أحمد عبد الحسين
ستٌّ وعشرون مذكرة تفاهم وقّعت أمس بين العراق وتركيا. وكلها تحمل ملفات غاية في الأهمية ولها مدخل في صنع أزمات كانت تنغّص العلاقة بين البلدين، وبعضها ذو تأثير يمسُّ كيان الدولة العراقية، لكنّ ملف المياه هو الأخطر عراقياً لأن له أثراً ذا مساس بوجود العراق تاريخياً “بلاد النهرين” وبمستقبله في ظلّ نذر التصحُّر التي تهدد كثيراً من الدول وفي مقدمتها العراق.
لهذا فإن تصريح الناطق باسم الحكومة، السيد إحسان العوادي الذي قال فيه إن زيارة الرئيس التركي لبغداد ستشهد مفاجأة كبيرة، كان ناظراً إلى هذه الجنبة، فستشهد الزيارة بحسب العوادي “توقيع اتفاق ستراتيجي حول ملف المياه، وسيتضمن الاتفاق العديد من النقاط ومن البنود، وسيوضح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس التركي تفاصيل الاتفاق، وهذه التفاصيل ستحمل بشرى سارة ومفاجأة كبيرة للشعب العراقي”.
منذ تسعينيات القرن المنصرم كان العراق “ومعه سوريا” دائم الانتقاد لبناء الأتراك سدوداً كبيرة أسهمت في جعل حصة العراق من مياه النهرين تشحُّ شيئاً فشيئاً إلى أن بلغت في السنوات الأخيرة مبلغاً يهدد زراعة العراق بالتوقف ومواطنيه بالعطش. بينما كانت تركيا تدفع عن نفسها هذه التهم بتهم أخرى مضادة تتمثل في أن العراق لا يحسن إدارة مياهه واستثمارها على الوجه الأكمل، حيث الهدر كبير وطرق الري بدائية وأنظمة التحزين عفا عليها الزمن.
الحكومة العراقية برئاسة السوداني واعية لهذه المعضلة، فهي في الوقت الذي تدعو فيه إلى تقاسم أمثل للثروة المائية وضمان حقوق العراق من نهريه، فإنها عبرت عن عزمها في مراجعة طريقة صرفنا واستثمارنا للمياه واستحداث نهج جديد يقلل من منسوب الهدر.
إذا أسهمت زيارة الرئيس التركي في إيجاد حلّ منصف لهذه المعضلة فستكون الزيارة قد أوفتْ بوعودها بغض النظر عن سائر الملفات الأخرى التي هي ملفات لها أهمية فائقة. ففي الجانب الاقتصادي هناك ملفّ صادرات النفط من الإقليم والذي يتكبد العراق بسببه خسائر تبلغ 14 مليار دولار سنوياً. إضافة إلى الملفات الأمنية التي تؤرق تركيا بمقدار ما تؤرق العراق.
كل هذه الموارد مهمة، وإيجاد حلول لها هو إنجاز كبير لكنّ استمرار تدفق المياه في نهري بلاد ما بين الرافدين هو الموضوع الأبرز الذي ستظل عيون العراقيين شاخصة إليه.