الرّهان.. الحب السهل الممتنع

ثقافة 2024/03/13
...

 أحمد عساف  


تعد مسرحية «الرّهان» التي عرضت على مسرح القباني بدمشق ومن إعداد وإخراج زهير البقاعي مأخوذة عن مسرحية «الدّب» للروسي أنطون تشيخوف التي كتبت قبل مئة عام، وقدمت في أكثر بلدان العالم.

هذه المسرحية في نصها الأصلي المؤلف من فصل واحد، تضم ثلاث شخصيات «لوكا» الخادم، و»إيلينا» الأرملة وصاحبة القصر، و»غريغوري» رجل له دين على زوج إيلينا. 

إلا أن البقاعي في «الرّهان» حوّل الشخصيات، فأصبح دور الأرملة إيلينا، إلى «عطا الله» أرمل وصاحب القصر، والخادم «لوكا» حلت مكانه شخصية السكرتيرة «ساندي»، أما «غريغوري» الدائن، فكان بديله شخصية الدائنة «هدباء». 

هذا التحول والانقلاب في تفاصيل المسرحية بنصها الأساسي، لم يغير في البنية الدرامية، أو بنية النص الأساسي، أو في تركيبة الشخوص، حيث نجح البقاعي في الحفاظ على روح النص المسرحي ومقولاته. 

ومنذ البداية نجح في إيجاد معادل يوازن بين ما تهدف إليه الشخصية في النص الأساس، وبين واشتغالاتها على خشبة المسرح، وما تطرحه من مقولات في مواجهة الجمهور. 

عمد المعد هنا إلى إسقاط أبعاد الحرب السورية على المجتمع، وعن دور المرأة السورية وقسوة معاناتها خلال أعوامها ولغاية الآن. 

كان العمل المسرحي الذي ينتمي لأسلوب السهل الممتنع يحاكي الراهن السوري، بكل تجلياته وأبعاده وخصوصا أنه قد قدم باللهجة السورية، وهو ما قربه من المتلقي أكثر. 

تدور أحداث المسرحية عن رجل ثري توفيت زوجته وكان متعلقا بها جدا، وبعد رحيلها يغلق أبواب شركته ويصرف عماله ويميل إلى الوحدة والعزلة، ويظل يحاكي زوجته عبر «الفيس بوك» وكأنها تسمعه، وفي أحد المشاهد الأساسية لهذا البوح ثمة مونولوج داخلي متكئ على «فلاش باك» من ذكرياتهما، فيقول لها بكثير من الحزن والأسى: «كثير من المرات كنت تقسين عليّ.. وأسامحك لأني أحبك ومخلص لك». 

وهنا تقتحم عزلته وكآبته سكرتيرته «ساندي- يارا مريم» في محاولة منها لإخراجه من عزلته وكآبته، تحاول كثيرا أن ترفع صوتها في وجهه من محبتها وشدة قهرها عليه، بينما هو كان يعتبر ذلك انتقاصا من كبريائه، مما يدفعه لطردها من المنزل. 

قدمت يارا مريم دورا جميلا لمسنا نجاحها الكبير في الاشتغالات على التلوين في إيقاع صوتها، وعلى حركات الجسد والتعبير بالوجه، وأوحت بشخصيتها المسرحية أنها متعاطفة وبكثير من الحب مع شخصية المدير. وبينما هي تهم بالخروج نسمع جرس الباب يرن، ويقول لها المدير: «كل من يسأل عني لا تدخليه واصرفيه بأي وسيلة». 

تعود إليه، وتقول: امرأة اقتحمت الباب بعنوة، وهي مصرة على مقابلتك. على مضض يستقبلها، ويسألها: من أرسلك إليّ، ومن أنت؟ تقول له «أنا هدباء، كنت أعمل مربية أطفال، وأنهوا مهمتي، وعملت على ماكينة خياطة في بيتنا وبعد أن انتهيت من خياطة ملابس اقربائنا أخذوا الماكينة مني. أبي توفي في الحرب وأنا وأمي المريضة وأخي الصغير نعيش ببيت مؤجر بآخر المدينة».

ثم تطالبه بتسديد ديون زوجته «زوجتك اتدينت مني 50 ألف ليرة وعندي سند بتوقيعها». يرد: «هذه اساليب النصب والاحتيال..»، تعرض له السند فيقول «بعد غدا بيدفعلك المحاسب المصاري». تبكي وتولول:»صاحب البيت سيطردنا من البيت اذا ما دفعنا له اليوم». يهددها بالشرطة وبعدة أساليب وطرق. لكنها تصر على أخذ حقها لتنقذ أمها وأخاها الصغير.

وبعد سلسلة من الحوارات والنقاشات.. يقع في غرامها ويبدأ بحبها، ويتبادلان مشاعر الحب، يقرر تسديد ديونها ومساعدتها هي وعائلتها. لقد نجحت «هدباء» الفنانة نجاة محمد، في دور شخصية مسرحية تحتاج لكثير من الجهد والتركيز، قدمت تلوينا بإيقاع صوتها المسرحي وبالاشتغال على انفعالات الجسد والوجه، كذلك نجح الفنان زهير البقاعي بتجسيد شخصية «عطا الله» الرجل الأرمل، في دور شخصية مسرحية ناجحة وناضجة. وهذا يعود لخبرته الطويلة في المسرح السوري.  

أما على صعيد السينواغرافيا، الديكور كان بسيطا، سجادة حمراء صغيرة، وكرسي فيه بعض اللون الأحمر وقريبا منه كرسيان خشبيان، وفي الوسط مزهرية شبه عالية فيها وردة حمراء. وفي الخلف ما يقرب من العشرين مستطيلا فارغا ملونا بالأحمر، مثل إطارات لوحة الرسم الفارغة، كثيرا ما وقفت بينهما «ساندي»، على الرغم من هذه الإطارات لم تخدم فكرة العرض، وكان من الممكن الاكتفاء بإطار واحد ليعبر عن غياب الزوجة مثلاً، على حين أن الموسيقى والتي هي عبارة عن مختارات قد تناغمت مع المناخ العام للعرض. لكن الاضاءة لم تخدم العرض كثيرا وكان بالإمكان الاشتغال عليها أكثر لتحقيق سينوغرافيا متكاملة.

في نهاية المسرحية يقدم الرجل الأرمل الوردة الحمراء، للدائنة هدباء ويرقصان رقصة الحب. ليؤكد لنا زهير البقاعي أن «الحب هو الذي يحمينا في النكبات، وهو خلاصنا للاستمرار في الحياة».