تساؤلاتٌ عن مصداقية الجوائز الادبية العربية

ثقافة 2024/03/17
...

  صلاح حسن السيلاوي 

ما تقييمك لأهمية ومصداقية جوائز الأدب في العراق والعالم العربي، ما رأيك بأثر السياسة عليها، وعلاقتها بقوة اقتصاد البلدان؟ ألا ترى معي أن بعض الدول العربية أدركت أهمية تلك الجوائز، بوصفها جزءاً من ثورة تنموية، وأن الواقع الثقافي والإبداعي لا يتجزأ عن عملية التطور الاقتصادي والسياسي كذلك؟ ما تعليقك على تراجع العراق عن تصدر الجوائز على مستوى التنظيم وتقدمه تقدما ملحوظا على مستوى حصد جوائزها؟ هذه التساؤلات وغيرها وجهتها لنخبة من مثقفينا عبر هذا الاستطلاع.


جائزة بريئة وأخرى متهمة

الشاعر الدكتور صادق الطريحي، يرى أن الجميع لا يختلف في أهمية جوائز الأدب في أي مكان من العالم، مشيرا إلى أن أي أديب بغض النظر عن مستوى إبداعه يرغب في قرارة نفسه، وربما يحلم في الحصول على جائزة أدبية بها مردود ماديّ! أو حتى معنوي على الأقل! وربما يجاهر بعضهم في طلب الترشيح لجائزة نوبل! مبينا أنّ هذه الرغبة تمثل دافعا قويا للكتابة أو البحث عن أساليب جديدة فيها. 

واستدرك الطريحي قائلا: لكننا قد نختلف في مصداقية هذه الجوائز، فبعد إعلان كل جائزة تنشر عشرات المقالات في انتقادها أو التشكيك في مصداقيتها، أو أجنتدها المخفية، وربما يرى أحدهم أنها إحدى المؤامرات التي تحاك ضدّ الأمة العربية أو الإسلامية، أو الشعر، أو الشعر العمودي، أو قصيدة النثر، أو الرواية، أو..! وغالبا ما تصدر هذه المقالات (كما أزعم) عن كتاب اشتركوا في الجائزة، ولم يحصلوا عليها! 

في حين يرى آخرون أنّ هذه الجوائز هي جوائز بريئة، الغرض منها نشر الابداع، أو التبشير بمبدع ما. أما أنا فأرى أنّ لا براءة في أيةِ جائزة أدبية، كما أنّ لا براءة في أية رسالة ضمن المفهوم التواصلي للأدب! لكن اتجاهات هذه البراءة تختلف حتما، فربما نجد جائزة لها مصداقية عالية في اختيار النص الأدبي، لكن الجائزة نفسها تحمل رسالة إلى الآخرين تتمثل في بثّ صورة السيادة السياسية للبلد، أو أن الجائزة تمثل موردا اقتصاديا ربحيا عندما تنشر النصوص الفائزة أو تترجمها إلى لغات أخرى. 

وأضاف الطريحي مبينا: وأرى أيضا ثمة جوائز عربية تقيمها بعض المنظمات الأدبية والثقافية تسعى للحصول على دعم مادي من جهات مانحة من أجل بقائها في الساحة الثقافية، فضلا عما تقدمه من خدمات إعلانية للجهات المانحة. 

ولو سلمنا بمصداقية جائزة ما من الناحية الأدبية، لكن الجائزة تبقى خاضعة لاختيارات المحكمين ومزاجهم ورهافة ذوقهم، واتجاهاتهم الأدبية أو النقدية، ففي إحدى الجوائز العربية يحصل على الجائزة الأديب الذي ينتمي إلى بلد ما لأنّ عدد المحكمين من بلده هو الأكثر عددا في الجائزة!

وربما تمنح جائزة رصينة لأديب ما لغرض سياسي مثلا، لكنها تبقى رصينة؛ لأنّ اختيارها لهذا الأديب كان دقيقا من الناحية الأدبية المحضة، ولا تتوافر مثل هذه الشروط لكل الجوائز!

وأرى أن العراق يحتاج إلى تشريع قانون رصين للجوائز، فلا تستطيع أية منظمة ما من منح جائزة إلا بوجود شروط إبداعية لهذه المنظمة. ولعل فوز العراقيين بجوائز عربية يمثل رغبة الأديب العراقي للحصول على مبلغ نقدي عال، قد شكل له باعثا أدبيا للحصول على الجائزة، والشعر يقال لرغبة ولرهبة! 


مزاجيَّة المحكمين وثقافتهم

الشاعر قاسم العابدي، أشار في إجابته إلى اعتقاد الكثير من الأدباء بأن المشاركة في المسابقات الأدبية تكفل للفائزين ثلاثة أشكال من الفوائد أولها الظهور على الوسائل الاعلامية كافة، ولعل هذا حسب العابدي ما تطمح له بعض التجارب الأدبية خصوصاً الشبايية وهذا بعض من حقوقهم وحقوق تجاربهم، والشكل الثاني هو الفائدة المادية من خلال المبالغ المخصصة للفائزين في تلك الجوائز والشكل الثالث إثبات نجاح تجربتهم الشعرية. 

وأضاف العابدي مبينا: لعلي أختلف قليلاً مع هؤلاء بخصوص هذه الأشكال الثلاثة فالمسابقات تعبر عن مزاجية المحكمين وطبيعة ثقافتهم اكثر من تعبيرها عن قوة المنجز وعمقه ومساسه بالواقع الادبي المعاش أو المستقبل الأدبي الذي يمكن تصوره، نعم لا نستطيع أن ننكر أهمية المسابقات الناجحة التي أثبتت وجودها على الساحة الأدبية من ناحية المهنية والحيادية، من هنا نجد الكثير من البلدان العربية أصبحت تهتم كثيراً في المسابقات الأدبية فبعد استيلاء بعض البلدان على الواقع الرياضي والاعلامي والاقتصادي بدأت تزحف بشكل لافت للنظر الى الواقع الثقافي، ولعل هذا الشيء كفل لها حضوراً نخبوياً في بداية الأمر، إلا أنه امتد بمرور الوقت الى الحضور الاجتماعي، فتحول الأدب بشكل تدريجي الى أدب (شعبوي) فكل بلاد أصبحت تشجع اديبها الذي ابتسم له الحظ فوصل الى المسابقة  الفلانية على الرغم من نتاجه الأدبي البسيط، فظهرت الكثير من التجارب الأدبية الباهتة، لأن الأصابع السياسية اللامرئية أرادت هذا الشيء، فتأثيرات الاصابع السياسية كامنة خلف لجان التحكيم في العديد من المسابقات، ولعل نجاح أدباء العراق في نيل الكثير من الجوائز خارج العراق يأتي على جانبين، الجانب الأول هو أن التجارب الأدبية العراقية هي تجارب مختلفة عن غيرها في الوطن العربي، فالأديب العراقي يستند على واقع يغمره الشجن والألم والفقد وهذه المفاهيم تجعل المادة الأدبية قابلة للإدهاش من قبل المتلقي ومن هنا فليس بين يدي السياسة القابعة خلف لجان التحكيم، إلا أن تعطي الضوء الأخضر للجان التحكيم بالحكم لصالح الأدب العراقي، أما الجانب الآخر فقد يختلف معي بعض الأدباء فيه ولكنه يعبر عن وجهة نظري تجاه هذه المسابقات، إذ إنني أؤمن أن الفوز في المسابقات هو عبارة عن رزق للفائز، أما في العراق فقد تراجع مستوى التنظيم لهذه المسابقات لأن الجهات المنظمة غير خبيرة، فليس كل من يصبح أستاذاً جامعياً يمتلك الخبرة في التحكيم، فالتحكيم ينبغي أن يكون حيادياً قبل كل شيء وهذا ما لا يمكن الحصول عليه في خصوصاً في العراق. 


خطٌ موازٍ للمشاريع التنموية 

الشاعر محمد السويدي، ذهب في إجابته إلى أن جوائز الشعر اولاً هي إرث أدبي يعكس صورة القديم أيام كان الخلفاء يجزلون عطاياهم على الشعراء، وإن تغيرت بعض معاييرها كإدخال بعض الشروط، التي قد تمنع الكثير من الشعراء من الحظوة بها كالعمر مثلا.

لافتا إلى أنها من ناحية نفسية تمثل دافعا كبيرا وتقديرا إيجابيا  كما أنها تبعث على الاستمرار وزيادة نشاط وتقوية روح الحماسة والمنافسة بين الشعراء. 

وأضاف السويدي بقوله: مع أن للجوائز حضورها الملفت اليوم، فهي لا تخلو من وجود ثغراتٍ ملموسة منها ان شعر الجوائز يكاد ان يستقل بذاته لونًا شعريًا ذا لغةٍ خاصة وخصائصَ معينة اسلوبيًّا وفنيًّا. 

فلا تكاد تلمس روح الفارق كما تلمس روح المشابهة والمماثلة، وتكاد تكون هذه الصفة متلازمة للقصائد التي تفوز في المسابقات.

فهذا النوع من الشعر يمكن أن نطلق عليها مستقبلاً  شعر الجائزة اذا استمر على هذا النحو. 

ومن الملاحظات أيضًا أن اغلب النصوص، التي تفوز بالجوائز هي نصوص ذات مستوى منخفض شعريًّا  تخلو من عمق التجربة وفرادة الشاعر. 

وَتجدر الاشارة الى ان أكثر الدول التي تبنت هذا الإرث بصورته العصرية هي دول الخليج العربي الإمارات وقطر والسعودية والكويت ببرامجها المعروفة كأمير الشعراء وكتارا والبابطين وعكاظ، تلك الدول التي تمثل الجوائز فيها خطاً موازيًا للمشاريع التنموية. 

اما العراق فبالامكان القول عنه انه مصدر للابداع لكنه غير راعٍ له، بسبب السياسات المتعاقبة التي لم يكن همها الأدب قدر ما كان همها السياسة والانشغال بالصراعات الداخلية والخارجية، مع عودة ضئيلة لبعض ملامح هذا الإرث. 


أمرٌ ضروري  

الناقد عبد الكاظم جبر، يرى أن أصل الجائزة، كما يقول أبو جعفر النحاس أن يعطي الرجل ما يحيزه ليذهب إلى وجهه، وأضاف موضحا: وكان الرجل إذا ورد ماء قال لقيّمه: أجزني أي: أعطني ماء حتى أذهب لوجهتي وأجوز عنك، فكثر هذا الاستعمال حتى صارت الجائزة بمعنى العطية في كل شيء، ومن ذلك ما في قول أبي الطيب: أجِزْني إذا أُنشِدْت شِعرًا فإنّما     بشِعري أتاكَ المادِحون مرَدَّدا.

وهكذا كان أمر الجوائز في الأدب العربي القديم، ولا سيما في ساحة الشعر،  وهو طلب التكريم، أو أن يكون منح الجائزة  من غير طلب مباشر، بأن يكون قول الشاعر هو ما يستحق الجائزة، فيبادر الأمير أو السلطان بمنحها، وغالبًا ما يكون الدافع فنيًّا جماليًّا خالصًا أو أن يكون فنيًّا جماليًّا ذا بعد سياسي، وفي تقديري أن هذه الجوائز المادية والاعتبارية هي جوائز تحظى بكثير من المصداقية والأهمية، وذلك لأن البعد الفني الجمالي هو الأساس فيها، وإلا كانت وبالًا على السلطان، إذ إن مجتمع التلقي -آنذاك- هو لجنة من حكام لا يخادعون أنفسهم وذوقهم العام. 

وقال جبر أيضا: نقدم هذا لنجيب عن السؤال المطروح: هل الجوائز الأدبية وغير الأدبية  الكثيرة في العراق والعالم العربي بهذا المستوى من الأهمية والمصداقية؟ نقول: الجوائز، من حيث المبدأ، أمر ضروي جدًّا، فهي سبيل الكتّاب المبدعين  الذين هم في دائرة الضوء أو الذين  هم خارج دائرة الضوء؛ لكي يسلط عليهم الضوء فيأخذوا حقهم الفني، ويضمنوا انتشار عملهم، والجوائز – بعد- تخلق جوًّا من المنافسة، وكل ذلك شريطة أن تكون الأعمال حقيقة بالتنويه والتقدِمة، وأن تكون ذات جدوى ورسالة عظيمة. 

ولكنّ عددًا من  الجوائز -ولعنة الله على لكن- لا تتمتع بأهمية ومصداقية، وهي فعالية دعائية للجهة المنظمة، وليس أدلَّ شيء على هذا النفي المقيد، من كون عدد من الحاصلين عليها لا يلبث نجمه كثيرًا بعد إطفاء آخر أضواء الاحتفال بفوزه المؤزّر، ثم يلفه النسيان.

- ولا أخفي أن للسياسة أثرًا في هذا الميدان، كأثرها في إعلان أول شهر رمضان الفضيل في بعض البلدان.. وأتذكر أن الروائي عبد الخالق الركابي ذكر ذات مرة أن هناك توجهات سياسية غير معلنة في حقل الجوائز الروائية، تتمثل بعدم فضح الدور الأمبريالي القذر الذي تتعرض له دول العالم الثالث. 

وليس هذا ببعيد عن (الجائزة الأدبية الكبرى في المغرب)، التي أعلنت عنها سلطات الحماية الفرنسية عام 1925، تلك  الجائزة  التي لم يظفر بها إلا فرنسي! وكانوا بذلك يريدون تشكيل العقل المغربي سياسيّا بنحو ما.      

-  الجوائز وما يتصل بها أضحت واحدة من سبل تنمية الاقتصاد في كثير من البلدان، وتحريك لسوق الكتاب، الذي ينعقد الفوز لصاحبه، في هذه المسابقة أو تلك، في هذا البلد أو ذاك، فيكون الكتاب رائجًا بنحو من (إشهارية) تتمثل بأن صاحبه ممن حظي بجائزة (كتارا) أو (البوكر) أو نحوهما، مع ملاحظة أنه قد يكون حقيقًا بتلك الجائزة ، ومن ثَم بتلك الإشهارية.

-  العراق منجم الأدباء الأفذاذ والمفكرين الأصلاء -بلا ادّعاء وتزيد - يشهد بذلك تأريخه الطويل وأدباؤه، الذين لم يزالوا يحصدون الجوائز المتقدمة في مشارق الأرض ومغاربها، وحريّ بالقائمين على أمر الثقافة أن يقيموا المسابقات الكثيرة والمتنوعة، على المستوى الإقليمي والعربي، وليس عدلًا أن يقيم هذه المسابقات رجال أعمال ومؤسسات مستقلة، كما في دول الخليج؛ ولا يبادر إلى مثلها أو أحسن منها بلد الحضارة العريقة والثقافة المتنوعة والأصيلة، ولا سيما في حقل الشعر، إذ الشعر من معالم الثقافة التي ترفع البلدان، وصدق القائل: وإنّ العلا ما لم تر الشعر بينها    لك الأرض غفلًا ليس فيها معالم.


مسابقات دور النشر 

الشاعر كفاح وتوت قال: بدءا  يمكن القول إنّ المسابقات الأدبية هي أولا قد تكون وسيلة  وحافزاً كبيراً  يجعل الأديب منتجاً، قاتلاً لحالات الرتابة والكسل، ويكون متواصلاً ومتجدداً مع المشهد الثقافي، فيجنِّد كل طاقاته الابداعية  لإنتاج عمل أدبي يرتقي الى طموحاته في الجودة والتأثير على المتلقي.

 وقد تكون هذه المسابقات التي تقيمها جهات ومؤسسات أو دول، لها أهداف معلنة، وهي أهداف تؤكد تنشيط الجانب الثقافي والحضاري، وأهداف غير معلنة، لها بعد أيديولوجي سياسي داعم لها لتحقيق بعض المآرب. 

أو هدف اقتصادي محسوب بشكل دقيق، وهناك بعض دور النشر تسعى لذلك، فتقيم العديد من المسابقات لغرض طبع الكتب وترويجها لأغراض ربما هي ربحية  تجارية أكثر مما هي ثقافية، وفي هذه الحالة  ترى الكثير من الأدباء، وخاصة الشباب منهم يسعون الى المشاركة من أجل الظهور والشهرة المبكرة وأعتقد ان هذه الدور، ربما تستغل ذلك بشكل كبير للغرض التجاري الذي ذكرته وللترويج  والاعلان عن نفسها.

ويضطر أيضا بعض الأدباء إلى الانجرار والخوض في موضوعات في كتاباتهم تخدم تلك الجهة أو المؤسسة أو دار النشر في محاولة منهم أن يكسبوا الرضى لنيل جائزة ما على حساب الإنتاج الابداعي.

إذن تختلف المسابقات والجوائز وأهميتها ومكانتها باختلاف الجهات، التي تقيمها بمستواها وأهدافها.

 وأضاف وتوت مبينا: من ناحية أخرى في ما يخص اللجان المحكمة التي تخضع هي أيضا في الكثير من الأحيان الى التوجهات، التي تملى عليهم من قبل الجهات المقيمة لتلك المسابقات فيكونوا بمثابة رقباء أمنيين على الأديب المشارك، وما يحمل من أفكار قد تتعارض مع سياسة الدولة وأفكارها وطبيعة علاقاتها مع دول أخرى. وتختلف اللجان المحكمة  من ناحية  الخلفية  الثقافية لأعضائها.

 فمنهم يُخضعون النص الأدبي الى قوانين صارمة ومتعصبة وفقا لمنهجيات درسوها، فأصبحت تشكل قاعدة اساسية قاسية يبنى عليها كل نص، متجاهلين بذلك التطور والتغيرات الحاصلة في كل مجالات الحياة وميول الجمهور بذائقته نحو الجدة والابداع المواكب للعصر.

 ولا ننسى أن هناك الكثير من المجاملات والتوافقات والأخذ بمكانة وطبيعة الأديب المعنوية في بعض الأحيان وعدم الإمكان بتجاوزه، بسبب بروتوكولات واتفاقيات تجري بين الدول.

وبالنتيجة  عندما تقرأ بعض النصوص التي تفوز تراها نصوصا مألوفة غير مغايرة ليست بمستوى الفوز بجائزة .

 أقول إأن المبدع الحقيقي أن يكتب نصه للتاريخ وللحقيقة لا أن يكتبه لأجل جائزة، وإن كانت الجائزة قد تحقق له بعض الشهرة وتكون حافزاً له على الانتاج والمواصلة. ويبقى النص الحقيقي المعتنى به هو الذي يدعم المشهد الثقافي ويكون العلامة المضيئة بين العلامات الأخرى والذي يفرض وجوده بتوهجه، فيكون مساهما في تعميق وإعلاء المستوى الثقافي لمجتمع من المجتمعات.