2050.. سنة الأحلام الخطيرة

ثقافة 2024/04/29
...

  عبد الغفار العطوي

الفيلسوف والناقد الثقافي السلوفيني سلافوي جيجك (1949) الذي له مساهمات في النظرية السياسية، ونظرية التحليل النفسي والسينما النظرية، أقدمه  في كتابيه، الأول {سنة الأحلام الخطيرة} والثاني {فلسفة الفوضى}, لكي استقرئ المستقبل ما بعد البشري  بعد الأعوام  من 2024 -  لغاية 2050 والتي تحمل توقعات الباحثين  في مختلف العلوم الإنسانية حول  مخاطر محدقة تهدد بانحسار العنصر البشري  في أداء مهماته التي تتسم بمرتبة التفوق على بقية الكائنات على الأرض، واخترت سنة 2050 باعتبارها سنة استراتيجية في تخطيط الدراسات الاستراتيجة البعيدة المدى نوعاً ما، وإن تكون هي المنعطف الأخير في سنة الأحلام الخطيرة، بانتهاء فلسفة الفوضى للبشرية.

لهذا سألقي الضوء بعد ذلك على كتاب فرنسيس فوكوياما "مستقبلنا بعد البشري  - عواقب ثورة التقنية الحيوية" تأليف فرنسيس فوكوياما المعروف بكتابه "نهاية التاريخ والرجل الأخير".
داية علينا  أن نجد  مبررات في  الربط  بين  الفيلسوف  والمنظر الثقافي  السلوفيني  سلافوي جيجيك، وبين الكاتب  الأمريكي  الشهير فرنسيس فوكوياما، من عملية  استشراف المستقبل القريب للبشرية نوعاً ما. أولاً في إنهما يتفقان على أن استفحال  الرأسمالية في هذا الوقت  العصيب من حياة البشرية، من حيث باتت تهدد بالاستيلاء على مقدرات العالم المنظور، وراحت تتطلع إلى ما وراء الكون المنظور، فالرأسمالية في تحولاتها تبقى هي  كنظام مؤسس على إيديولوجيا  تتطلع إلى صنع عدو حتى تحافظ على وجودها “الرأسمالية ضد الرأسمالية ميشيل البير” فالدلائل جميعها تشير تقريباً إلى إن هناك أزمة تلوح في الأفق، وإن علينا أن ندرك ان الوقت بات ضيقاً بالنسبة لاختياراتنا، فالعالم يوشك على أن يعيش سنة الأحلام الأخيرة، لتعم الفوضى بانقطاع نسل العنصر البشري، وتحوله لمستقبل لا بشري.  ثمة  إشكاليات تعترض  توقعاتنا بعد منتصف القرن الواحد والعشرين، منها  حدث الآن  كمثل البدء بالعد التنازلي  ل “نهاية الديمقراطية- جان  ماري جيهينو” لتصبح أثراً بعد عين، تلك  الديمقراطية التي لم ير العالم سوى فلسفتها النظرية، لنجد أن التساؤل في مقدمة الكتاب “صدر بالفرنسية 1992” يؤكد هذه النهاية المبكرة لها: هل  ستظل  الديمقراطية  حية بعد عام 2000؟  
يبدو طرح هذا السؤال ضرباً من الاستفزاز، بينما العالم الشيوعي ينهار تحت سمعنا وبصرنا، فهي قد فقدت تأثيرها  في الغرب الرأسمالي الداعم لها، في الإشكالية التي تجتاح النظام الرأسمالي الأمريكي، وتهدد مؤسساتها الديمقراطية، إذ برزت مظاهر التدهور فيها  كعملية تزوير النظام الديمقراطي في الانتخابات في حملة بايدن ضد ترامب. ثمة لعبة قبيحة تلعب بآلية الديمقراطية في وجهها الانتخابي “الانتخابات والأحزاب السياسية الامريكية ال ساندي مايسل” فيما يتعلق في سباقات الانتخابات المحموم، باستخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة بما فيها فناء العنصر البشري، فعلى ما يبدو، إن جيجيك  كان محقاً في  اطلاق إنذاره المبكر، في إن عام 2011 هو بداية النهاية للكوميديا البشرية في “سنة الاحلام الخطيرة” لأن ثمة “مشكلات إنسانية في المجتمعات الصناعية إلتون مايو” تدفع نحو فلسفة الفوضى بإيصال الديمقراطية نحو الهاوية، بقيام الديكتاتوريات في المجالات الديمقراطية، على شكل “الحرب الباردة مقدمة قصيرة جدا روبرت جيه ماكمان” التي عرضها في هذا الكتاب الرائع في اشارة إلى احتمالية عودة حرب “ساخنة” تظهر على مستويات لا بشرية، حيث سيظل الإنسان متمسكاً برؤيته التقليدية في الحرب الباردة “أمريكا روسيا اوربا أوكرانيا إيران فلسطين – إسرائيل” بينما تشتعل الحرب الساخنة  بدء بالمسيرات  والفيروسات المكيفة مختبرياً الخ حينذاك سيلجأ العالم نحو جملة اختيارات في “نظرية الاختيار مقدمة قصيرة جداً  مايكل الينجهام” النظرية الوحيدة للبشر قبل حلول الطامة، أو الصقيع الجرثومي اللابشري، ألا تتوقع سوى لمستقبل لا إنساني بالمرة، لأن هنالك نقطتين لا بد من تجربتهما الاختيار والرغبة. يقول  كاتب نظرية الاختيار في الفصل الأول من  كتابه ما ملخصه يظن الناس إن الحياة  تدور في مجملها  حول التعاسة  واليأس والموت، وكل ذلك الهراء، الذي لا يمكن  تجاهله، ولكن ما يغفلونه هو متعتها  وبهجتها، فلولا هذا ما عشناها. فنحن لسنا  أغبياء في نهاية المطاف، على الأقل لسنا بهذا الغباء، أي إن علينا في هذه الحقبة القليلة من السنوات لحد (50) أن نطلق العنان لكل ما  هو بشري، بما في ذلك الجمع بين الديمقراطية والديكتاتورية، كما يعبر مايكل الينجهام “ص 93”.
 إذاً أمامنا نظرية جيدة في الاختيار، هنا علينا إيجاد سبل للمقارنة بين رؤية عالم اجتماع و منظر ثقافي كان ذات يوم شيوعياً “من سلوفينيا” و قام بتأشير ما سيواجه البشر من ويلات الحروب التقليدية والأوبئة والكوارث الطبيعية، و تلك التي تصنع في مختبرات الغرب، حيث يقول سلافوي جيجك في “سنة الاحلام الخطيرة”, إن في عام  2011  شهدنا “وشاركنا في” سلسلة من الاحداث الصاخبة، من الربيع العربي إلى حركة احتلوا وول ستريت من اضطرابات المملكة المتحدة  لجنون برايفيك! الإييديولوجي كانت سنة الاحلام الخطيرة، وهو المنعطف الخطير في مزالق الحضارة البشرية، ثم عاد وأضاف في “فلسفة الفوضى” تعد عبارة “الوضع ممتاز مادامت  فوضى كبيرة تسود تحت السماء” وهي من أشهر أقوال ما وتسي تونغ. من اليسير ادراك المعنى الذي قصده ماو هنا، أي إن فكرة الانقلاب الثوري على الوضع الذي ستحسم نتيجته أمريكا في سباق الخيل “بتعبير مايكل الينجهام في نظرية الاختيار” اللجوء نحو إزالة العنصر الخطير بنبوءة فوكوياما الذي تطرق إليه في كتابه “مستقبلنا بعد البشري عواقب ثورة التقنية الحيوية”.
ومن اللافت إن بداية المعركة البشرية\ اللا بشرية تبدأ من المؤسسات الراسخة بالديمقراطية، فقد تحولت برمشة عين نحو طرق ديكتاتورية في إدارة أزمات العالم من الصين لأمريكا، حينذاك يلتقي الكاتب الاستراتيجي فوكوياما الأمريكي الشهير بمنظر ثقافي سلافوي جيجيك، في فلسفة فوضى ستولدها ثورتنا التقنية، جيجك يتهم الغرب لأنه عالم سيء، بينما فوكوياما الذي واجه نقداً لاذعاً عن كتابه “نهاية التاريخ” يأتي اليوم بمظهر جديد، لكن بنفس مقاييس البارحة، ليزيد مستقبلنا قتامة، حينما يفرض تصوراته عن المستقبل الذي لا يمكننا توقعه، فالسبل التي يضعها في خطته، التي  ترسم شكل ذاك المستقبل، لا تشجعنا على التفكير فيها، بسبب تسارع عجلة تطور الثورة التقنية لصالح إبعاد العنصر البشري، وإحلال عالم لا بشري مكانه، ويلقي فوكوياما اللوم على ثورتنا التقنية.