انتخابات الجمعة في إيران.. غياب الأحزاب الإصلاحيَّة وقوائم أصوليَّة متصارعة

قضايا عربية ودولية 2024/02/27
...

• جواد علي كسار

تصعب إلى حد ما قراءة تفاصيل المشهد الانتخابي الإيراني في شقه البرلماني (إلى جوار الانتخابات التشريعيَّة تشهد الجمعة الآتية انتخابات الدورة السادسة لمجلس خبراء القيادة أيضاً) وأحد أسباب ذلك يعود إلى اضطراب الخريطة الحزبية وتشوشها. صحيح أن ملفات الداخلية الإيرانية تسجّل وجود نحو (200) حزب في البلد، ذكر وزير الداخلية الجنرال أحمد وحيدي، أن بين هؤلاء أعلن (103) أحزاب و(20) ائتلافاً مشاركتها في هذه الانتخابات، لكن ينبغي أن نعرف أن الغالبية العظمى لهذه الأحزاب تقتصر فعاليته على الوجود القانوني والإعلامي وحده، والبقية المتبقية (بحدود: 30ـ 50 حزباً) ينشط في المواسم الانتخابية وحدها، خلا النزر القليل منها، ليكون أحد عيوب الحياة السياسية في إيران، هو غياب الحزبية الراسخة على المستوى الوطني العام، رغم وجود الانتخابات الراتبة واستمرارها.
غياب الحزبية والشعبوية
لمجتمع السياسة في إيران قصة فاشلة مع الأحزاب الوطنية العامة، تعود فصولها إلى نحو قرنٍ وعقدين، حين سقطت سريعاً تجربة حزبي الحركة الدستورية (حركة المشروطة عام: 1905م) الحزب الديمقراطي العام (حزب دموكرات عاميون) وحزب الاجتماعيون المعتدلون (حزب اجتماعيون اعتداليون) بعد انكسار سريع للحركة الدستورية، وانقلاب الضابط الأمي رضا خان (1877- 1944م) عليها وعلى السلطنة القاجارية برمتها، وتأسيس العهد البهلوي الذي تعامل بحقبتَيه؛ حقبة الأب والابن معاً (1925- 1979م) مع الأحزاب كمنطقة محرّمة، عدا تجربة شكلية تافهة سبقت سقوط العهد البهلوي الثاني، هي تجربة حزب نهضة أو بعث الأمة الإيرانية (حزب: رستاخيز ملت ايران) بعد أن أطلق الشاه محمد رضا وجوده في الفضاء الإيراني العام، في شهر آذار عام 1975م، ولم ينعم بلعبته طويلاً.
لم يتغيّر المشهد الحزبي كثيراً على عهد الجمهورية الإسلامية، بل عمّق الاتجاه العام في ثقافة الثورة والثوريين، المسار المناهض للحزبية الوطنية العامة، حتى تحوّلت الحزبية إلى ما يشبه السُبّة أو التهمة، عدا استثناءات نادرة طفت على سطح الحياة السياسية لكن ما لبثت أن انطفأت سريعاً، كما هي الحال مع حزب الجمهورية الإسلامية، ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، لاسيّما بعد غياب رائد الحزبية الإيرانية في عصر الجمهورية ومنظّرها الأبرز محمد حسيني بهشتي (ت: 1981م) وإشارات السيد الخميني الصريحة بترجيح تعطيل نشاط الحزب الجمهوري ومنظمة مجاهدي الثورة.
شهد المناخ السياسي الذي رافق حركة 2 خرداد (23 أيار 1997م) وقُبيل ذلك أيضاً، وصعود محمد خاتمي إلى السلطة؛ شهد فورة ملحوظة في ولادة الأحزاب والتجمّعات السياسية الأساسية والواجهية، بيدَ أنها أخفقت أيضاً في إرساء بناء رصين للأحزاب والحزبية على مستوى إيران برمتها، خلا استثناءات قليلة. وهذا ما يفسّر لنا ازدهار سوق الواجهات والأجنحة والتيارات، وطغيانها مع الرمزيات الشخصية، وتكاثرها خاصة في مواسم الانتخابات.
من بين كثرة كاثرة من التفسيرات التي تلتقي في جذورها التحليلية للظاهرة، مع خصائص الاجتماع الإيراني (أنه مجتمع قصير الأجل غير تراكمي بحسب محمد علي كاتوزيان، في كتابه: "إيران.. مجتمع قصير الأجل") وعلم نفس الشخصية الإيرانية (وأنها شخصية فردية لا تميل للعمل الجماعي، بحسب دراسة وصفية نقدية للاجتماعي مقصود فراستخواه في كتابه: "نحن الإيرانيون.. خلفية تأريخية واجتماعية لخلقيات الإيراني") وضمن البحث التأريخي والثقافي (وفي داخل الثقافي تُلحظ الأمزجة والحساسيات النفسية) بالإضافة إلى الأسباب السياسية؛ لفت نظري إشارة أدلى بها القيادي الأصولي محمد رضا باهونر المرشح الحالي ونائب رئيس البرلمان سابقاً، يحثّ فيها على استعجال بناء الحزبية الوطنية، وتقنين الهياج السياسي وضبط فوراته الموسمية المتصاعدة في أزمنة الانتخابات، من خلال السعي المستعجل لإيجاد أحزاب قوية عابرة للولاءات الشخصية والمحلية والمناطقية، تكتسب صيغة حزبين أو ثلاثة أحزاب وطنية كبرى مقتدرة وقوية؛ وإلا فهو المستقبل المجهول لنظرية الحكم في إيران؛ نظرية: "الحاكمية الشعبية الدينية"؛ هذا المستقبل المحفوف بخطرين جسيمين هما، حذف القاعدة الشعبية وإلغاء دورها في الحكم، أو صعود هائج غير منضبط للحكم الشعبوي، المتقلب مع التقلبات الشعبوية للناس وتبدّل أمزجتهم ورغباتهم، ما يوقع تجربة الحكم الإيراني نفسها بخطر جسيم، مع هذين المتغيّرين (حوار مطوّل لصحيفة "قدس" مع محمد رضا باهونر، 17 شباط 2024م).

المعادلة المفتاحية
في ضوء هذه الملاحظة لا مناص لقراءة المشهد الانتخابي من العودة مجدّداً إلى مفاتيحه التقليدية، وفي الطليعة منها دون شك، مفتاح اليسار واليمين، الذي تطوّر بعد ذلك إلى مفتاح الإصلاحيين والمحافظين، وبينهما دائماً خطّ ثالث وأحياناً رابع، وتفرعات انشقاقية مركّبة يصعب ضبطها لكثرتها. من الوجهة الفكرية والنظرية نكاد نلحظ غياب الخلفية المعرفية المُمايزة بين خطّ وآخر، إلا ما تحرّك في مدار العمومات والكليات ولاسيّما في السنوات الأخيرة، التي شهدت نزوعاً شديداً لتوحيد هوية النظام وقواه وسنخيته، في نطاق لون واحد، هو اللون الأصولي، مع إقرارنا بتنوّع هذا الطيف وكثرة البؤر والتجاذبات داخله، كما تشهد على ذلك خرائط القوى السياسية وصراعاتها وكثرة ائتلافاتها، في الانتخابات الحالية.
وسبب خفوت الفوارق النظرية والفكرية وتراجعها إلى الخلف، يتمثل في تقدّم غنائم السلطة والثروة والسعي للاستحواذ على أكبر قدر منها في خرائط القوّة ضماناً لمعادلات الحاضر والمستقبل، خاصة أنَّ إيران على مشارف تحوّلات كبيرة وربما جذرية وعميقة، مع أوّل متغيّر في قمة النظام. والحقيقة أنَّ هذا التنافس والصراع على السلطة والثروة هو ديدن السياسة في كلّ وقتٍ ومكان؛ في إيران وخارجها وفي التاريخ والحاضر والمستقبل، لا تكاد تشذّ عنه تجربة، بصرف النظر عن البطانات النظرية والدثارات الأيديولوجية والشعارات المرفوعة؛ فهذه جميعاً جزء لا يتجزأ من صراعات السلطة والثروة نفسها، تعكس سعي كلّ طرف للاستحواذ على أكبر مساحةٍ فيها.

طموحات الخرائط البديلة
أجل، ثمة من يتحدّث في الساحة السياسية عن استهلاك طاقة المفاتيح التقليدية وخرائطها المستقرّة، وأنَّ تحوّلات الواقع الإيراني قد تجاوزتها خلال العقدين الأخيرين، ما يأذن بولادة خريطة جديدة، تتجاوز اليسار واليمين والإصلاحيين والمحافظين جميعاً. ومع أنَّ جميع القوى البارزة المتمكّنة سلطوياً ومالياً وشأنياً، تطمح لأن تكون هي الحجر الأساس في الخرائط الجديدة، بعد أن تخلع لباسها السابق وتبدّل ثيابها القديمة البالية، كما نلمح ذلك بوضوح من قراءات استشرافية للإصلاحيين، لاسيّما مع المنظّر المعروف سعيد حجاريان، أو مع الاتجاه الذي تمثله يمينياً أو أصولياً جبهة "بايداري" وتشكيلات أصغر إلى جوارها، من المفروض أنها تنتسب نظرياً إلى أفكار الشيخ محمد تقي مصباح يزدي؛ إلا أنَّ أبرز ما لاحظته في هذا المجال، إطلاق تحليلات برؤى نظرية متماسكة على صعيد البديل، صدرت من منابر تنتمي إلى الحرس الثوري ما يكشف عن هوية البديل المرتقب، وطموحات الحرس الثوري في الحاضر والمستقبل.
وإذا كان لابدّ من مثال فأعترف أنَّ قراءة مواضيع مختارة من صحيفة "جوان" المرتبطة بالحرس الثوري، تعكس بالإضافة إلى فائدتها متعة كبيرة؛ يشترك معها في المواصفات نفسها موقع "تسنيم" التابع للحرس أيضاً. فعلى عكس صخب صحيفة "كيهان" والتهديد والوعيد الذي يطلقه "حاج حسين" (المقصود به: حسين شريعتمداري ممثل المرشد في المؤسّسة) على الجميع، يومياً وفي الاتجاهات كافة؛ وبزاوية تختلف كثيراً عن صحف "الإعلامية الرسمية" وفي طليعتها "ايران" و"جام جم" و"همشهري"؛ نقرأ في صحيفة "جوان" وموقع "تسنيم" تحليلات هادئة كثيراً، مكتوبة بدافع مدّ الجسور مع الآخرين، وبذهنية الحريص على عدم استعداء بقية الأطراف بالمجان، وكأنهما (الصحيفة والموقع وغيرهما مما ينتمي إلى الاتجاه نفسه) يبعثان برسائل محدّدة للآخرين، فحواها: أهلاً وسهلاً بكم، المشهد يسعكم إلى جوارنا، لا نبغي إقصاءكم، بشرط الاعتراف بمحورية دورنا ومركزيته.
الأمثلة على ذلك كثيرة، فحين قارنت "جوان" مرّة بين الرئيس الأسبق أحمدي نجاد وآخر رئيس وزراء موجود خلف أبواب الحجر الأمني، أشادت بمير حسين موسوي وأنه صوّت من داخل مقرّ حجزه، في انتخابات الرئاسة التي قاطعها نجاد علناً. لم تقطع مع الرئيس الأسبق محمد خاتمي زعيم الإصلاحية المحجور عليه إعلامياً، بل عهدت في تحليل قبل أيام قليلة إلى مسك العصا من الوسط، وهي تفسّر ظاهرة الغموض في شخصيته. كما لم تلجأ في آخر مقال رأي قرأته لموقع "تسنيم" إلى لغة السبّ والتهمة والشتيمة، والموقع يناقش رأياً سياسياً عن الانتخابات، للمفكر الإيراني الإشكالي عبد الكريم سروش، بل بادر للارتكان إلى الحجة والدليل، بكلّ هدوء مع لمحات احترام لا تخفى.
هكذا نجد في الخطّ الإعلامي المحسوب على الحرس الثوري ومنابره، أمثلة كثيرة لعمل هادئ من أجل مسك الساحة، ورمي الشباك فيها من أجل ضمان الموقع المحوري في مستقبل السياسة الإيرانية كما في حاضرها. من أمثلته تحليل مهم نشرته صحيفة "جوان" يتحدّث صراحة عمّا بعد الإصلاحية والأصولية، لكن من دون استعداء للطرفين، مع مؤشرات تكشف عن رسائل مرنة إلى الإصلاحيين في دعوتهما معاً، إلى "العقلانية السياسية" وإلى "الواقعية"، وهي تناقش التيار الراديكالي المتطرّف، وترد على آراء مصطفى تاج زاده وسعيد حجاريان ومحسن آرمين ومحمد رضا جلائي بور، وتتوقع نهاية الإصلاحية الحالية لصالح ولادة أدبيات جديدة لتيار جديد (صحيفة جوان: 22 شباط 2024م).

الإصلاحيون والمماطلة الذكية
لا أميل إلى تفسير تلكؤ الإصلاحيين وعزوفهم عن الانتخابات الحالية، على أساس حالة تردّد ناشئة عن ضعف قواعدهم الشعبية والتشتّت والانقسامات التي تبعثر جبهتهم، ومن ثمّ امتناعهم عن تقديم مرشحين وقوائم باسمهم مباشرةً؛ التردّد والتشتّت موجودان ولا أنفيهما، بيدَ أنهما ليسا السبب، بل هي المماطلة المنهجية المقصودة والتسويف الذكي.
أبدأ بفصول قصة المماطلة الذكية بإشارات نافعة جداً في صياغة الفرضية، وفهم الموقف على الجبهة الإصلاحية. فمنظّر إصلاحي معتدل من وزن "د. صادق زيبا كلام" يمثّل وضع الإصلاحيين بأنهم أصبحوا في نطاق متطلبات النظام الحالي، بمنزلة قرّاء المآتم عند الجنائز، ينبغي لهم الحضور كلّ أربع سنوات مرّة لتسخين المشهد الانتخابي، ثمّ ينصرفون عائدين إلى منازلهم، مع فارق أنَّ قرّاء المآتم في الجنازات يتقاضون أجور حضورهم، والشتيمة والتهم هي ثمن حضور الإصلاحيين.الصحفي الإصلاحي الذي يعجبك فيه وضوحه وصراحته "أحمد زيد آبادي"، يسجّل بأنَّ اللحظة الحالية غير مواتية للإصلاحيين كي يحصلوا على مغانم من الانتخابات، بل ينبغي لهم الانتظار ولحظة الغُنم قادمة لا محالة. أما منظّر الإصلاحية الأبرز وربما الأخطر أيضاً "سعيد حجاريان"، فقد دعا صراحةً بلقاء تفصيلي مع صحيفة "اعتماد" إلى تأديب السلطة ومعاقبتها، عبر العصيان المدني السلمي حتى تعود إلى رشدها، ومقاطعة الانتخابات الحالية هو ضرب من العصيان المدني المشروع برأيه.

الوثيقة الستراتيجية
بديهي أحالت الجبهة الإصلاحية موقفها الرسمي إلى بيانها الذي صدر، بعنوان الوثيقة الستراتيجية لجبهة الإصلاحات بتأريخ 21 كانون الثاني 2024م، وتضمّن قراءة تفصيلية للواقع السياسي والموقف من الانتخابات، عبر نقد صريح لتصلب الحكم والهيمنة المتصاعدة للتمامية واللون الواحد، وتضييق الحق الانتخابي، ووضعت لوازم للانتخابات التنافسية العادلة. عُدّ هذا البيان مُلزماً لجميع الشخصيات الحقيقية والحقوقية (أكثر من ثلاثين جهة وعنواناً) والخارج عليه يُعدّ خارجاً عن ستراتيجية الجبهة. وهذا ما يفسّر لنا الهجوم المكثّف الذي قام به الإصلاحيون ضدّ مجموعة بيان (110) الذي صدر قبل أسابيع وحسبته الجبهة خروجاً على إجماع الإصلاحيين، وهو يدعو صراحة إلى فتح نافذة أمل عبر المشاركة بالانتخابات لا مقاطعتها.
هكذا سار الموقف على خطّ الجبهة الإصلاحية وقواها بين المشاركة الفردية (بمعنى عدم المقاطعة) دون قوائم، والترقّب والانتظار، والتردّد بين صيغتي لا مشاركة ولا معارضة، بالإضافة إلى أصوات تدعو للمقاطعة صراحة؛ لتكون الحصيلة بعد شهور من هذه الستراتيجية هي عدم المشاركة الفاعلة، الأشبه بالمقاطعة، وهذا ما حصل، بعد أن أهدرت السلطة فرصة نادرة للتسوية، عندما حدّد الإصلاحيون في لحظة صراحة نادرة ثلاثة شروط لمساومة الحكم؛ هي: التسليم بزعامة خاتمي ومحوريته القيادية للإصلاحية بلا منازع، استمرار البحث العلمي والتخصّصي في الخلافيات دون تسقيط، اللجوء إلى الائتلاف في المواقع الضرورية (صحيفة اعتماد على صدر صفحتها الأولى، بتأريخ: 14 شباط الماضي. المبادرة وإن كانت موجّهة إلى الإصلاحيين، لكن المخاطب الأساسي بها هو السلطة).

هوامش المناورة
أجل، تركت الجبهة هامشاً من المناورة لعبت داخل دائرته، أحزاب مثل كوادر البناء (كار گزاران) والثقة (اعتماد ملى) وصوت الإيرانيين (نداى ايرانيان)، وحاكمية الشعب (مردم سالارى) هي محض نافذة وتدبير مسبق يدفع عن الإصلاحيين غوائل المستقبل، في جوّ سياسي كيدي من الطرفين.
كان المهم للإصلاحيين هو كسب الوقت عبر المماطلة المنهجية المقصودة والتسويف الذكي، وهذا ما حصل، خاصة بعد أن أعانهم عليه وحشّد جهودهم وقاعدتهم الاجتماعية لصالحه؛ الرفض الواسع لمن رشّح من أنصارهم من قبل مجلس حماية الدستور (شوراى نگهبان). فعلى رغم ادّعاء الجهات الرسمية وجود أكثر من (1500) مرشح إصلاحي من مجموع أكثر من (15) ألف مرشح وافق عليهم مجلس حماية الدستور، صرّح قادة الإصلاح أنَّ جميع المقبولين كإصلاحيين يتراوح عددهم بين (30ـ 50) مرشحاً فقط، وحسماً للجدل فقد تحدّوا الجهات المعنية بنشر قائمة الأسماء إن كانوا صادقين، وطبعاً لم تفعل الجهات ذلك.

مطهري وقائمة طهران
في دائرة المناورة جاءت الخطوة الأبرع بتبنّي عضو البرلمان ونائب رئيسه السابق علي مطهري، قائمة عن مدينة طهران صاحبة التمثيل النيابي الأكبر (39 مقعداً: 30 للمركز، 5 للأقضية، 4 للأقليات) بعنوان: "صوت الشعب" (صداى ملت) لتمثل رأي المعترضين، كما وصفها مطهري بهذا الوصف نصاً.
حفظت القائمة منهج المناورة الذكية نفسه، حين ذكر الإصلاحيون أنها لا تمثلهم، وصرّح مطهري بأنها محض قائمة شخصية انطلق بها على أساس إحساسه بالتكليف وإلحاح الأنصار والأصدقاء، لاسيّما أنَّ ترشيح مطهري للبرلمان المرتقب رُفض في البداية، قبل أن يُعاد الاعتبار إليه. لكن الشيء المؤكد أنَّ قائمة مطهري هي حصيلة جهد تنسيقي ذكي مع أطرافٍ ثلاثة، هي الإصلاحيون، والمعتدلون من أنصار الرئيس السابق حسن روحاني، وأخيراً أنصار "لجنة العقلانية" المحسوبة على رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني؛ والذكاء أنها إذا فازت فهي تخطّط لضرب الرئيس والهيئة الرئاسية الحالية للبرلمان، وإذا خسرت فستمنح الإصلاحيين وجميع المقاطعين، عذراً لمواقفهم.
تبقى الجبهة الأصولية، إذ يكفي أن تعرف أنَّ الانتخابات الحالية بإجماع الكلّ، هي انتخابات أصولية شبه خالصة، بين تيارات الجبهة المتصارعة ورمزياتها المتنافسة، وسنعود إلى تحليل مكوّناتها وأفكارها ومواقفها، بعد أن تكشف انتخابات الجمعة عن الحصة الفعلية الميدانية لكلّ طرف، بعيداً عن الصخب والادّعاءات.