حقوق الحيوانات تشغل الوسط الفلسفي والثقافي والشعري
يقظان التقي
كتاب مثير لمجموعة باحثين يجمع الفلسفة الى علم الطبيعة حول حقوق الحيوانات يذهب بعيدا على نحو إلغاء الحدود بين حقوق الكائنات البشرية والحيوانية.
”تكمن روح الكائنات في رائحتها وعلينا ان نتعلم كيف نحافظ على هذه الرائحة الى الابد”.
اذا كان هاجس العالم في أمكنة عدة الحفاظ على روح الطبية والصفة الانسانية التي تؤدي الى كلفة الحد الادنى من آلام الانسان ومن آلام الكائنات الحية ولاسيما الحفاظ على عالم الحيوان، وبوقت المجتمعات الحديثة تعيش هاجس وقف الذبائح الحيوانية في خدمة استهلاكية الانسان المتوحشة، تقف مجتمعاتنا مرعبة وحائرة وهي تصارع من أجل حرية الانسان وكرامته ووجوده الجسماني الكيوني في صراعها مع الدكتاتوريات وأنظمة الطغاة الذين يقتلون البشر والانسان.
هو السؤال حول “حقوق الحيوان” وليس حقوق الانسان هو الموضوع الذي يشغل الوسط الفلسفي والشعري والثقافي اليوم في الولايات المتحدة الاميركية وفي شمال اوروبا ولاسيما فرنسا. هل للحيوانات حقوق ومن واجب الانسان احترامها؟
سؤال خصصت له مجلة “لوبوان” الفرنسية ملفاً تحاور فيه ثلاثة من كبار الفلاسفة وعلماء الاجتماع والفكرة تقوم حول حركة حرية الحيوان ووضع حد للذبائح والاخذ بعين الاعتبار الألم الذي يعصف بالحيوانات قبل موتها.
هنا مقتطفات من الحوار الثلاثي مع بوريس سيرولينك واليزابيت دو فونتاناي وبيتر سنغر والذي يحمل عنوان” وللحيوانات أيضاً حقوقها وواجبات الناس احترامها، والتعاطف معها”.
هذا الموضوع شغل اصدار جديد “(عن منشورات سوي”) وجمع كل من بوريس سيرولينك واليزابيت دو فونتاني وبيتر سنغر
الثلاثة شاركوا في تحرير مادة الكتاب وفي موضوع واحد وسؤال واحد وسؤال الحيوان واشكالية هذا الكائن الذي يتقدم الى واجهة الاهتمامات الانسانية مسجلاً خرقاً مهماً لوجهات نظر كانت تنكر على الحيوانات حقوقها في الحياة ككائنات حية وتحللها لكل أصناف العنف والقتل والذبح والاكراه، فارتفعت أصوات مهمة اليوم تحاول الاحاطة بكائن حي جداً يتمتع بمواصفات تحميه من العبث الوجودي المطلق.
ثلاثة وجهات نظر تتناقض احياناً بمواجهة قوية في طروحاتها.
بوريس سيرولينك الباحث الأركيولوجي الذي يتمتع بشهرة واسعة في فرنسا وصاحب نظريات ثورية ذات دلالات مهمة، والفيلسوفة اليزابيت دو فونتناني التي كانت من أوائل من استعدن تاريخ الفلسفة والعلاقة بين الإنسان والحيوان وتحت عنوان عريض استخدمته “صمت الحيوانات”، ومؤسس حركة الحرية للحيوانات الفيلسوف الأوسترالي الأنكلوساكسوني بيتر سينغر وهو صاحب نقد جذري، رافض لكل أنواع التراتبية بين الأنواع الحية او الكائنات الحية باعتبار ذلك يؤدي الى عنصرية وتمييزية قاتلة بين كائنات بشرية وكائنات حيوانية.
هل للحيوانات حقوق؟ سؤال مطروح بقوة في كتاب حقق نجاحاً ويطرح نقاشاً شعبياً بين كل أصدقاء الحيوان في العالم..
المسألة تتعدى مسألة غذاء وحق الحيوان بالبقاء والطعام لتنطلق الى الفلسفات الانسانية والقديمة في نظراتها المتناقضة بالنظر الى هذا الكائن ، بين فلسفة تجعله مخلوقاً في خدمة الانسان مطلقاً من دون حقوق تستدعي واجبات معينة من الانسان وفي فلسفة حديثة تعترض على توحشية الإنسان بالتعامل مع مخلوقات طبيعية جداً . فيعترف أن شكل تلك طبيعية وجودية مسالمة وغير معنفة حد الوحشية والبربرية ، وخروج الإنسان حتى عن نظرية الطبيعية “الأقوى هو الذي يبقى” (Selection Naturelle) الى نظرية الابادة والتسخير المطلق من دون ضوابط ولا هوامش حتى..
بوريس سيرولنيك
اشتغل على مدى ثلاثين عاماً على اليوم الذي يفهم فيه الإنسان فكرة أن لدى الحيوانات لغة يتخاطبون او يتواصلون بها، الى الحد الذي يخجل فيه من طريقة عدم الفهم والسخرية في التعامل مع هذه الكائنات الحية..
يقول بوريس سيرولنيك في بداية اطلاق “علم الاخلاق” في فرنسا اكتشفنا بسرعة ان مصطلح “الحيوان الآلة” لديكارت ومالييراش له حق مضاد، والى اللحظة نلاحظ من أماكن كثيرة نقصدها ان الحيوانات تملك دماغاً ما، والحيوانات تفكر وتعالح مضوعات وتعيش... وتحتاج حلول لمشاكلها، وهذا يطرح مسألة تعريف “الذكاء” وسلوكيات الحيوانات على إختلافها من الحشرات الى الطيور او القرود، وأمثلة كثيرة تظهر اختيارات مهمة لتطور مفهوم الحركة عن الحيوان والحالة. والأمر يدعو الى المهانة والذل ، أن نرى الناس تفكرأن وسيلتها الوحيدة للتسلية هي وضع الحيوانات في الأقفاص، لا بل شعور يدعو الى الخجل الشديد من عنف العبودية الذي يمارسه الإنسان او التمييز او حتى الابادة ، التي يمارسها كثيرون أمام هذا الحيوان المستضعف في عدة أ ماكن من العالم.
ويضيف:” يجب أن تحترم حقوق الحيوانات ببساطة لانها كائنات حية. ولكن هل هذا فقط الذي يعطيها حقوقا فقط لأنها كائنات حية. افكر بأن هذا يعطينا فترة أساس هي واجباتنا نحن ككائنات انسانية، واجباتنا أمام انفسنا اولاً. لكن بمسألة الحقوق فأنا لست راديكالياً بهذا الموضوع.
ولكن هذا الفهم للطبيعة الحيوانية وهذه المكانة المضخمة للحيوان ستدفع الى الاقتصاد في استخدام الإنسان للحوم؟
يجيب سيرولنيك: المغامرة الانسانية بدأت منذ مليونين أو ثلاثة ملايين سنة وكان الانسان فيها من آكلة لحوم البشر.. أكل لحوم البشر اليوم جريمة وحتى أكل الحشرت أمر غير حتمل. لذلك كان على المجموعة ان تنظم نفسها لأنها مع التطور التكنولوجي وتحديداً في مسألة صيد الحيوانات آخر الاحصائيات في الكونغو تشير الى أن عدد الافيال كان يقارب الـ400 الف من الفيلة والعدد يقتصر الآن الى نحو 40 الف ، وذلك بسبب توسع أعمال الصيد للحصول على مادة العاج..
اذاً التطور التكنولوجي واعمال الصيد وصلت الى درجة من “الغباء القتل” الى درجة أن أطفالنا سيعيشون في عالم نظري.. خال من عناصر الطبية الحقيقية. وكأننا نعيش من دون أن نلتهم منها الكائنات الحية الأخرى. أكثر فأكثرية الشباب يعتبر اليوم أن قتل الحيوان هو جريمة ، وأصبح عدد هؤلاء في ازدهار وأعتقد انه سيزدهر أكثر في المستقبل.
* انت إذاً رجل نباتي.
- كلا، انا أيضاً اثري انساني.
* وماذا عن عملية ذبح الحيوانات، كيف يمكن منع الشعور بعدم الاحتمال؟
- هذا امر هائل في الخطأ، بعض الأامور غير محتملة جداً.
هذا امتناع عن الاعتراف بالواقع. هذا أمر موجود، وحاضر بقوة أي مشهدية الذبح ورؤية الذبائح الحيوانية أمر مقزز وموجع للرأس
* هذا يذكر بفضيحة لحوم الأحصنة؟
- وبفضيحة “جنون البقر” وهذا يذكرنا بأنه توجد ظواهر في الطبيعة يجب علينا احترامها ، وعندما يجتاح العالم الحيواني فتختفي العصافير ونحن معها، وعلى سبيل المثال حين تستخدم مواد رش مثل دي دي تي ترش الأرض بمادة دي دي تي، منطقة معينة تموت فيها العصافير لأنها لا تجد شيئاً تأكله، إذا لم تمت بسبب عدم قدرتها على نقل الحبوب أو الديدان، لأن العملية النباتية ، فتتسمم ، وكذلك رش مبيدات أخرى يقتل حشرات مؤذية للإنسان في غالباً ما تضرب التوازن الطبيعي وتسمم المياه والتربة.
* أنت وإليزابيت دو فونتياني هل تعتبران فرنسا مثلاً أوروبياً سيئاً في مسألة حماية الحيوان، لماذا؟
- الإشكالية مطروحة على نحو خاطئ في فرنسا. ثقافتنا ليست أخلاقية كفاية، لذلك اكتشاف العالم الحيواني أمر مؤات الآن. وعلينا أن نتحرك أكثر شعبياً ونراكم دراسات عن ضرورة تقليص حجم المجازر بحق الحيوانات وأعمال التعذيب. في البلاد الأنكلوسكسونية الكتّاب والفلاسفة وأساتذة العلوم الطبيعية مثل جان غودال متقدمون علينا وبفعالية أكثر..
أحاسيسها
* وماذا تجيب على الذين يؤكدون أن الحيوانات نفسها أحاسيس مهمة؟
- لوقت طويل مضى كان الاعتقاد أن الأطفال لا يشعرون بالألم لأن جهازهم العصبي غير مكتمل. وهذا الأمر جرى تجاوزه. الأمر نفسه بالنسبة للحيوان، والذين يعتقدون أن الحيوان لا يشعر بالألم وهذا أمر خاطئ جداً. الأطفال يتألمون على نحو مرعب ويحتفظون بأثر عميق في الذاكرة. ربما لا يتكلمون جيداً عن ذلك. والأمر نفسه ينطبق على الحيوان. ولكن علم الأخلاق شهد حالياً تطوراً في كشف طرق التعبير لدى الحيوان ، التي كنا نجهلها.
اليزابيت دو فونتياني
* منذ أيام الإغريق، كان اهتمام الفلسفة بالإنسان، والحيوانات؟
- هذا أمر شرعي. لكن أنا أعتقد أن مسألة امتلاك الإنسان لغة، أمر خاص به لإنتاج تاريخ وحقوق. ولا أعتقد أن المسألة مطروحة بالنسبة لحقوق الحيوان. هذا أمر غير ضروري..
* أنت تفضلين أن تعطي الحيوانات حقوقها؟
- نعم، ولكن ليس بالعنوان نفسه الذي يطرحه المؤرخ الأميركي الكبير توم ريغان، الأمر يمكن أن يطرح كموضوع حياة، الإنسان كائن واع، يملك إرادته، ولديه قدرة على التفكير مستقبلياً. برأيي المسألة تتعلق أكثر بعدم قتل الحيوان، وهذا لا يلغي خصائص يتعلق بها الحيوان معروفة علمياً (...) أنا على النقيض من بيتر سينغر أعارض مسألة الإعطاء المفرط لحقوق الإنسان لصالح الشمبانزي مثلاً.
الأديان
* وماذا عن دور الأديان في الحد من التعذيب التي تخضع لها الحيوانات؟ ماذا عن مسؤولية الأديان؟
- هي مسؤولية ثقيلة جداً. أنا لا أعرف الإسلام جيداً ولكن اليهودية والمسيحية سخرت كل شيء للإنسان السيطرة على البحار والهيمنة على الحيوانات. جيد أن اليهودية تأخذ في الاعتبار الحيوانات أكثر من المسيحية. هذا يقرأ في التوراة وفي التلمود بتوصيفات مهمة للحيوانات. مثلاً في التوراة يسمح للحيوان خلال فلاحة الأرض بعدم كمّ فم البقرة، بالعكس في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية وباستثناءات محددة من القديس فرانسوا الآسيزي لا نجد هذا الاهتمام بالشرط الحيواني..
في التاريخ القديم عندما تقدم الحيوانات أضحية في المقابر يتوحد الحيوان مع الإنسان ومع الإله في علاقة ثلاثية.. كانت الحيوانات أشياء تحترم . القديس أوغسطين أكد أن الحيوانات لا تعرف الأم. الحيوانات كآليات وأدوات عند ديكارت لا تخرج عن هذا الإطار.
الذبح
* مسألة ذبح الحيوان؟
- للأسف اللحوم تباع بسوق عالمية كبرى ومن دون حدود والاستخدام للحوم يجب أن يأخذ في الاعتبار أنه عندما نأكل حيواناً ما، فإن هذا الحيوان تألم كثيراً قبل أن يموت. منظر الذبائح التي نراها أمامنا ونحن نمشي في الشارع أمر مفزع. الشعور بالألم بدأ يتصاعد ويأخذ حيزاً مهماً في الولايات المتحدة وفي أوروبا. مع ذلك هذا النقد لذبح الحيوانات لا يعوّض عن البربرية في أسر الحيوانات وفي ذبحها بوسائل صناعية.
حين حصلت مسألة “جنون البقر” كان منظر الآلاف من الأبقاء المريضة وهي تساق للذبح أو الرمي في حفر ترابية مطمورة، كان أمراً مرعباً، وكنت أقول بأن الناس فقدت عقولها.(...).
والحقوق
* مسألة الحقوق؟
- البلدان الكاثوليكية متأخرة عن البلدان البروتستانية. الإنكليز والألمان والبلدان الاسكندنافية متقدمة أكثر بمسألة العناية بالحيوان. لدينا القانون المدني ومع سلسلة تطورات حديثة تعنى بالمساواة في الحقوق بين الكائنات الحساسة، مع ذلك ما تزال تضع الحيوان جانباً. وتراث الصيد الذي يحتل موقعاً مهماً في السياسة الفرنسية يزيد من العمل الوطني. والصيادون يمثلون 2 % الى 3 من الشعب وهم الذين يصنعون القانون. هذا ليس واقع المؤسسات الأوروبية التي تشهد تقدماً في هذا المجال. وعلماء الطبيعة الفرنسيون يفكرون بأشياء أخرى غير الحيوانات.(...)
بيتر سينغر
بيتر سينغر، يذهب أبعد فيعتبر أن الناس هم بكل تأكيد حيوانات! والنظرية ترتكز على التمييز بين إنقاذ حياة الإنسان أو إنقاذ حياة حيوان، وهي نظرية تقوم على خيار خاطئ والقول أن حياة الكائن الإنساني تملك الوعي بالذات، والقدرة على التفكير وإنتاج مشاريع في المستقبل والتواصل على نحو معقد.. هذه الحياة تملك قيمة أكبر لكائن لا يملك هذه المقدرات. هذا الأمر صحيح بمعيار أننا نتكلم في سياق يتساهل فيه مع الضعيف أو يفرض عبء على القوي، وفي منطق ذهني معاق بالعمق. إذا ماذا عن المعوقين الذين لا يملكون هذه الخصائص هل نسوقهم للذبح والغياب المطلق، في هذه الحالة إنقاذ حياة حيوان يتمتع بخصائص معينة تتقدم على مسألة إنقاذ حياة إنسان معوق مثلاً ولا يملك هذه الحواس.!
من علم البلاغة أن تلاقي كثيرين ينتقدون هذه النظرية أعداء الكائنات الحية والطبيعة الجمالية ، التي تنصف من أجل حرية الحيوانات لديهم هدف إلغاء الحدود بين الكائنات الإنسانية والكائنات الحيوانية. ولديهم هدف آخر هو المساواة من ناحية الاهتمام بين الكائنات الحية ، وبأن الجميع كائنات حيوانية بالنهاية. أنا هدفي أيضاً إسقاط هذا الحاجز الفاصل من ناحية إعطاء الحيوانات ما تستحقه من اهتمام كما الجنس البشري.
في الولايات المتحدة وشمال أوروبا، مسألة حركة حرية الحيوان أكثر جدية. المعنى الذي أطرحه استثنائي النباتية الأخلاقية أصبحت مقبولة أكثر لدى الكثيرين، وعلى أمل أن تصل هذه الموجة فرنسا. فرنسا تمثل استثناءا على العالم. كتابي وُجه سلبياً وبالسخرية. واليسار الفرنسي المعني تاريخياً بمسألة الحماية الى تراجع، بينما حزب العمال البريطاني شرع قانوناً لمنع صيد الثعالب.
حركة حرية الحيوان يجب أن تكون جزءاً من مشروع اليسار، وحماية البيئة وتنوعها لمواجهة الطبقات البرجوازية. هذا الأمر لم يحصل.
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة