بغداد: محمد الأنصاري
قبيل وأثناء زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى واشنطن، ورغم الأحداث الكبيرة في المنطقة والعالم، إلا أنَّ مراكز الرأي والتحليل الغربيَّة والعربيَّة خصصت مساحات واسعة لتحليل وقراءة مفردات ونتائج هذه الزيارة، وخلصت أغلب تحليلات الرأي إلى أنها تؤسس لفصلٍ جديدٍ للعلاقات العراقيَّة الأميركيَّة، مغايرٍ ومختلفٍ ربما عمَّا طبع تلك العلاقات من التباسٍ وتوترٍ وتقلّبٍ طيلة العقود الماضية.
في تحليلٍ نشره “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” المعتمد لدى صنّاع القرار الأميركي، كتبت “دانا سترول وبلال وهاب” تقريراً قبيل الزيارة بعنوان بصيغة التساؤل: “ما الذي يحتاجه بايدن والسوداني لبدء الفصل التالي من العلاقات الأميركيَّة العراقيَّة؟”.
ورأى التقرير، أنه “عندما يقوم محمد شياع السوداني بزيارته الأولى إلى واشنطن كرئيس وزراء العراق، ستكون الرهانات كبيرة بالنسبة له وللرئيس بايدن على حد سواء. فالسوداني يسعى إلى ضمان استمرار الدعم الأميركي لتنمية العراق ونموه الاقتصادي”.
وأضاف، “تتوافق أهداف السوداني بشكلٍ جيدٍ مع أهداف إدارة بايدن، التي سعت إلى الابتعاد عن النظر إلى العراق من خلال عدسة (أخرى) ونحو هيكليَّة سياسيَّة (360 درجة) تضفي الطابع المؤسسي على الجوانب غير العسكريَّة مثل التجارة والتعليم والطاقة والمناخ”.
وبشأن الأولويَّة القصوى لبغداد وواشنطن، يضيف التقرير: “تكمن الرهانات الكبرى في كيفيَّة تعامل بايدن والسوداني مع المرحلة المقبلة من الوجود العسكري الأميركي في العراق، فقد أقرت الحكومتان (اللجنة العسكريَّة العليا) التي هي هيئة للإشراف على الانتقال من محاربة تنظيم (داعش) إلى بناء شراكة دفاعيَّة طويلة الأمد، وتعتقد بغداد أنها قادرة على إدارة أي تهديد متبقٍ من تنظيم (داعش) بشكل مستقل، ولم تعد ترغب في استضافة (التحالف الدولي) الذي تمَّ تشكيله لهزيمة التنظيم قبل عقد من الزمن”، وتابع: “لذلك يجب على بايدن والسوداني، بصفتهما القائدين الأعلى لجيشيهما، تجنب الخطوات التي تمنح تنظيم (داعش) المجال لإعادة تشكيله في العراق. ويعني ذلك ضمان حصول قوات الأمن العراقيَّة على القدرات اللازمة قبل انسحاب قوات التحالف وتوليها زمام المبادرة في مجال الأمن الداخلي”.
ويضيف تقرير المعهد: أنه “بصفته مسؤولاً سابقاً في البلديات والمحافظات، يركز السوداني على الشؤون المحليَّة ولا سيما على مبادرات الخدمات العامة وخلق فرص العمل، وستشمل زيارته الناجحة جذب الشركات الأميركيَّة إلى قطاعي البنية التحتيَّة والخدمات في العراق مع ضمان استمرار الدعم الأميركي للإصلاحات المصرفيَّة والكهرباء”.
أما موقع قناة “الجزيرة” القطريَّة فنشر تقريراً بعنوان “هل تفتح زيارة السوداني لواشنطن صفحة جديدة بين العراق وأميركا؟”.
ويقول التقرير: إنه “في ظل التوترات الإقليميَّة والدوليَّة، يرى محللون ومراقبون أنَّ زيارة رئيس الحكومة العراقيَّة محمد شياع السوداني إلى واشنطن تدشن مرحلة جديدة في العلاقات العراقيَّة الأميركيَّة”.
وينقل تقرير “الجزيرة” عن المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح، إنَّ العراق يرتبط مع الولايات المتحدة بروابط وأسس متماسكة خطّت مبادئها اتفاقيَّة الإطار الستراتيجي الموقعة بين البلدين عام ٢٠٠٨ والمصادق عليها من مجلس النواب العراقي.
وذكر صالح، أن الاهتمام سينصبّ على توفير مناخ من الفرص الواعدة التي تستطيع الشركات الكبرى في الولايات المتحدة بموجبها المساهمة في مشاريع التنمية الستراتيجيَّة الكبرى في العراق سواء في طريق التنمية أو غيره، ولا سيما في حقلي الطاقة المتجددة والغاز والتكنولوجيا الرقميَّة ومشاريع اتحاديَّة أساسيَّة في مجالات النقل والاتصالات والزراعة والاستثمار في الموارد الطبيعيَّة ومفاصل مهمة من الصناعة التحويليَّة.
وأوضح، أن ما نراه اليوم من “تطورات إيجابيَّة” في العلاقة بين العراق والولايات المتحدة “ستطوي صفحة الماضي لتفتح صفحة أساسها العلاقات الاقتصاديَّة المباشرة وفرص الاستثمار المنتج وبأولويَّة أولى تسبق الأولويات الأخرى بما في ذلك التأسيس لعلاقات مصرفيَّة رصينة بين البلدين تساعد على النماء والازدهار، وعلى أن تسهم السياسة الإصلاحيَّة المصرفيَّة القائمة اليوم في بلادنا بإضافة عنصر من عناصر القوة في العلاقات التمويليَّة بين البلدين الصديقين.
من ناحيته، قال المحلل الأمني علي البيدر، إن الزيارة مهمة لحكومة العراق والعراقيين خاصة مع وجود مؤشرات من الولايات المتحدة باتجاه رغبة في خلق شراكة حقيقيَّة مع العراق.
وأوضح البيدر لـ”الجزيرة”، أن الزيارة من الممكن أن تخلق شراكة جديدة في مجالات أخرى غير الأمن، “ونتحدث عن الثقافة والتعليم والطاقة والاقتصاد، وأن تنتقل العلاقة من الأمنيَّة والعسكريَّة إلى علاقة تنمويَّة استثماريَّة خصوصا أن الوفد الذي ذهب إلى واشنطن لا يتضمن أي مسؤول أمني في حكومة السوداني، في حين تحضر شخصيات مهمة حضورها يتعلق بالثقافة وبالاقتصاد والطاقة، ويحتاجها العراق، وهذا الأمر مؤشر على أن العراق تجاوز عقبة الأمن” على حد تقديره.
وعلى المستوى الداخلي، يرى المحلل أن الزيارة ستخلق بيئة مناسبة للحوار والتفاهم وتوحيد القرار الداخلي وسيجري استثمارها سياسياً من قبل الحكومة.
إلى ذلك، نقل موقع قناة “الحرة”، عن مسؤولة كبيرة في الخارجيَّة الأميركيَّة، تأكيدها أنه “ستكون خلال زيارة السوداني مناقشات بشأن العلاقة الدفاعيَّة والأمنيَّة الأميركيَّة كجزء من المناقشات”.
وأكدت المسؤولة الأميركيَّة، أن المحادثات العراقيَّة الأميركيَّة ستركز على التبادل التعليمي والطاقة والمياه، والاستثمار التجاري للشركات الأميركيَّة في العراق والإصلاحات المصرفيَّة، كما ستتناول أيضاً التعاون لتطوير فرص الأعمال والاستثمار، وزيادة الشفافيَّة التجاريَّة والماليَّة، وتعزيز المشاريع التي ستعمل على تحسين الخدمات المقدمة للشعب العراقي.