مارغريت أتوود.. الهزيمة تلطّخ وجه الشمس
ترجمة: أحمد كاظم سعدون
مارغريت أتوود شاعرة وروائية وقاصّة وناقدة أدبية، فضلا عن كونها ناشطة في ما يخصّ حقوق المرأة وشؤون المناخ.
ولدت في 18 نوفمبر عام 1939 في العاصمة الكندية أوتاوا، مواضيعها الشعرية الأساسية هي المدنيّة والقيم الاجتماعية في صراعها ضد وحشية الإنسان وهمجيته؛ أما الشخصية الرئيسية في قصائدها فهي المرأة بمعاناتها واغترابها في عالمٍ من صنع الرجل؛ وكذلك اهتمامها الشعريّ بعنف الطبيعة ومدى ضآلة الإنسان أمام جبروتها تتجلى في قصائدها وحدة الرجل/ المرأة على أساس افتراقهما وعزلتهما، أحدهما عن الآخر وعن الطبيعة، دافعة إياهما إلى حدودهما القصوى من أجل خلق علاقات إنسانية جديدة: عالمٌ إنساني يتواصل فيه البشر بعيدا عن قيم الآلة/ المال/ السياسة؛ لغة إنسانية للتواصل، هكذا تقول أتوود، "لا غربة متفقٌ عليها ومسكوتٌ عنها".
عذابات المرأة ومعاناتها وعزلتها، لأسباب اقتصادية، سياسية، اجتماعية وطبيعية عاملٌ تشترك فيه أغلب قصائد أتوود؛ حيث "ضعف المرأة في مجتمعٍ يقودهُ الرجل بقلبٍ أعمى"، كما تشير؛ على الرغم من ذلك لا تنتمي قصائدها إلى ما يوصف بالشعر ذي المنحى السياسي المباشر، بل بالفن السياسي العميق. حصلت على أكثر من ستين جائزة أدبية، ولها أكثر من عشرين مجموعة شعرية وست عشرة رواية وعشرة مجاميع قصصية، فضلا عن انطولوجيات وكتب في الأدب وقصص الأطفال.
(1) صورةٌ من حرب
المرأةُ الميتةُ المرميَّةُ على الشارعِ المُغبرِّ فاتنةٌ جداً
بساقٍ ممدودةٍ وأخرى مَثنيَّةٍ
قدَمٌ تُشيرُ جهة الرُكبة
الذراعُ مطروحةٌ خلف الرأس
واليدُ ترتاحُ بإيماءةٍ ساحرة
قد تدرُسُها راقصةٌ لسنواتٍ
(ولن تُفلح بإجادتها)
لثوبها الأرجوانيّ شكل رَفرفةٍ
ورأسها يستديرُ بعيداً.
ثمّة موتى آخرون يتبعثرونَ حولَها
كمثل أشجارٍ منسوفةٍ
متروكةٍ إثر أُناسٍ ذُعِروا
فتناهبوا دربهم لأجل غايةٍ عظيمة
لا يتذكرونها الآن؛
لكن هذه المرأة الفاتنة هي من تستوقفني
برقصتها الرائعة تلك
على الشارع.
آه ، أيتها الميتةَ الجميلة
إذا كان ثمّة من له القوّة ليُخلِّصني
من البؤس، ويُنجيني من اليأس
دافعاً إيايَ صوب أعمق صلاة، فهو أنتِ.
لذا، سأعدُّ لكِ الشيء الوحيد الذي أستطيع؛
فعلى الرغم من أنني لن أعرفَ اسمكِ
لن أنساكِ.
انظري:
على السطحِ المُغبَرّ، تحت يديْ
على هذه الورقة الرمادية البسيطة
سأُقيمُ شاهدةً صغيرة لكِ
هنا: 0.
(2) صورةٌ من حرب
حتى لو بَقيتِ على قيد الحياة،
فسيكون مستحيلاً أن نتحادث،
لنَفترض أننا تقاسمنا مِصطبةً
سيّارةً، شارعاً أو مائدة
فلربما ستُقدِّمينَ لي كسرةَ خبزٍ
أو قطعة ليمون
وإلاّ فإن ذلك سوف يعني الريبةُ،
الخِشيةُ أو اللاّ جدوى.
الآن، على الرغم من ذلك
يتراءى لي بأنني مَن يسأل
وأنتِ تُجيبين:
ــ لمَ تُحتَضَرُ الأشجار؟
ــ لانعدام الحقيقة.
ــ من رَدَمَ ينابيع الحقيقة؟
ــ اولئك الذين لديهم أسلحة.
ــ وماذا لو قَتلوا كلَّ من ليس له أسلحة؟
ــ عندئذٍ سيقتلُ بعضهم بعضاً.
ــ متى ستكون ثمّة رأفة؟
ــ عندما تُزهِرُ الأشجار الميتة.
ــ متى ستُزهِرُ الأشجار الميتة؟
ــ حين تلمسينَ يديْ.
هذه الأشياء تحدث في القصائد فقط.
لكِ الحقّ أن تكوني مُرتابةً مني
فليس لي أن أقولَ غيابَكِ عنكِ.
( لمَ أسمَعُكِ إذاً بكلِّ هذا الوضوح؟).
تعذيب
ما يحدث في وَقَفات هذا الحديث،
والذي هو عن حرية الإرادة
والسياسة والحاجة إلى التعاطف ما يلي:
أُفكر بالمرأة التي لم يَقتلوا،
بل عِوضاً عن ذلك خاطوا وجهَها فأقفلوه،
أغلقوا فمَها حتى صار ثقباً بحجم قِشَّة
ثم أعادوها إلى الشوارع
كرمزٍ أخرس.
لا يهم أين حدث ذلك ولماذا
ومِن قِبَلِ هذه الجماعة أم تلك
فمثل هذه الأمور تحدث
ما دامَ هنالك جماعات
ولستُ أعلم
ما إذا كان الرجال الطيبون
يعيشون حياةً هانئةً بسبب هذه المرأة
أم نكاية بها؛
لكن سُلطةً كهذه ليست مُجرَّدةً
وليست مَعنيَّةً بالسياسة أو حرية الإرادة
فهي ما وراء العواطف والشعارات
وهذا هو إنكارها الصعب؛
السكّين وهي تستأصل عاشِقَين
كورمٍ من جسمكِ
تاركةً إياكِ بلا أثداء
بلا اسم
مُدَمَّرةً
بلا دمٍ
حتى صوتكِ مُكتوياً سيكون
من شٍدَّة الألم ،
جسداً مَسلوخاً
محلولاً خيطاً.. خيطاً
مُعَلَّقاً على السور
راية للعذاب مرفوعة
لنفس دواعي رفع العَلَم .
حوار
الرجلُ الذي يمشي على الساحل الجنوبي
مُرتدياً نظارةٍ شمسية
وقميصاً عاديّاً
بصحبةِ امرأتين جميلتين؛
هو صانع آلاتٍ لخلع الأظافر
وأجهزةٍ لإرسال صدماتٍ كهربائية
عَبر الدَماغ أو الأعضاء التناسلية؛
إنه لا يَشهَد أو يُحقِّق،
بل يبيع فقط.
سيدتي العزيزة، يقول
أنتِ لا تعرفين هؤلاء الناس
ما مِن شيء آخر يفهمون،
ماذا أستطيع أن أفعل؟
لِمَ هو في الحفلة؟
قالت:
لا أحد يُبالي بمن سوف ينتصر
لا أحد يُبالي بمن سوف ينتصر في الحروب
إنهم يَهتمُّون بالآن:
يَعشَقونَ الهُتافاتِ والأرتال؛
بَعدَ ذلك، سَيَتضاءَلُ الانتصار
مثل كأسٍ فضيةٍ على الرفِّ
منقوشٍ عليها سنة أو غيرها؛
مجموعةِ أزرارٍ سُلِبت من جثثٍ كتذكار؛
شيءٌ مُخزٍ قُمتَ به
في لحظة هياجٍ وغضبٍ
ثمّ تراجعتَ برأيكَ عنه.
حلمٌ رديء
غنيمةٌ حقيرة
ليس ثمّة ما يُقال بشأنها.
كان ذلك وقتاً حَسَناً،
هكذا تُفَكِّر:
لم أحسُّ بالحياة أكثر إلاّ حينها؛
مع ذلك فقد أربَكَكَ الانتصار
أحياناً تَنسى أين وضَعتَه؛
على الرَغم مِن أن الأصغرَ سناً يتحدثون عنه
حتى لكأنهم كانوا هناك أيضاً!
بالتأكيد أن الانتصار أفضل من غيره
مَنْ ذا الذي لا يُؤثرُ ذلك؟
فالخسارةُ شيءٌ مختلف،
الهزيمةُ تنمو مثل نباتاتٍ مِسخيَّةٍ
تَتَوَرّمُ بالمَسكوتِ عنه
لتَبقى معك أبداً،
مُنتشرةً في باطن الأرض،
مُتغذيةً على ما ضاع:
ابنكَ، أُختكَ، بيتُ أبيكَ
والحياة التي كان بإمكانكَ أن تٌحياها.
أبداً الهزيمةُ لم تكن في الماضي
إنها منقوعةٌ بالحاضر
تُلطِّخُ حتى شمس الصباح بلون الأرض المُحترقة
فتشُقُّ السَطحَ
مُندَفِعةً
مُنفجرةً عَبرَ أُغنية.
أغانٍ مَديدةٍ تَعرفُها،
تدومُ
وتدوم.
المَناخ
كُنّا قد تَعودنا على مُشاهدة الطيور
أما الآن فنحنُ نُراقبُ المناخ
غيومٌ بيضٌ: ناعمةٌ كالوسائد
رماديةٌ: كمثل إبهام عملاق
سودٌ: مُتخَمةٌ بالهلاك.
لم نقلق في ما مَضى؛
فلدينا مَظلاّتٌ وغرف.
لكن بينما كنّا نُحدِّقُ إلى جِهةٍ أُخرى
إلى حروبٍ أو تحولاتٍ ما
زَحفَ المَناخُ من خَلفِنا
مثلَ سفّاحٍ ، أفعى أو نَمرٍ
وانفَلَت.
لمَ كنّا لا مُبالين؟
نسألُ أنفُسَنا،
بينما يَنتَفِخُ المَناخ جِهَة الأفق،
أخضرَ وأصفرَ، مُكثِّفاً نفسه بالرمال
وأطراف الأجساد، بالكراسي المُحَطَّمة والصُراخ،
فنتضاءَلُ على أثَرِهِ أو نَغرق.
كيفَ لنا أن نَدُسَّهُ ثانيةً
في قارورةٍ أو كيس، حيثُ كان جِدُّ
ضئيل؟
من ذا الذي أَطلَقَهُ؟
إذا ما كان المناخ يُصغي أبداً
فليس لنا.
أهو ذنبُنا؟
هل تسَبَبنا في هذا الدمار بتَنَفُسِنا؟
كلّ ما أرَدناه هو حياةٌ سعيدة
وأن تَدومَ الأمور كالسابق.
تنهارُ الريح.
ثمَّة سكون.
نصفُ ساعةٍ من الصَمتِ في السماء.
ثُمَّ ها هو المناخ
عَصفَةٌ قاسيةٌ هائلةٌ
مَرَّة تلو مَرَّة
تَسفَعُ الهواء
وتَسحقُ كُلَّ شيء.
المناخُ أعمى
صَمَمُهُ عجيب
ليس له عقلٌ يَخُصُّهُ
أحَقاً؟
ماذا لوكان له عقل؟
افترِض بأنكَ سَتُصلِّي له،
فماذا ستقول؟
*من كتاب يضم مختارات شاملة للشاعرة سيصدر قريباً.
طَرْف السرير
تجلسُ على طرف السرير
في رَدهةِ العناية الفائقة
مُمسكاً بقدمي أبيك،
الشيء الذي لم تفعله مُذ كنتَ طفلاً،
وَدَدتَ لو تُمسكَ بيديه،
لكنهما الآن مربوطتانِ، خاويتان بلا
قُدرة.
ربما كان بإمكانه أن يرى قماشة الشرشف
مُغطيةً إياه من الكاحل حتى الصدر؛
الشيء الذي لم يكن ليتمناه .
بلا حماية كان
يائساً ويُحتَضَر .
بلا حركةٍ تَتَمَسَّكُ بقدميه .
وَدَدتَ لو جَرَرتَهُ فُتُعيده .
تتذكَّر كيف كنتما تُقاضيان أحدكما الآخر
بصمتٍ وبلا شفقة .
تُنصِتُ لأيما إشارة
إلى جهاز المُراقبة وأزيزه القادم كما من تحت بحر،
إلى الرئتين مُثقلتين بالماء،
تتنفسان عَبرَ جهاز،
إلى القلب وقد مُدَّت الأسلاك منه ليُسمَعَ النبض
والذي كان يَدُقُّ بتسارعٍ خلل الجسد العاطل
الجسدُ الهالك
الجسد الذي يغوصُ في حقل ثلجٍ يمتدُّ بلا نهايةٍ تحته
ركام ثلجٍ مرفوعٍ بالريح
مُغَطياً جذعه والأطراف .
إنه يمشي الآن
في مكان ما
حيث لا يُمكنكَ أن تتبعه
بلا آثار أقدام
في البياض
بلا ظل .
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة