منطقة انفصاليَّة في أوروبا تطلب الحماية من روسيا
كريستيان إدواردز، ورادينا جيجوفا، وآنا تشيرنوفا
ترجمة: بهاء سلمان
طلب المتمرّدون الموالون لروسيا في الجزء الانفصالي من مولدوفا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حماية منطقتهم مما يصفونها بأنها تهديدات صادرة من حكومة مولدوفا ضدهم. وظلت منطقة {ترانسنيستريا}، (Transnistria) التي انفصلت بشكل منفرد عن مولدوفا مع سقوط الإتحاد السوفييتي مطلع التسعينيات في القرن الماضي، تدور داخل فلك الكرملين، بينما تسعى جمهورية مولدوفا الصغيرة المتاخمة لأوكرانيا، إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وخلال اجتماع خاص عقد مؤخرا، طلبت الطبقة السياسية في ترانسنيستريا من موسكو حمايتهم من {الضغوط المتزايدة من مولدوفا}، وقال الكرملين في وقت لاحق إن حماية {مواطني روسيا} تمثل أولوية، بحسب التصريح الذي نقلته وسائل الإعلام الروسية الرسمية {ريا نوفوستي}.
وبينما أثار الاجتماع منذ البداية مخاوف من أن موسكو قد تمضي قدما في خطتها طويلة الأمد لزعزعة استقرار حكومة مولدوفا الموالية للغرب بشكل متزايد، رفضت هذه الدولة احتمالات الخطة الروسية ووصفتها بأنه "دعاية كاذبة".
قرارات قليلة لكن مصيرية
هنا سؤال يطرح نفسه: ماذا حدث في ترانسنيستريا؟ إن اجتماعات مجلس نواب ترانسنيستريا، وهو نموذج سوفييتي القالب لصنع القرار، تعتبر نادرة الحدوث، بيد أنها مهمة في كثير من الأحيان. أوجد مجلس النواب منطقة ترانسنيستريا خلال اواسط العام 1990، ما أشعل فتيل حرب بين الانفصاليين المدعومين من موسكو وجمهورية مولدوفا الوليدة بعد ذلك بعامين. ولا تعترف أي دولة رسميا بترانسنيستريا، في حين بقيت روسيا محافظة على وجود عسكري متضائل بشكل مطّرد لعقود من الزمن، ويبلغ الآن نحو 1500 جندي.
وقبل عقد الاجتماع الأخير، كان الاجتماع السابق له قد عقد سنة 2006، عندما أقرّ استفتاء في برلمان تلك المنطقة يدعو للانضمام إلى روسيا. وعندما أعلن سياسيو ترانسنيستريا على نحو غير متوقع عن إجتماع جديد، أشار المحللون إلى أن ذلك قد يؤدي إلى دعوات جديدة للتوحيد مع روسيا؛ بينما قلل المسؤولون المولدوفيون والأوكرانيون من أهمية هذه التكهّنات.
ولم يصل المجلس إلى هذه النتيجة المتطرفة، وبدلا من ذلك أصدر قرارا يدعو روسيا إلى توفير "حماية" أكبر لأكثر من 220 ألف مواطن روسي في ترانسنيستريا من تعسف السلطات المولدوفية. وجاء في القرار، بحسب ما نقلته وكالة تاس الرسمية الروسية، أن "ترانسنيستريا ستناضل باستمرار من أجل هويتها وحقوق ومصالح شعب ترانسنيستريا ولن تتخلى عن حمايته، على الرغم من أي ابتزاز أو ضغوط خارجية".
وقالت وزارة الخارجية الروسية إن "حماية مصالح سكان منطقة ترانسنيستريا، وهم من مواطنينا، يمثل إحدى الأولويات". ورفضت السلطات المولدوفية مقررات تلك الجلسة، ووصفتها بأنها محاولة لتأجيج "الهستيريا". وكتب المتحدث باسم الحكومة المولدوفية "دانييل فودا" على تيليجرام: "لا توجد مخاطر من التصعيد وزعزعة استقرار الوضع في هذه المنطقة من بلادنا"، مؤكدا أن "ما يحدث في تيراسبول، عاصمة المنطقة، هو حدث دعائي".
وقال مكتب إعادة الإدماج في مولدوفا إنه "يرفض تصريحات تيراسبول الدعائية، ويذكّر بأن منطقة ترانسنيستريا تستفيد من سياسات السلام والأمن والتكامل الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي، والتي تعود بالنفع على جميع المواطنين." في غضون ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية "مات ميلر"، إن الولايات المتحدة "تراقب عن كثب تصرفات روسيا في منطقة ترانسنيستريا والوضع هناك من زاوية نظر أوسع."
لماذا انعقد المجلس الآن؟
كان لحرب روسيا في أوكرانيا تأثير عميق على اقتصاد ترانسنيستريا، حيث أغلقت أوكرانيا حدودها مع منطقة ترانسنيستريا عندما بدأت الحرب في شباط 2022، ما أدى إلى قطع نحو ربع تجارة المنطقة. وعلى الرغم من أنها لا تزال تتلقى الغاز الروسي مجانا، فإن اتفاقية السماح بمرور الغاز عبر أوكرانيا ستنتهي بحلول شهر كانون الأول القادم، وليس هناك ما يضمن تمديد الاتفاقية.
كما دفعت الحرب الأوكرانية الروسية سلطات حكومة مولدوفا إلى البحث في امكانيات حل صراعها المستمر منذ عقود مع منطقة ترانسنيستريا. ومن الواضح أنه بسبب تلك الحرب، ولو بشكل جزئي، منح الإتحاد الأوروبي مولدوفا وضع المرشّح لدخول عضويته في حزيران 2022، وخلال كانون الأول 2023 أعطى الإتحاد الضوء الأخضر لبدء مفاوضات انضمام تلك الدولة الأوروبية الصغيرة إلى هيئة الاتحاد.
ومع صدور إشارات من قبل رئيسة مولدوفا "مايا ساندو" إلى استعدادها للانضمام إلى الإتحاد الأوروبي مستثنية إلحاق منطقة ترانسنيستريا بالإتحاد، فإن إعادة توحيد اجزاء البلاد قد تعمل على تبسيط العملية. وقد أشارت مدوّنة حديثة لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إلى أن "استراتيجية مولدوفا تتلخّص في تسريع عملية الإتحاد من خلال جعل الحياة صعبة قدر الإمكان" بالنسبة إلى ترانسنيستريا.
وفي هذا السياق، ألغت مولدوفا على نحو غير متوقع الإعفاءات الكمركية للشركات الترانسنيسترية مع حلول شهر كانون الثاني الماضي، ما أجبر هيئاتها التجارية على دفع الرسوم لكل من ترانسنيستريا ومولدوفا، فازداد الوضع سوءا وتذمرا.
ويقول "دوميترو مينزاري"، المحاضر المختص بالدراسات الأمنية في كلية دفاع البلطيق، إن قرار ترانسنيستريا بعقد اجتماع خاص "نتج بشكل مباشر" عن إعادة مولدوفا فرض الرسوم الكمركية، ويضيف موضحا: "من خلال تقديم إعفاءات ضريبية للمنطقة الانفصالية، كانت الحكومة المولدوفية تموّل عمليا قيام نظام انفصالي في تيراسبول، وهو إجراء لم تعد الحكومة تشعر أنه يتعين عليها التسامح معه." ويشير مينزاري إلى أن النزاع خلق فرصا للسلطات الروسية "للصيد في المياه العكرة".
لماذا تهتم روسيا بمولدوفا؟
لو كان الغزو الروسي لأوكرانيا قد سار كما هو مخطط له، لكانت القوات الروسية قد استولت على العاصمة كييف في غضون أيام، وقد تلحق بها بقية البلاد خلال الأسابيع اللاحقة، ولكانت قد اجتاحت الساحل الأوكراني إلى مدينة أوديسا الجنوبية الغربية بالقرب من ترانسنيستريا.
وقال قائد المنطقة العسكرية المركزية الروسية آنذاك، اللواء "رستم مينيكاييف"، إن أحد أهداف ما يسمى "العملية العسكرية الخاصة" هو إنشاء ممر عبر جنوب أوكرانيا إلى ترانسنيستريا، حيث تسعى روسيا إلى لم الشمل مع "مواطنيها البعيدين." وعلى الرغم من أن أوكرانيا أوقفت تقدم موسكو في خيرسون، على بعد حوالي 350 كيلومترا من ترانسنيستريا، أكّد المحللون أن روسيا ما زالت تحتفظ بمخططاتها بشأن مولدوفا.
وحذر معهد دراسة الحرب، وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة، في تقرير له الأسبوع الماضي من أن "الكرملين يسعى إلى استخدام منطقة ترانسنيستريا كمفتاح تسيطر عليه روسيا، يمكن استخدامه لعرقلة عملية إنّضمام مولدوفا إلى الاتحاد الأوروبي، من بين أمور أخرى." وكما إعتبرت روسيا تحوّل أوكرانيا في العام 2014 نحو الإتحاد الأوروبي غير مقبول، واستخدمت القوة العسكرية لمنعه، فإنها حريصة أيضا على منع حدوث الشيء نفسه مع مولدوفا. ويقول بعض الصحفيين إنهم تمكنوا خلال العام الماضي من رؤية وثيقة أعدّها جهاز الأمن الروسي تتناول بالتفصيل الخطة الروسية لزعزعة استقرار مولدوفا واحباط ميلها نحو الغرب.
كان الزعيم الروسي فلاديمير بوتين قد برّر ضم روسيا لشبه جزيرة القرم سنة 2014 والعمليات العسكرية في دونيتسك ولوهانسك على أنها محاولة لحماية المواطنين الناطقين بالروسية سكان شرق أوكرانيا، متحدثا عن تعرّضهم للتهديد من قبل كييف.
ويقول مينزاري إن هناك "أوجه تشابه قوية" بين هذا الخطاب والنوع الذي استخدمته حكومة منطقة ترانسنيستريا مؤخرا. وفي مقابلة مع وكالة ريا نوفوستي، إدّعى رئيس حكومة ترانسنيستريا "فاديم كرانوسيلسكي" أن سلطات حكومة مولدوفا كانت تستعد لتنفيذ هجمات إرهابية ضد منطقة ترانسنيستريا قبل الشروع بغزو محتمل، من دون تقديم أدلة.
ومع ذلك، يرى محللون آخرون أنه بدلا من التأكيد على نفوذ روسيا على عموم المنطقة، فإن الوضع في ترانسنيستريا يمثل تذكيرا بصورة عدم تمكن موسكو حتى الآن من تحقيق أهدافها الرئيسية من تلك الحرب.
"إن دعوة ترانسنيستريا للانضمام التي رفضتها روسيا ستكون بمثابة انقلاب كبير في العلاقات العامة لأوكرانيا، مما يذكر الروس والأوكرانيين بأن ما اعتقده المحللون قبل عامين من أنها أهداف متواضعة للحرب أصبحت الآن بعيدة جدا عن متناول روسيا، حتى مجرّد التفكير بها،" كما يقول "بين دوبو"، الزميل غير المقيم في مركز تحليل السياسات الأوروبية.
وكالة سي ان ان الاخبارية الاميركية