علي رياح
يستهويني دوماً الاستماع إلى الرواية (الأخرى) في أية حادثة أو قضية أو شهادة، مهما يكن حجم الصدق أو الموثوقية التي تنطوي عليها هذه الرواية، فهي على الأقل ستحمل لك ملامح وإشارات من منطقة ربما تكون غير مَرصودة أو غير مُضاءة.
اهتزّت أوساط الكرة العراقية للخسارة الثلاثية التي مُنيَ بها منتخبنا الكروي أمام نظيره المصري في نهائي كاس فلسطين في بغداد عام 1972.. كنت صبيّاً أرصدُ حالة من الكآبة اجتاحت المنزل بعد المباراة.
ولم يكن الشعور بالمرارة والخيبة بعد تلك الخسارة أقلَّ سقفاً في الشارع والمقهى والأماكن العامة الأخرى. فعلى الرغم من المكانة الرفيعة التي كان يحتلها المنتخب المصري على الصعيدين العربي والأفريقي، فإن أكثر المتشائمين بمنتخبنا لم يكن يتوقع أداءً مهزوزاً للاعبينا وعلى وجه التحديد منهم النجمان الراحلان ستار خلف حارس المرمى وعبد كاظم قلب الدفاع وقائد المنتخب. وفي دلالة على الشعور بالنكسة الكروية بكل أبعادها الاجتماعية والنفسية، خيّمت تفاصيل تلك المباراة على أحاديث العراقيين وانطباعاتهم زمناً ليس قصيراً.
في مقابل الركام الكبير من الانتقادات التي تعرّض لها منتخبنا ولم يستفق منها إلا بعد وقت طويل، كنت بعد دخولي ميادين الإعلام الرياضي أبحثُ في المصادر المصرية تحديداً عن صدى تلك الإخفاقة العراقية التي مَهّدت الطريق أمام فرحة مصرية عارمة بالفوز وإحراز اللقب بعد أن كان المنتخبان قد التقيا في مباراة افتتاح البطولة وانتهى اللقاء بالتعادل السلبي وكان في وسع المنتخب العراقي الفوز فيه.
تكتب مجلة (المُصوَّر) المصرية وصفاً لأجواء المباراة، فتشدّد على (أن السلطات العراقية قد ألغت سباق الخيل (الريسز) في ذلك اليوم (الجمعة 14 كانون الثاني) حتى لا يؤثر اندفاع الآلاف نحو ذلك السباق بمغرياته ومراهناته على الحضور الجماهيري في ملعب الشعب فانتقلت المراهنات إلى مدرجات الملعب بشكل ملحوظ، فكان قطاعٌ من العراقيين يُرجّح كفة المنتخب المصري لا حبّاً به ولا تشجيعاً له، ولكن لأن تقديره لقوى الفريقين جعله يراهن على فوز المنتخب المصري بمبالغ وصلت إلى 250 ديناراً وذلك يكفي لأن يربح المتراهن الذي يفوز أكثر من ألف دينار).
المجلة تشير إلى حضور عدد لا يُستهان به من المصريين العاملين في العراق لتشجيع منتخبهم وقد كان لهتافاتهم مفعول السحر، بينما لجأ المنتخب المصري إلى امتصاص زخم المنتخب العراقي بالإمعان في التمرير العرضي ثم إعادة الكرة مراراً إلى الحارس حسن مختار، فاستفزّ الجمهور العراقي الذي كان يطالب بلعب حقيقي، ومهّدَ الطريق نحو فتح الثغرات في الدفاع العراقي والوصول إلى مرماه دونما عناء.
موكب الفرح المصري بالفوز كان لافتاً حسب وصف المجلة، فلقد رافق المصريون الباص الذي أقلّ منتخبهم بالدفوف والمزامير حتى الوصول إلى الفندق، ربما (بالعند من العرائيين) على حد وصف المشجعين المصريين، بينما كان الفصل الأكثر إثارة أن عبد العزيز عبد الشافي (زيزو) نجم المنتخب المصري وتعبيراً عن فرحة لم يذقها في حياته بعد أن أحرز هدفين من الثلاثية المصرية، أصرّ على احتضان كاس البطولة منذ اللحظة التي خرج فيها الوفد المصري المغادر من الفندق مروراً بالمطار ووصولاً إلى القاهرة حيث اضطر عبد الشافي إلى تسليم الكأس إلى كبار المستقبلين، بينما كان الشارع العراقي يغلي بالسخط والغضب على وقع نكسة الختام.