كيف حازت {جورجيا أوكيف} على مكانتها الفنيَّة؟

ثقافة 2024/02/22
...

 كلير سيلفن

 ترجمة: مي اسماعيل


وضع محبو الفن الحديث الفنانة الأميركية "جورجيا أوكيف- Georgia O’Keeffe" في مكانة خاصة؛ تلائم رسومها الحالمة للحياة النباتية والطبيعة بالمناطق الجنوبية الغربية الأميركية. وتُعتبر اليوم واحدة من أشهر الرسامات الأميركيات الحداثيات؛ إذ تعرض أعمالها في أكبر المتاحف وتوجد مؤسسة خاصة تعنى بإرثها الفني. ولكن رغم نيل أعمالها انتشارا غير معتادٍ خلال الجزء الأول من القرن العشرين؛ لكنها لم تتمتع بتلك السمعة لسنوات لاحقة. في حياة أوكيف أوقات حاسمة شهدت صعودها إلى الشهرة، وسنيّ حياتها المبكرة في مزرعة بولاية ويسكانسن، وزيارتها "التكوينية" الأولى إلى نيو مكسيكو. 

ولدت "جورجيا توتو اوكيف" عام 1887، لوالدها "فرانسيس كاليكستوس أوكيف" وزوجته "إيدا توتو أوكيف"، وكانت الثانية من بين سبعة أطفال. نشأت في مزرعة مواشي في ويسكانسون، وتخرجت من المدرسة الثانوية عام 1905. واتجهت بعدها للدراسة بمعهد شيكاغو للفنون لسنة واحدة، قبل حضور "رابطة طلاب الفنون" في نيويورك. وعند تخرجها عام 1908، حصلت أوكيف على جائزة "ويليام ميريت تشيس" عن لوحة حياة صامتة بدون عنوان (الأرنب الميت مع وعاء نحاسي). كان لنظريات الرسام ومُعلّم الفنون "آرثر ويزلي دو" تأثير كبير على أوكيف في بداية عملها. قلل "دو" (المعروف بلوحاته ودراساته التفصيلية عن الحياة النباتية) من أهمية الواقعية لصالح الأعمال الفنية المعبرة عاطفيا وروحيا. وألهمت أفكاره حول اللون والخط أعمال أوكيف.  عملت أوكيف بعد تخرجها معلمة للفن في شيكاغو وكارولينا الجنوبية بضعة سنوات، واصلت خلالها انتاج أعمالها الفنية. من تلك الأعمال كانت الرسم التجريدي "الثالث عشر" بالفحم عام 1915. يصور الرسم أربع تكوينات مستديرة في غلاف يشبه الصدفة، ويوجد اليوم بمتحف المتروبوليتان للفنون؛ وهو جزء من سلسلة رسومات وصلت سريعا إلى أنظار المصور الفوتوغرافي وتاجر الفن "ألفريد ستيغليتز"؛ الذي نظّم لأعمال أوكييف عددا من المعارض التي عززت وجودها الفني بمدينة نيويورك، ثم تزوجا لاحقا عام 1924. زارت اوكيف مدينة نيو مكسيكو لأول مرة في تلك المرحلة، واعتادت زيارتها مراراً. لكنها استقرت في نيويورك عام 1918؛ وهناك رسمت لوحاتٍ ديناميكية وغريبة لناطحات السحاب المهيبة في المدينة. 

حققت أوكيف أولى معارضها الشاملة في متحف بروكلين بنيويورك عام 1927، وعُرضت أعمالها بمتحف الفن الحديث بعد عامين؛ ضمن معرض جماعي تحت عنوان "لوحات من 19 فنانا أميركيا حيا". وكانت أوكيف المرأة الوحيدة التي عُرضت أعمالها في ذلك المعرض الذي ضم أعمالاً لتشارلز ديموث، وإدوارد هوبر، وبوب هارت. كما أصبحت أول امرأة تقيم معرضا منفردا كبيرا بمتحف الفن الحديث "MoMA" عام 1946. خلال تلك السنوات زارت أوكيف مدينة "تاوس" شمال نيومكسيكو، وبدأ محتوى اعمالها يميل لرسم الطبيعة والأزهار أكثر من المواضيع التجريدية. توفي ستيغليتز عام 1946 عن عمر الثانية والثمانين، فانتقلت أوكيف بعد ثلاث سنوات إلى نيومكسيكو بصورة دائمة؛ حيث قسمت وقتها بين المدينة ومزرعة اعتادت زيارتها. وقامت بزيارات دولية إلى بيرو واليابان وايطاليا والهند وغيرها؛ وبدأت ملامح طبيعة تلك الأماكن تظهر في رسوماتها. 

تدهور بصر أوكيف في سبعينيات القرن الماضي؛ لكنها أنتجت آخر لوحاتها بالزيت دون معونة عام 1972. 

كان عنوان اللوحة "الماوراء-The Beyond "، وتُصوّر خط أفق تجريديا متوهجاً. واستمرت بالنحت والرسم بالألوان المائية والقلم لسنواتٍ أخرى. نالت أوكيف وسام الحرية من الرئيس الأميركي الأسبق جيرالد فورد عام 1977، والميدالية الوطنية للفنون من الرئيس رونالد ريغان عام 1985. وبعدما انتقلت إلى "سانتا في" عام 1984؛ توفيت أوكيف عام 1986 عن عمر يناهز 98 عاما. 

كانت أوكيف متمكنة في استخدام الألوان الزيتية، ومنهمكة باستخلاص أهم مزايا الألوان والمواد؛ كما يقول أريل بلوتيك" أمين متحف فنون جورجيا أوكيف بمدينة سانتا في: "كانت أوكيف فنانة عالمية بأبلغ المزايا، وهذا كان ظاهرا في جميع أعمالها؛ لكنه يبدو بأبلغ مظاهره في سيطرتها على اللون". تكشف لوحاتها عن قدرة ماهرة على خلق مساحات لونية واسعة، مع تمثيل لملمس ضبابي تجتمع في طبقة واحدة؛ وهي مهارة تعود لفهم الفنانة للشفافيات المتغيرة عند مزج الألوان وتداخلها. في صور الزهور ذات الألوان الفاتحة خاصة تظهر مهارات أوكيف باستخدام تقنيات "الطرح والحذف- subtractive techniques"؛ حيث تعمل على طبقة لونية خفيفة بالفرشاة؛ حتى تتكشف تحتها أرضية القماش البيضاء، وتخلق تدرجات دقيقة للضوء. قد يعتقد البعض أن مثل تلك الدقة والتخطيط المُسبق قد يتعارض مع الإلهام الخلاق للفنان. لكن بالنسبة لأوكيف؛ التي امتلكت سيطرة عالية على موادها؛ أعطاها ذلك حرية صنع فنها كما تشاء.. وكما قال أحد مُحللي الفنون: "لم تشعر أوكيف بالقلق من نتاج العمل؛ لأنها كانت قد خططت له مسبقا بالفعل.. لقد استبعدت عامل "المصادفة" من كل شيء..".  


عن موقع {آرت نيوز}