وأصابعه الشاعرية المرنة التي تضرب على الأوتار مبللة بالواقع العراقي الموجوع والصارخ في نصوصٍ موسيقيَّة تحت الرصاص والقذائف، وفي تحليل موسيقي استطلاعي للبيئة العربيَّة في نسيجها العاطفي والوجداني التاريخي والحداثي، ما يقرب الى الثورة الموسيقيّة والتواصليّة التعبيريّة مع جيل حداثي/ جدلي عبر استدراك الموروث الأكاديمي والتقني الكبير، الذي ألهم الأستاذ الموسيقي منير بشير ونجله. كان نصير شمة صاعقاً في صوره وأنغامه وسلالمه الموسيقيَّة، التي يلعب بها مثل الهواء بسلاسة وليونة وبراعة. كل قطعة موسيقيَّة تصير لوحة تشكليليَّة/ تصويريَّة.
الجذر التشكيلي في الإشارات والرموز والصور والنوتات المتحركة موجود أصلاً عند نصير شمة، كذلك المعلومات والتحليلات والوعي المفهومي والاسلوبيَّة، بقي منها أنْ يحرك اليدين في عجينة الألوان ليصير مشروعاً تشكيلياً صاخباً.
استرهافات ورهانات فنيَّة تجترح حضورها في لوحات تمثل طاقات تعبيريَّة تجريديَّة للموسيقى، وانطباعيَّة ذاتيَّة شعوريَّة تشير الى تعلقه بجماليات المكان وبحرية أوسع على سطح اللوحة لحركة اليدين والخيال الذي يدور حوله في بيت العود في أعمالٍ تحتاج الى كثيرٍ من التعليقات.
لوحة وأخرى هي وسيلة أخرى للتفكير بطريقة لونيّة، ولا تقارن نفسها بالآخرين وبإمكان كل الناس أنْ يكونوا رسامين، وبطريقة شمة المتماسكة وبالعيش معاً في مجتمع موسيقي وتشكيلي، ليس بعيداً عن صعوبات الحياة.
يذهب شمّة الى الألوان ويختار ما يريد، بالخروج الى الحياة المادية للنوتة الموسيقيَّة، وسيلة حياة تنطبق مع أفكار بيته الحقيقي وكل ما ينطبع فيه من شعور بحقيقة الأشياء. فنان حقيقي / حضاري على الأرض والأحلام في يقظة الفنان، يذهب الى سطوح اللوحة بقدر ما يستطيع التعبير. تزهر ألوانه كالشجر والزهر والقذائف في حياة متغيرة حزينة. يسجل هذا في انطباعيَّة واقعيَّة إيجابيَّة من على يمين اللوحة وشمالها، مصدراً للإضاءة والدهشة بألوانها، ومستويات تحيط من يشاهدها ومن يقف حولها.
نصير شمة يرسم نفسه، لا يفكر في إقناع أحد، يمارس العزف والرسم بطريقة أخرى مثل ممارسة السحر على الآخرين (غريكو). فنان جميل، طويل، عميق، لوحاته حكايات، توليفات أولية، تجريبية، تجريدية بسطوح الألوان، لا تنفصل عن سماع الصوت يتناهى إليك فيزداد المشهد قوة تعبيرية وتصويرية وتوزيعية لفنان كبير تحت الضوء. ويعود الى ذاتية غنائية، الفرح الذي يراه في الموتيفات الملونة وببساطة شاعرية يمكن تأملها في قصص غنائية. هوامش جميلة من الأساطير القديمة والموسيقى على جدران بيتها مع ساحة لعب أكبر. هي الطبيعة كقطعة جدارية موسيقية، رسالة فنية داعية الى السلام بكل الألوان.