{جميلات} ملاعب.. بين الواقعيَّة والتجريد

ثقافة 2024/03/04
...

 يقظان التقي

" جميلات"، هو عنوان معرض الفنان التشكيليّ اللبناني جميل ملاعب، الذي أقيم مؤخرا في غاليري "جانين ربيز"، الروشة، وضمّ 19 عملًا زيتيًّا (16 على قماش و3 على خشب)، بينها ثلاثة أعمال من مراحل قديمة سابقة.
المعرض هو من تفاصيل ودقائق يكمل مسيرة من التحولات والتغيرات في تجارب الفنان الفنية، والوعي البصري لاكتشاف النفس البشريّة من خلال المرأة. سلسلة جميلات والمرأة والون توأمان، تصير اللوحة جسدا، ويصير الجسد لوحة في نوع من التجريد والتشخيص الوجودي لامرأة هي كل شيء، ملكة المعرض وملكة الجماليات.
الجسد في حالة تصويرية، رسم تحت تأثير الانطباعية، ثمّ فكك تكعيبيا، وحركة تنظيرية في نيويوك.. الجسد لا يتبنى لأية مقولة استطيقية، لا متعاليا، ولا منفردا، ويحافظ الفنان على كشف دلالات لا تشكل حالة ظاهراتية/ استعراضية في الجسد، الذي يظهر فيه الجنس المأهول بهيبة الشبق. أجساد مؤنثة على حدود الحياة المدينيّة، وتراجيدية ساحرة في مهمة الرسم/ المتعة، أي جعل النقاء المحسوس يتكلم في أشكاله التعبيرية .
الجسد هو محتوى، و"الموديل" هو أساس الفنون البصرية. لكن عند جميل ملاعب مجرد أعراض لونية، تدل على حقيقة تحتاج إلى برهان لوني وآخر، أو على فقدان الحقيقة، وأشكال تحكم فن الرسم من أيام الفراعنة، والرومان والسومريين ومن أيام العصر الوسيط، وظائف للرسم بمثابة هندسة للجمال والرغبات مع باقي التأويلات الاخرى .
تجربة فنية أساس في عمل الفنان في رسم الانسان، الأنا والآخر، شكل الإنسان، روحه كقاعدة تجريبية لكل الفنون التشكيليّة، وفنون الرقص، الدهشة والتأمل، وهي قاعة لفهم الكون، أما المرأة فهي كون صغير متكوّر في كهنون جسدي، تفهمه، وتفهم الطبيعة المكثفة في جمال الجسد البشريّ .
يجترح جميل ملاعب حضورا، عودة إلى رسم "الموديل"/ المرأة، ويذّكر الفنانين والطلاب بضرورة العودة إلى القاعدة، ألف باء الرسم  -أي- رسم الشكل الإنساني، والمرأة هي الدور والحضارات في العودة إلى علم الفن الفرعوني، وعلم مقاييس الشكل الهندسي، ومزيج من رسم الجسد والروح التجريدية والوجودية.. قاعدة لحياة وأخرى من يدين ووجهين وجسدين والأنا والآخر .
يحييّ المعرض تاريخ من العيون السومرية الجامدة، كأنها عيون الآلهة، عيون واعية عقلانية تدير أجساد حسيّة، تفتش عن ذواتها وتسأل الاسئلة الوجودية، وتصير الأسئلة كما الأجوبة وجودية، أسئلة مفتوحة وجدانية. مجازات موحيّة في المعرض تتداخل فيها وجوه كسافييه لاكروا في تجسيد الله وأنسنة الإنسان، جسد حقيقي وخيالي في آن، في مرحلة إعادة تقييم الجسد. وأجساد ليونارد دافنشي الايطالي والتجانس والتناسب ما بين جسد الإنسان والكون بطريقة المرأة المرآة، وتفاصيل توضح تشريح الجسد، والوقوف والجلوس ورفع الرأس والذراعين والغاز الرموز حين لا تتكلم .
هو أيضا عمق لوحات في الوجدان الإنساني عند غويا والملامح الحزينة، والمرأة البطلة الغامضة عند غوغان، والمرأة القوية والواقعية عند بيكاسو، مرورا بنتاجات الفن اللبناني مع جبران خليل جبران وما ورائيات أجساده، وخليل الصليبي، ومصطفى فروخ، وعمر الأنسي،  وقيصر الجميل، ورشيد وهبي، إلى صداقة وأخوة عارف الريس في ضمير اللوحة وتوازنات أحجامها ونسبها .
معرض صعب، على جرأة وخطورة في رسم لوحة الجسد. ليس مرورا لونيا في قطار نهاري لوني في تشكيل أحاسيس تنهب كل التفاصيل في جنبات الجسد المستريح على تاريخ الفن الموجود، ويحاول ملاعب تكثيفه واختزاله وتجريده من النسخ الأولي.
لذلك يرسم بأحاسيس عفوية/ وبصوفية تجريدية، تحتوي تغييرا مدهشا في الواقعية والتجريد والكتل اللونية، التي تصير جسدا آخر بين البساطة والطبيعة، آتية من ألوان الصيف والخريف والبحر والطبيعة والعتمة  والزهور .
في عمل "عارية" هناك تكثيف لوني وآخر في لوحة غير مرئية أخرى لم يعرض لها، تلك التي يتوق لها بفطنة ذكية، لا يريد أن يحولها إلى طبيعة صامتة، يتركها نهبا للخيال واتقاد الاحساس بالجمال والطبيعة. ولوحة ملاعب ليست شبقية متفجرة، مستقلة عن العالم، تشكل معه لوحة أخرى تشبه اللقطة الفوتوغرافية غير الايروتيكية، تروي نفسها بحذر شديد. كأنها المدينة/ الماضي والحاضر وتهذيب المستقبل، الفن والجمال والقوانين، المنحى الصدامي الجمالي بحرارة وبرودة في أن تجري في مواجهة الجهل والعدم والتوحشيّة حين يتشوه وجه الكون . يذكرنا معرض جميل ملاعب  بسحر الطبيعة، سحر المرأة، الكون الوجود. والمرأة اضافة نوعية إلى الكواكب الألف. معرض للمشاهدة الواسعة، مادة للتفاؤل لنضارة الأشياء، للانتصار على العويل والأحزان، الانتصار أيضا بالجمال بالرقص، بغناء الروح، حب الحياة. الفن الجميل هو تحقيق بطولة ومغامرة اللوحة الحلوة، انتصار لحضارة الشعوب، لحقبات من البحث عن استقرار حيوات بعيدة تجمدت في عيون جنّات نسويّة ليست مشوهة، ايمائية إلى الاقصى، كما أعمال الإنسان المؤمن بقضية تاريخ الجسد والجمال.