أحمد الشطري
تمثل الروايات القصيرة النوفيلا (novella) واحدة من الأشكال الإبداعية التي اكتسبت أهمية كبيرة من خلال النماذج الروائية المهمة التي اعتمدت تقنياتها.
وتعود نشأة الرواية القصيرة إلى عصر النهضة في إيطاليا خلال القرن الرابع عشر، وقد اشتقت كلمة (novella) من الكلمة اللاتينية (novus) وتعني الجديد.
وتعد روايات الديكاميرون للإيطالي جيوفاني بوكاشيو من أوائل نماذج هذا اللون من الكتابة الروائية، وقد ضمت مئة حكاية يتناوب على روايتها عشرة شبان هربوا من الموت الأسود (الطاعون) الذي اجتاح إيطاليا في تلك الفترة، ثم بدأ انتشارها في أوروبا فكان نموذجها الأشهر في فرنسا ممثلا بنوفيلا "كانديد" لفولتير، بينما شهدت اهتماما واسعا في ألمانيا بدءا من القرن الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين فكان من مشاهيرها: "كارل شبيتلر، كافكا، ارنست هوفمان، وأوتو لودفيغ، وتوماس مان".
ومن بين أهم الروايات القصيرة في الأدب الغربي "التحولات لكافاكا، ومزرعة الحيوان لجورج أورويل، وقلب الظلام لكونراد، والشيخ والبحر لهمنجواي، والدكتور جيكل والسيد هايد لروبرت ستيفنسون، والموت في البندقية لتوماس مان، ووداعاً كولومبس لفيليب روث، ويوميات من تحت الأرض لديستوفسكي، وأوراق أسبيرن لهنري جيمس". كما تعد روايات "الجدة الكبرى ويبستر للكاتبة كارولين بلاكوود، ورواية المكتبة للكاتبة بينيلوبي فيتزجيرالد" من بين أهم روايات النوفيلا المعاصرة والتي نافست على جائزة البوكر العالمية.
أما عربيا فيبدو أنها لم تلق اهتماما كبيرا من الروائيين في الفترات الأولى لظهور الرواية العربية، ولم يمنع هذا من ظهور روايات لبعض الروائيين العرب المعروفين حظيت باهتمام القراء ومن بينها على سبيل المثال: "رواية الكرنك لنجيب محفوظ، والحرام ليوسف إدريس، وظل أفعى ليوسف زيدان، وحظك اليوم لأحمد خالد توفيق، والعنكبوت لمصطفى محمود".
ولم تحظ الرواية القصيرة باهتمام كبير في الأدب العراقي بيد أننا يمكن أن نجد نماذج للكثير مما صنفت على أنها قصص يمكن أن تكون روايات قصيرة، وربما يمكننا أن نجازف في القول بأن السبب في ذلك يرجع أما إلى عدم الإحاطة بتقنية الروايات القصيرة، أو ربما إلى وجود نظرة استعلائية تجعل من الروائيين العراقيين لا ينظرون إليها بأهمية كبيرة، بيد أن ذلك لم يمنع من ظهور نماذج جيدة من الروايات القصيرة وخاصة في الفترة المتأخرة، يمكن أن نشير هنا إلى رواية محمد خضير سلطان "العابد في مرويته الأخيرة"، ونعيم آل مسافر في روايتيه "لعنة الأمريكان"، و"ووترفون" وربما هناك روايات أخرى لم يسعنا الاطلاع عليها لغيرهم من الروائيين العراقيين.
لعل أهم ما يميز روايات النوفيلا هو أنها مزيج يجمع شيئا من تقنيات القصة من جانب والرواية من جانب آخر، وهذا ما جعل بعض المهتمين ينظر إليها أو يصنفها "خطأ" على أنها قصة طويلة، مع أنها تختلف تقنيا عن القصة من حيث المعالجة، وسعة الحدث، وكمية الوصف، واتساع بؤرة الصراع، ولكنهما تتشابهان من حيث التركيز على مركزية الشخصية الرئيسية، والاقتصاد في الوصف، وهامشية الشخوص الآخرين، واقتصارهما على حدث واحد أو اثنين، واتسام لغتهما بالشعرية والتسارع في تصاعد الحدث والتوتر الإيقاعي للبناء السردي.
وهناك ثمة اختلافات بين الرواية القصيرة "النوفيلا" والرواية الطويلة يمكن أن نشير إلى بعضها وتتمثل في:
1 - أن الرواية القصيرة تركز بشكل أكبر على موضوع أو فكرة محددة، بينما الرواية الطويلة تتسم بتعدد الأفكار والمواضيع.
2 - الاقتصاد في الوصف سمة بارزة في رواية النوفيلا بعكس الرواية الطويلة التي تتسم بالاسهاب في الوصف.
3 - لغة النوفيلا تتسم غالبا بالشعرية والتوتر الإيقاعي بينما الرواية الطويلة تستخدم اللغة النثرية التي تميل إلى المباشرة ذات الإيقاع البطيء.
4 - رواية النوفيلا تتسم بالقصر فهي تستغرق ما بين عشرة آلاف إلى عشرين ألف كلمة،
5 - روية النوفيلا لا تحفل بالتطور التفصيلي للشخصيات والأحداث كما هو في الرواية الطويلة.
6 - عقدة الصراع في رواية النوفيلا أقل مما هي عليه في الرواية الطويلة.
7 - لا تهتم رواية النوفيلا بالحبكة الثانوية، كما في الرواية الطويلة.
8 - تركز رواية النوفيلا على تطور الشخصية الرئيسية عاطفيا ونفسيا أكثر من الشخصيات الأخرى.
9 - تتسم رواية النوفيلا بالعمق والإيجاز، أكثر مما هي في الرواية الطويلة.
ولعل من أهم ما يدعو إلى الاهتمام بروايات النوفيلا هو انسجامها مع التسارع في الإيقاع النفسي للقارئ المعاصر، إذ غالبا ما يتسم القراء في العصر الحديث بالنفس القصير والتململ المزاجي، وربما كان للتطور التقني دورا رئيسيا في قلة الصبر وعدم تحمل الاستمرار لساعات طويلة في قراءة كتب أو روايات ذوات حجم كبير.
في الفترة السابقة ثمة دعوة ظهرت عبر ما سمي بـ "البيان الأول" لمجموعة من الأدباء العرب نشر في مجلة "كناية" الرقمية، طالبت بالاهتمام بكتابة الرواية القصيرة باعتبارها تطبيقا للمفهوم الفلسفي السمى بـ "المينيماليزم" أو التقليلية، معتبرة إن " تأثير التقليلية على الروايات القصيرة جدًا يظهر حينما تؤكد التقليلية، كحركة فنية، على البساطة والتقليل إلى العناصر الأساسية والسعي إلى التخلص من التفاصيل والتركيز على الفكرة الأساسية، فتأتي الرواية القصيرة جدا لتطبق هذا المفهوم على الأدب ولغة الخطاب الروائي. يتوافق ذلك مع فلسفة المينيماليزم في التخلص من التفاصيل الزائدة والتركيز على الأساسي.
تشجع التقليلية أيضًا على الاقتصاد في استعمال اللغة ومواردها، وهو سمة رئيسية للروايات القصيرة جدًا. من خلال استخدام كلمات دقيقة ومختارة بعناية، تنقل هذه السردية المكثفة المعنى بشكل موجز ومؤثر. يعكس هذا النهج الجمالي التقليلي فلسفة البساطة والإيجاز".
وبغض النظر عن مبررات الدعوة للاهتمام بكتابة رواية النوفيلا، إلا أننا نرى إن أهم ما يمكن أن نعده مبررا واقعيا لهذه الدعوة هو أن رواية النوفيلا هي أكثر انسجاما مع متطلبات العصر وإيقاعه المتسارع، عصر تسيد "ثقافة الريلز" التي ساهمت بتقديم المعلومة المركزة أو التسلية الموجزة.