خضير الزيدي
قدرة الفنان صدام الجميلي في الرسم، قدرة تفكير، واستجابة لمعطيات خيال جامح، يجمع بين المتناقضات. وهذا الجمع لا يعجز أن يقدم حوارا من نوع مختلف، فهو يبحث في العبثية التي نحياها. والسوداوية التي ترافق يومياتنا، ومثل هكذا رؤية فنية، أنما تكمن دعوتها في اثارة التساؤلات التي يجب على عقل الإنسان أن يبحث عن جواب شاف لها. وبالنتيجة ستدفع هذه الطريقة في الرسم لفرادة المنطق الجاد، ومعالجة الأزمات النفسية. وحتى الشعور بالعدمية، فكيف يمكن لكل تلك الرسومات أن تبدو مبسطة في أشكالها وغريبة في تكوين وحداتها لتحمل من السمات الشعورية ما يحيطنا بظهور نفسي حاد وسيرة وجع يتكرر؟
إنه نوع من التحول الموضوعي في عالم اللوحة كونه يحتمل سياقات متنوعة ومختلفة الجوانب في مظاهر التحول الصوري، بحيث نجد تشخيصا غريبا في وحدات منسجمة لا علاقة لها بمستوى الدلالات المتواجدة في نسق آخر داخل اللوحة الواحدة، وهو في الحقيقة تلاعب شكلي له من المتغيرات المنطقية ما يوفر لشكل الهوية الأسلوبية أكثر من قاعدة تأثير باطني، وسيكون لزاما في الرسم البحث عن جوانب الفكرة المراد بيانها.
من ينظر إلى أعماله الأخيرة يقف عند منطق العرض، فهناك نلاقي اجتهادا في بناء العلاقات الغريبة والوحدات أو التشخيص المتناقض الغرض منه بيان (الاختلاف) وتأكيد ما يتحدد منه في سياق الرؤية الجمالية. وحسنا يفعل هذا الفنان حينما يأخذنا بوجهة غريبة لنستبطن جوانب رؤيته الفكرية في رصد المحتوى التعبيري لأعماله فهو يحاول اقناعنا بأن الوقائع اليومية لحياتنا واقعة تحت سلطة التناقض بأكمله، وجعل صورته لا تتم إلا بواسطة الادراك والتأكيد المتواصل عليه. ومعنى هذا أننا بحاجة لرسم يشرح لنا وقائعنا ولو بتجربة معبرة بصيغة (اختلاف) لم نرها من قبل. وهكذا ستبدو صورة لوحته مشهدا انشائيا غريبا من الصعب أن نفكك مفرداته ووحداته الصورية لنعيد مكونها بعلاقة مباشرة. يعتمد مثل هكذا تخيل على قدرة ومهارة وخيال أتى جراء موقف متخذ من قبل الفنان اتجاه حالات أو ظواهر يومية، وحتى ذكريات ماضية عالقة في نفسه، بحيث تكون ايماءات اللوحة قد تكونت ضمن عوالم تخيلية واسعة وغنية بالمفردات التي يعيها المرء في ابداء شعوره نفسيا واجتماعيا فما الخطوط العريضة التي تبقى عصية على الفهم ونحن نتأمل لوحاته؟ الخطوط التي لا نعي اهميتها أو نعرف حيثياتها تكمن في التحول الموضوعي نفسه هناك أزمة وعي في الحياة اليومية تحاول اللوحة أن تظهره لنا، وهناك صورة احتجاج بدت في حركية تلامس نفسيتنا. لكننا لا نعرف دائرة هذا الفن لأنه متداخل ومخصص إلى وعي خاص. فكيف سنلاقي قراءة لوحاته بينما تذهب عوالم اللوحة إلى استحضار الطفولة مع الغرائبية والتعبير عن الخوف والتشرد بما ينقل الشعور بحالة التذمر من رؤية كل ما هو مخيف في الحياة.
ما نراه في لوحاته عقب كل تأمل أنه يمزج تكوينات ومجموعات متناقضة في سياقها العام ليحرك عرضا مسرحيا في عمل فني (لوحة) قد يبدو مثل هذا القول غريبا على المتلقي، لكن انشاء تلك اللوحة سيفصح عن الكثير من التقنيات والتلاعب الفني داخل كل رموز وايحاءات العمل الفني، فهل سنجد توظيفا لفكرة المسرح في اللوحة، هل نشاهد حكاية قائمة في أساسها على منظومة حسية وصورية تعبر عن خلق موسع جاء عبر انظمة وعناصر الرسم.. حسنا لنكن واقعيين ونتساءل: ما الغاية من هذه الرسومات الغريبة؟
إنه كسر الرسم التقليدي من خلال اظهار الفكرة المختلفة وجذب الاخر إلى منطقة فن تبيّن له اننا بحاجة إلى عالم مسالم غير الذي ارتهنّا اليه كأن تفكر في الطفولة لتكسر ما تراه مختلفا في عالم اليوم إنه نوع من الاحتجاج والتمرد يسوقه تعبير اللوحة جراء شعور متأزم وحاد، وعليه فالحقيقة الوحيدة المتبقية داخل المرء أن ينشئ فكرة السلام واقصاء فكرة الحرب من رأسه مهما كلف الأمر.
مهما كانت القدرة المعرفية والفنية عند اي فنان فانه بحاجة ملحة إلى معرفة ما الذي سيطرأ على الفن في الوقت الراهن فالمتغيرات في الواقع متسارعة وكثيرة وما يلفت الانتباه أن الفنون الإنسانية تعمل قدر المستطاع عبر فنانين حقيقيين على ارساء فكرة التحولات الشكلية والمضمونية في الرسم معتمدين على تأسيس وبناء أكثر من تصور في طرق العمل الفني سواء عبر مستويات ذهنية او شكلية مغايرة اعتمادا على الخيال. وأنا أراهن على أن قدرة الفنان المثابر تعتمد على خياله ومهارته فما من وسيلة للأبداع دون الخيال وبما أن الحديث عن رسومات صدام الجميلي الجديدة فأن من مقتضيات الأمر والوضوح التأكيد هنا على جوانب خياله وقدرته مع الرسم، لأنه منشغل بحمولات دلالية ومعرفية داخل صناعة اللوحة فالتحولات الاسلوبية لديه جاءت ضمن معايير ومفاهيم متجددة والا ما الضرورة لوجود لوحات تمزج في تعبيريتها بين متناقضات حيوية في تعامل بينهما. وكأن الأمر نوع من الصراع من أجل القيادة والارتباط. بالمقارنة هذا يجعلنا نضمن موقفا ثقافيا من الرسم والتفكير بمحتوياته الفكرية.. نعم قد نجد غرابة في التذوق، ولكن فعل التأثير الفكري سيكون لا محدودا فيما تحركه المشاعر لرؤية طاقة اللوحة وخصب خيال الفنان.. أما البناء وطريقة الرسم فهي في تجدد في عملية صياغة كان جميع عناصر عمله في جدل لبيان اضاءة ما يريده من مضامين لحالات واقعية أو ظواهر معينة داخل منظومة المجتمع الشرقي عموما.