خالد جاسم
مخطئ من يعتقد أن الشغب في ملاعبنا الكروية هو بمثابة ثقافة سيئة وجديدة لم نعتد عليها سابقا، برغم أن خيرة دول العالم وأكثرها تمدنا وحداثة وتطورا في كرة القدم لم تسلم من تلك الثقافة الخطيرة، حتى لو حضرت في ملاعب تلك البلدان بصورة نادرة أو استثنائية، مع أننا كذلك نرى مثل هذه الممارسة الهجينة ونتصورها دخيلة في مرات قليلة في مختلف ملاعبنا، لكننا كمجتمع محافظ ونحرص على سلامة كل شيء من كل ما هو غريب ومسيء، نرى في ما يحدث من حالات شغب تكاد تكون متفرقة ومتفردة، خروجا عن النص وتحطيما لقيم واعتبارات أخلاقية واجتماعية جبل عليها العراقيون منذ القدم، ومن الصعب بمكان اختراقها، مع أن حوادث الشغب هذه كانت حاضرة بشكل أو بآخر في تسعينيات القرن الماضي، لكنها كانت محدودة التأثير والأضرار.
عوامل مساعدة عززت شيوع هذه الثقافة الغريبة والخطيرة، برغم حالات التوعية والإجراءات الأمنية المتخذة في ملاعبنا، التي تحتاج من وقت إلى آخر إلى مراجعة موضوعية وإعادة نظر مطلوبة في بعض تفاصيلها الفنية، وهي عملية يجب أن تلقى نوعا من التعاون في الجهود والتنسيق الفاعل مع مختلف المؤسسات الرياضية المعنية والإعلام الرياضي، وليس تحميل مسؤوليتها وحصرها بجهة معينة، طالما أن الشغب ليس منبعه التعصب الناديوي الضيق فحسب، قدر كونه نتاج تفاعلات وترسبات نفسية واجتماعية تتطلب مجهودات ليست اعتيادية، لأجل كبح جماح ما نتج عنها وصار يشكل أخطر تحد يواجه ملاعب الكرة العراقية، كما أنه منظر مؤذ لا أحد يتمنى تكراره في تلك الملاعب .
كذلك فإن الشغب على المدرجات بقدر كونه ظاهرة أضحت شبه طبيعية في كل ملاعب العالم، كما هو ليس بالحالة الطارئة في ملاعبنا، لكن استفحال الظاهرة وتكرار مناظرها المؤذية، يجب أن يواجه بإجراءات وتدابير وقائية فاعلة، وليس بالتعاطي معها بلغة التمنيات. ربما يكون من بين مسببات استفحال هذه الظاهرة المرفوضة والباعثة على القلق، ليس تبدل الأمزجة فقط، وتدني نسبة الذوق التشجيعي الجميل، بل حتى احتمالية وجود أجندات عابثة وماكرة، تستهدف نسف جمالية التشجيع وتخريب النظام في الملاعب وإفساد المباريات تحقيقا لغايات، حتى برغم ضعف قناعتي الشخصية بنظرية المؤامرة داخليا وحضورها خارجيا، عبر من أشرنا إليهم من متربصين، لكن معالجة الأسباب والعوامل التي تهيئ الحاضنة المناسبة للشغب، هي أساس العمل، وهو جهد كبير ليس في إمكان جهة واحدة تنفيذه، بقدر حاجته إلى تنسيق وخطط عمل وجهد أمني وتنظيمي بتعاون كل الأطراف المعنية، طالما أن كل ما تم اتخاذه في السابق من قرارات تهدف إلى المعالجة، لم يكن سوى حقن موضعية ضعيفة التأثير إن لم يكن محتوى تلك الحقن فاسدا أصلا، ومن هنا فإن ملفا مثل شغب الملاعب بكل، ما يحمله من خطورة وتأثيرات سلبية حاضرا ومستقبلا , لا يتطلب مزيدا من إضاعة الوقت والجهود والأموال عبر ندوات أو مؤتمرات أو تشكيل لجان ديكورية الشكل والمضمون، بل المطلوب هو حزمة إجراءات فاعلة ورادعة تعالج المشكلة من الجذور، وهو أمر يقتضي التعاون والتنسيق الجاد والفاعل بين الجهات المعنية، من أجل بلوغ متطلبات الحد الأدنى في الأقل لسلامة ملاعبنا، وإشاعة النظام وانسيابية التشجيع على مدرجاتها بشكل حضاري جميل .