رمزيَّة {ذاكرة الماء}

ثقافة 2024/02/27
...

   حيدر الاسدي  

(ذاكرة الماء) هو الديوان الجديد للشاعر البحريني ( علي الستراوي) والصادر هذا العام 2024 عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع في مصر، وفي هذا الديوان تحضر رمزية الماء وقيمته كدلالة واضحة في اغلب النصوص وكعامل مشترك ما بين تلك النصوص الشعرية، في جميع قصائد هذا الديوان ابتداءً من العتبة الأولى (العنوان) وحتى في متونه الشعرية واحالاته الرمزية، وما يمكن تلمسه هو حضور (السردية) العالية اذ تتمثل لديه السردية في المعنى الشامل لنصوصه الشعرية لكنها لا تقدح في شعرية القصيدة، بل يبقى الشاعر محافظاً على إيقاع ونسق قصيدته الشعرية منذ بدايتها حتى نهايتها، كما ان الستراوي يتمسك بالمعنى الطبيعي للحياة وتأثيره السيكولوجي (البحر/ حرارة الشمس/ زمن الطوفان، وماء/ الموج الغاضب/ وسط البيت/ ذاكرة الماء/ انحدار الشمس في المغيب/ ص5).
والشاعر في هذا الديوان حينما يريد ان يعبر عن حبه للأوطان فإنه يلتجأ الى الاوصاف الشاعرية التي ترتبط بالطبيعة الخارجية كما أسلفت وهذه ثيمة تكراريَّة في طريقة تأثيث القصيدة.
في أغلب نصوص هذا الديوان ترى ان دلالة هذه العوامل الطبيعية تتغاير وفقاً لنسق النص الشعري وسياقات توظيفاته التعبيرية بالارتكاز على موضوع القصيدة بالتحديد والطريقة التي يختار فيها الشاعر التعبير عن هذا الموضوع بالاعتماد على كمية التشبيهات والاستعارات والأفعال والأسماء التي تتناسق لتندمج بفضاء هذا النص. وفي نص (أحبك وكفى) يضع الشاعر تناقضات ما بين الحرب وبؤسها وما بين (الحب) وشفافيته.
ما بين (الغياب/ الضياع) وهي ظاهرة يعبر عنها الشاعر حينما يريد ان يصف تناقضات هذا العالم او عندما يوحي بالإشارة الى مسألة (الحضور والغياب) في نصه الشعري، كما تظهر الميتا شعرية بهذه القصيدة عبر (واعيد شموعها
في دماء قصائدي وانتظر).
اما في نص (قبل كل اذان فجر) يبدو أن ذاكرة الماء تتمثل هنا عبر (دموع) (سحابة معلقة) يرسم خيوط استدعاء (صوت او صورة الأم) وهو ما يمكن التقاطه من بنى نصوصه الشعريَّة فإنّ طاقة الماء ورمزيته تتحول وتتسم بالسيرورة تبعاً لنسق الموضوع في كل قصيدة من قصائد هذا الديوان ولكن طاقتها الرمزيّة حاضرة بقوة، كما ان الطرقات والمنازل مهيمنات في بناء نصوص الستراوي الشعرية وليس هذا وحسب بل يوظف الشاعر حضور الافتراضات ودلالة الحضور والغياب بما تلقيه من معانٍ على الانسان ومن يتصل بهم  عاطفيَّاً.
وتتحول دلالة الماء ثالثة في نص (عندما لا ينشغل بالفحم وحده) وهكذا يبقى الماء عبر مجراه الرمزي حاضراً في أغلب نصوص هذا الديوان والذي من طبيعة قصائده والاهداءات التي تسبق النص تشعر وكأنّه ديوان شعري عائلي، كتبه الشاعر علي الستراوي بخصوصيَّة فائقة، ولكنه كتب بلغة شعريَّة عالية مغلفة بالأحاسيس العاطفيَّــة الملبّـــدة بالســـرديّة العاطفيّة.