أدونيس.. ذكاء الفعل والمناورة

ثقافة 2024/02/25
...

 ريسان الخزعلي


(1)
عندما يقرأُ نصاً عظيماً
يشعر ُ كأنَّ هذا النصَّ (ينتصر) عليه:
ما أغنى، وما أجملَ هذه “الهزيمة”!
هذه الشطرات الثلاث “النثر شعرية” كانت المقطع الأخير من قصيدة أدونيس، التي حملت العنوان “سياسة الضوء -  فقرة  هو” في مجموعته “ليس الماءُ وحدَهُ جواباً عن العطش” منشورات  كتاب دبي
الثقافية - 2008.
وبدلالة الضمير (هو) وما يشيء به المقطع من وضوح، فإنَّ أدونيس يكتب عن تفاعله الذاتي مع النص العظيم -أيَّ نص- كما يراه عند القراءة، ومثل هذا التفاعل يُشير إلى اعتراف صريح بأنَّ للآخر نصّاً عظيماً، وأنَّ أدونيس لا يستطيع أن يخفي ما يشعر به تجاهه، إذ يراه ينتصر عليه نصوصيّاً، معترفاً بغنى وجمال الهزيمة الإبداعية. وهكذا كانت المواجهة - مواجهة التلقّي - وكأنها معركة بين طرفين.
إنَّ قول أدونيس هذا، يعكس عمق إنصاته وتذوّقه الفني والمعرفي، كما يعكس صراحة الاعتراف، والتواضع، وكما  يليق  بالمبدعين الكبار.

(2)
في الأعمال الشعرية الكاملة منشورات (دار الساقي) الجزء الثامن – 2010، والذي ضمَّ مجموعة “ليس الماء وحده جواباً عن العطش” غيّر أدونيس - من بين تغييرات عدّة على المجموعة - عنوان قصيدته “سياسة الضوء” بعنوان آخر:  علمٌ لا يصح إلّا في
الشعر.
إنَّ أدونيس اعتاد أن تصدر أعماله في السنوات الأخيرة منجّمة بعبارة “صياغة نهائية”..، ومثل هذا الإجراء طبيعيـ، وله علاقة بالمراجعة التي يراها ضرورية، إذ ربّما لا تأخذ القصيدة شكلها النهائي في النشر الأول، وهذا يحصل عند غيره من الشعراء أيضاً.
 إلّا أن اللافت هنا، أن أدونيس حذف الشطرات الثلاث - التي تم ذكرها في استهلال هذه الإشارة - من القصيدة بعنوانها الجديد!..، فما الذي أراده ُ من هذا الحذف الذي نُرجّح قصديته؟
قد يأخذنا التأويل إلى ملامسة استنتاج ما يقوم على ذكاء فعل ومناورة معروفين عند الشاعر، فنيّاً وفكرياً ضمن تحوّلاته
الشاغلة.
فقولهُ إن النص العظيم عند الآخر (ينتصرُ) عليه ويعتبر (الهزيمة) غنيّة وجميلة، قد يُحيل المتلقّي – نتيجة وضوح الاعتراف، الذي جاء في الشطرات الثلاث - إلى ما يُسمّى (انتحالات أدونيس)، التي كُتب عنها وفيها الكثير. وقد لا يصحّ هذا التأويل كمعيار تقييمي قياسي، وقد يقف بموازاته  قول أدونيس الشعري: “عِش ألقاً/ وابتكر  قصيدة وامض ِ.. زد سعة الأرض”.