قراءة: د. حسين الربيعي
يكثف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) نشاطاته هذا العام 2024 لحماية كرة القدم حول العالم من التلاعب بالمباريات وسوء السلوك المرتبط بالنزاهة، إذ تستضيف سنغافورة في الرابع من الشهر الحالي مؤتمراً بهذا الصدد، سيشهد ورش عمل ميدانية وفعاليات أخرى عبر المنصات الرقمية في كل أرجاء العالم، لتعزيز الجهود المشتركة لحل المشكلات المتعلقة بالنزاهة.
الفيفا اعتقد واهماً، بأن تنظيماته عبر الاتحادات القارية والوطنية، قد تمكنت من حوكمة إداراتها لدرجة القضاء على ظواهر الفساد المالي والإداري بكل أشكاله، ولم يتبق له سوى التركيز على شبهات التلاعب بنتائج المباريات وفي المسابقات، التي ستهدد كرة القدم بكل أركانها.
بينما يدرك الجميع أن الفساد المالي والإداري في قطاع الرياضة، يترعرع في جميع العالم بسبب وجود مساحات رخوة أساسها الأموال الطائلة التي انفرد الفيفا في إدارتها، إلى جانب ضعف آليات الشفافية والمراقبة والمساءلة والمحاسبة، التي عادة ما تهمل نتيجة تضارب المصالح السائد في لوائحه والآليات التي تدار بها شؤون الرياضة، لاسيما أن الأعذار عادة ما تكون جاهزة تحت غطاء (الاستقلالية المالية والإدارية)، والحذر من مغبة التدخل الحكومي.
نعتقد بأن مثل هذه الظواهر أولى بالاهتمام، أو جعلها موازية لأهمية حماية نزاهة المباريات والبطولات، بل هي بحاجة ماسة للتنسيق المشترك من قبل الفيفا، فالنزاهة برأينا مفهوم شامل ومتكامل ولا يمكن تجزئته، فكيف يسمح الفيفا مثلا، وتحت رعايته، بتضارب المصالح في مكان، وينهى عن سوء السلوك المرتبط بالنزاهة، في مكان آخر؟. وعليه فإن ازدواجية المعايير هذه، لا تستوعبها حوكمة ولا نزاهة أي منظومة إدارية في العالم.
إن سلامة كرة القدم وشرف وسمعة الفيفا والاتحادات القارية والوطنية، تكمن بحوكمة تنظيماته أولا، ليكون مؤهلاً لتنفيذ برنامج النزاهة ثانيا، فهل يعقل مثلا أن يأتي الفيفا بشركة للمراهنات، لتأخذ على عاتقها تدريب مندوبي النزاهة ؟! وكيف يمكن لاتحاد - لا على التعيين - أن تنسجم إدارته مع متطلبات الفيفا الحديثة للنزاهة، وهو يصر عمداً على عدم حاجته للجنة فنية ولا لمكتب إعلامي، ويتجاهل تشكيله لثلاث من أهم اللجان المستقلة في هيكلية الاتحاد (لجنة القيم والامتثال، واللجنة الانتخابية، ولجنة الاستئناف الانتخابية).
تلك اللجان تهدف ببساطة إلى فصل السلطات: القضائية والتنفيذية والاستراتيجية والإدارية، داخل تنظيمات اتحادات وأندية كرة القدم، ولا تتعلق بالأفراد إطلاقا، بل بمواصفاتهم مقابل مواقعهم في تنظيماتهم، بحسب ضوابط الحوكمة، ولوائح السلوك المهني، ولوائح الفيفا الدولية، لا أن تترك لهم وضع لوائحهم التي تحفظ مصالحهم، والتصويت عليها، والتعكز على سريانها وفعاليتها، وحتى خرقها هنا وهناك، ودائما ما يحضرني التساؤل التالي: هل يمنح التجار مثلا حق اختيار نظام ضريبي على مدخلاتهم وفق مزاجياتهم ومصالحهم؟.
لقد وعد الفيفا بأن يوفر أنظمة مخصصة وآمنة للغاية للإبلاغ عن المخالفات، لكي يتمكن الأفراد من الإبلاغ عن أي شكل أو معرفة بالتلاعب المحتمل بالمباريات أو سوء السلوك المتعلق بالنزاهة. وهنا نقولها بضرس قاطع: إن منظومة الإبلاغ ومجساتها يجب أن تشمل أيضا التبليغ عن جميع قضايا الفساد المالي والإداري والخروقات التي أشرنا إليها أعلاه، ولا تقتصر فقط على ما يتعلق بالنزاهة، وبعبارة أدق، فإن “إصلاح منظومة عمل في اتحاد أي بلد، أولى بألف مرة من محاولة زجه في مؤتمرات إرشادية أو ربطه في شبكة نسيج النزاهة القاري والدولي، لاسيما أن لوائحه معبأة بالخروقات التنظيمية والإدارية « .