ميك براون
ترجمة: كريمة عبد النبي
كانت الفنانة التشكيليّة اليابانية يوكو أونو أرملة عضو فرقة البيتلز جون لينون موضع سخرية من قبل الكثيرين، لكن معرضها الحالي المقام على قاعة تايت بريتون في بريطانيا يظهر أنه حان الوقت للنظر إليها كفنانة كبيرة تمكنت من إثبات شخصيتها من خلال الأعمال الفنية التي قدمتها في المعرض المذكور.
اشتهرت أونو التي ولدت في ثلاثينيات القرن الماضي باليابان بمعارض الفن الطليعي من خلال تقديم المجسمات الزجاجية، كما شاركت في العديد من عروض الفن التجريدي وأنضمت إلى حركات فنية معاصرة. وقد تطورت أعمالها الفنية على مدار أكثر من ستين عاما بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو والتركيبات التي أظهرت براعة فنها الذي قاد إلى شهرتها في جميع أنحاء العالم. كما يتضمن معرضها الكثير من العبارات والمقاطع التي كتبتها وتحمل توقيعها وهي معلقة على جدران المعرض.
ومن خلال معرضها الحالي وصفها بعض رواد المعرض بأنها شخصية رائدة في مجال عملها، وهذا الكلام صحيح لكنه يغفل ما كان يتبادر إلى ذهن الكثيرين في فترة سبعينيات القرن الماضي حين كانت زوجة جون لينون. في تلك الفترة، أظهر الكثيرون العداء لهذه الفنانة حيث كان غالبية محبي فرقة البيتلز، التي كان لينون أحد أعضائها، يعتقدون أنها "سرقت" لينون من هذه الفرقة وقد قادت علاقتها به إلى تفكك الفرقة. وحولت بطلهم إلى شخصية غريبة.
بعد وفاة لينون عام 1980، أصبحت أونو حاملة لواء وتراث زوجها وبدأت بتقديم المساهمات الخيرية لفنه. وخلال جائحة كوفيد-19 انتقلت أونو من مكان سكناها في مدينة داكوتا إلى مزرعة في مدينة نيويورك وهي جزء من ممتلكاتها التي ابتاعتها بعد أن وصلت ثروتها إلى (700 مليون دولار).
بعد وفاة زوجها لينون، الذي كان يعتقد بأنها "فنانة تنتظر من يستمع إليها"، دخلت أونو عالم الموسيقى وسجلت بعض الأغاني التي لاقت استحسان المستمعين. استمرت أونو بمسيرتها الفنية وكان آخرها المعرض المقام حاليا على قاعة "تايت ب" للفنون تحت عنوان "موسيقى العقل"، بالإضافة إلى معرض استضافته قاعة نيويورك للفنون الشهر الماضي.
وحسب القائمة بأعمال قاعة تايت جوليت بينغهام، فان معرض أونو يقدم فرصة لإعادة تقييم مدى أهمية هذه الفنانة التي كانت موضع انتقاد وكراهية وسخرية في السنوات الماضية ولم يكن ذلك منصفا بحقها، وأضافت "أن معرض أونو الحالي يشير إلى أنها فنانة رائدة وفي طليعة الفنانين قبل مجيئها إلى لندن".
ولدت أونو في مدينة طوكيو لإحدى الأسر الغنية وانتقلت إلى مدينة نيويورك عام 1952 حيث تمكنت من إثبات نفسها كشخصية مركزية في حركة الفن المفاهيمي أو الفن التصوري وهو فن تشترك فيه المفاهيم أو الأفكار في الأعمال التي يكون لها الأولوية على الاهتمامات المادية والجمالية التقليدية. ويعتمد هذا الفن على الفكرة أو المفهوم كعنصر أساسي يقوم عليه العمل الفني. ويعود ظهور هذا الفن إلى رائدي الحركة السريالية في القرن العشرين الفرنسي مارسيل دوشام والبلجيكي رينية ماغريت.
وأصبحت أونو أحد رواد حركة "فلوكسوس" وهي حركة فنية ضمت العديد من الفنانين حول العالم لا سيما أوروبا وأميركا واليابان وهي امتداد لحركة "الدادائية الجديدة" وازدهرت في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
تزوجت أونو من المؤلف الموسيقي وعازف البيانو الياباني "توشي إتشياناغي" ثم انفصلت عنه لتتزوج من أنتوني كوكس وهو منتج سينمائي أمريكي أنتج لها فيلمها الرابع "قيعان"، الذي تم منع عرضه فيما بعد، وأنجبت منه ابنتهما كيوكو. انتقل الزوجان بعدها إلى لندن وفي العام نفسه أقامت أونو معرضها الشخصي على قاعة إنديكا والذي حضره لينون حيث التقى بـ "أونو" لأول مرة. تضمن معرضها بعض اللوحات الفنية بالإضافة إلى بعض الكتابات التي عملت على تصميمها بنفسها ونوتات بعض الأغاني الموسيقية وبعض المجسمات الزجاجية.
بعد ذلك انفصلت أونو عن كوكس بعد معركة قضائية حول حضانة ابنتهما كيوكو. تمكن زوجها من اخفاء ابنتها ولم تلتق أونو بها إلا عندما بلغت كيوتو الحادية والثلاثين من العمر. وكانت أونو حينها قد تزوجت من جون لينون وانتقلا من بريطانيا إلى نيويورك بعد أن أظهر محبو فرقة البيتلز الكراهية والعنصرية نحو أونو إذ اعتقد الكثير منهم بأنها السبب وراء تفكك الفرقة بعد ارتباطها بلينون. وكان هذا الاعتقاد صحيحا إلى ما بعد أن صرح لينون قائلا "اما أن أتزوج الفرقة أو أونو وأنا اخترت أونو". وبالنسبة لـ "لينون" فإن أونو كانت له طوق نجاة لأنه كان يعاني من الفرقة ومن الشهرة ومن كونه جون لينون.
في عام 1980 عاد الزوجان إلى مدينة داكوتا في نيويورك وعند وصولهم منزلهم كان بانتظارهم أحد محبي فرقة البيتلز الذي أطلق النار على لينون وأرداه قتيلا.
بعد خمسة أشهر على مقتل لينون، قامت أونو بدعوة الصحفي فيليب نورمان إلى منزلها لتدلي له بحديث أوضحت من خلاله أنها لم تكن مسؤولة عن ابعاد لينون عن فرقة البيتلز وإنما اختارها هو ليعيش معها كل وقته ويبتعد عن مجال عمله وعلى الأخص بعد إنجابها ابنهما شون. ولم يكن لينون يترك أونو أبدا وكتب لها أغنية "الرجل الغيور" التي عكست مدى تعلقه بها. وتعاونت أونو مع لينون في عدد من الألبومات عندما كان لينون لا يزال عضوا في فرقة البيتلز.
وقد أجرت أونو عدة لقاءات مع هذا الصحفي قدمت من خلالها السيرة الذاتية لـ "لينون" التي صدرت في عام 2008 تحت اسم "الحياة".
في السنوات الأخيرة، أصبحت أونو شخصية منعزلة مع اعتلال صحتها والحاجة إلى الرعاية الصحية على مدار الساعة وكان لها ظهور نادر في عام 2017 حيث تسلمت جائزة موسيقية منحت لإحياء ذكرى زوجها.
عن صحيفة التلغراف البريطانية