دور المخطط الامبريالي الغربي في تهجير الفلسطينيين
د. نادية هناوي
يواصل إدوارد سعيد تأكيد حقيقة أن الصهيونية ما كان لها أن تكون بهذه الصورة التي هي عليها اليوم لولا دعم الامبريالية الغربيَّة لها. وتتنوع الأدلة التي بها يدعم سعيد هذه الحقيقة. وفي القسم الثاني من الفصل الثاني من كتابه (مسألة فلسطين) (لم يترجم إلى اللغة العربيَّة) يضع مزيدا من الأدلة بين أيدينا ومنها دراسة علمية كتبتها الباحثة الأمريكية ميريام روزن.
جمعت أقوال الخبراء والسياسيين الغربيين وفيها يتكشف مقدار التحالف الامبريالي غير المحدود الذي به تمكن الصهاينة من تنفيذ مخططاتهم العنصريّة التوسعيّة في فلسطين، متبعين شتى الاساليب النظرية الملتوية والممارسات العنصرية الدنيئة المنتقصة لكرامة الشعب الفلسطيني والمتنكرة لحقوقه في أرضه وحقيقة تاريخه الطويل فيها. يقول ادوارد سعيد:
"بالإشارة إلى فلسطين على وجه التحديد، فإنّ ما أصبح فيما بعد مواقف صهيونية مؤسسية تجاه السكان العرب الفلسطينيين ومطالباتهم المفترضة بوجود "طبيعي"، كان الاستعداد له كثيرا في مواقف وممارسات العلماء والإداريين والخبراء البريطانيين الذين شاركوا رسميًّا في استغلال فلسطين وحكمها منذ منتصف القرن التاسع عشر.
خذ بعين الاعتبار أنه في عام 1903 أخبر أسقف سالزبوري أعضاء صندوق استكشاف فلسطين أنه لا شيء، على ما أعتقد، تم اكتشافه يجعلنا نشعر بأي ندم على قمع الحضارة الكنعانية (التعبير الملطّف للفلسطينيين العرب الأصليين) - تظهر الحفريات كيف أن الكتاب المقدّس لم يُحرِّف ولا أساء التمثيل على الإطلاق في مقته الشديد للثقافة الكنعانيّة كي تحل محلها الثقافة الإسرائيلية- قامت ميريام روزن بتجميع عينة دالة من نماذج المواقف البريطانية تجاه الفلسطينيين، وهي مواقف هيأت بطرق غير اعتيادية لوجهة النظر الصهيونية الرسمية من وايزمان إلى بيغن تجاه المواطن الفلسطيني الأصلي، وفيما يلي بعض الاقتباسات من أعمال السيدة روزن المهمة:
تيرويت دريك، الذي كتب في دراسة استقصائية عن فلسطين الغربية: "خوف يهود الفلاشا من أن لدينا خططا سرية لإعادة غزو البلاد هو مصدر صعوبة كبير.
لقد انتهى هذا، ويظل الغباء الفظ الذي لا يستطيع أن يعطي إجابة مباشرة لسؤال بسيط، لا يفهم موضوعه بالضبط؛ فلماذا يرغب الإفرنج في معرفة اسم وادي أو تل تافه في أرضهم؟، الفلاشا كلهم من أسوأ أنواع الإنسانية التي صادفتها في الشرق، الفلاشا الواحد خال تماما من كل حس أخلاقي".
عمدة وستمنستر حول "عوائق" قبل تدارس صندوق استكشاف فلسطين: "وكان لا بد من تنفيذ هذه الأعمال، ليس بمساعدة الموجودين في هذه البقعة، ولكن في العوائق السخيفة التي ألقيت في طريق العمل من خلال هذا الاتحاد الفريد بين المكر والجهل والغباء الذي لا يمكن العثور عليه إلا عند الشرقيين".
اللورد كيتشنر حول مسح الجليل: "نأمل أن ننقذ من أيدي ذلك المدمر القاسي، العربي الأمي، أحد أهم الآثار في فلسطين، والمقدسة بآثار أقدام ربنا. أشير إلى الكنيس اليهودي في كفرناحوم، الذي يختفي بسرعة بسبب حرق الحجارة للحصول على الجير".
كوندر في كتابه "الوضع الحاضر لفلسطين": "يستحق الفلاحون الأصليون بضع كلمات من الوصف. إنهم جهلاء بوحشية، ومتعصبون، وفوق كل شيء، كاذبون أصلاء؛ ومع ذلك فإن لديهم صفات من شأنها، إذا تم تطويرها، أن تجعلهم سكانا نافعين. - يستشهد بذكائهم وطاقتهم على التحمل ليعبر عن الألم والحرارة وما إلى ذلك-".
السير فلندرز بيتري: "لدى العربي رصيد هائل من الرومانسية يُحسب له بلا داعٍ. إنه عاجز بشكل مثير للاشمئزاز مثل معظم المتوحشين الآخرين، ولا يستحق الرومانسية أكثر من الهنود الحمر أو الماوريين . وسأكون سعيدًا بالعودة إلى المصريين الأذكياء والعقلاء نسبيًا".
تأملات تشارلز كليرمون جانو حول "العرب في فلسطين": "إن الحضارة العربية مجرد خداع، فهي لا وجود لها أكثر من أهوال الغزو العربي. إنها ليست سوى الوميض الأخير للحضارة اليونانية والرومانية التي تلاشت تدريجياً بأيدي الإسلام العاجزة ولكن المحترمة".
أو وجهة نظر ستانلي كوك للبلاد: "التدهور السريع الذي -على ما يبدو- تم إيقافه مؤقتًا فقط من قبل الصليبيين النشطين. لاحظ الرحالة المعاصرون في كثير من الأحيان الضعف المتأصل في شخصيات السكان، وأدركوا، مثل روبنسون، أنه من أجل عودة الرخاء، "لا شيء مطلوبا سوى يد رجل تحرث الأرض".
أخيرًا، آر إيه إس ماكاليستر: "وليس من المبالغة القول إنه طوال هذه القرون، لم يبدُ أن سكان فلسطين الأصليين قد قدموا مساهمة واحدة ليست من أي نوع من الحضارة المادية على الإطلاق. ربما هي البلد الأكثر تخلفًا على وجه الأرض. وكانت ثقافتها بأكملها ثانوية".
هذه إذن بعض النقاط الأساسية التي يجب توضيحها حول خلفية الصهيونية وما فيها من مواقف إمبريالية أو استعمارية أوروبية. ومهما كانت الصهيونية قد فعلت لليهود، فقد نظرت إلى فلسطين بشكل أساس مثلما نظرت الإمبريالية الأوروبية اليها، باعتبارها أرضًا فارغة، ملئت على نحو متناقض بسكان دنيئين يمكن الاستغناء عنهم؛ لقد تحالفت الصهيونية، كما قال حاييم وايزمان بوضوح تام بعد الحرب العالمية الأولى، مع القوى الإمبريالية في تنفيذ خططها لإقامة دولة يهودية جديدة في فلسطين، ولم تفكر إلا بشكل سلبي في "السكان الأصليين" الذين من المفترض أن يقبلوا بالمخططات الموضوعة لأراضيهم.
وكما أظهر المؤرخون حتى الصهاينة منهم مثل يهوشوا بوراث ونيفيل ماندل أن أفكار المستعمرين اليهود في فلسطين (قبل الحرب العالمية الأولى بفترة طويلة) واجهت دائمًا مقاومة محلية لا لبس فيها، ليس لأن السكان الأصليين اعتقدوا أن اليهود أشرار، ولكن لأن معظم السكان الأصليين لا يتقبلون أن يستوطن الأجانب أراضيهم؛ علاوة على ذلك، عند صياغة مقولة الأمة اليهودية "تستعيد" أراضيها، لم تقبل الصهيونية المفاهيم العنصرية العامة للثقافة الأوروبية حسب، بل اعتمدت أيضًا على فكرة أن فلسطين غير مأهولة فعليًا بشعب متقدم وانما بشعب متخلف، وهو ما كان يوجب لها أن تهيمن عليه. وهكذا فإن هذا الافتراض الضمني استحكم تحديداً في حالة الصهيونية بممارسة التجاهل تجاه السكان الأصليين بوصفهم لا يستحقون النظر اليهم جدياً في أغلب الأحيان.
وبذلك تطورت الصهيونية بوعي فريد بنفسها من دون قليل منه أو لا شيء متبقٍ منه للسكان الأصليين المنبوذين. إن ماكسيم رودنسون محق تماماً في قوله إن اللامبالاة الصهيونية تجاه السكان الفلسطينيين المحليين "كانت لامبالاة مرتبطة بالسيادة الأوروبية، وأفاد منها البروليتاريون والأقليات المضطهدة في أوروبا. في الواقع، لا يمكن أن يكون هناك شك في أنه إذا كان وطن الأجداد قد تم احتلاله من قبل إحدى الدول الصناعية الراسخة التي حكمت العالم في ذلك الوقت، والتي استقرت بشكل كامل في منطقة غرستها في وعي وطني قوي، عندها ستكون مشكلة تهجير السكان الألمان أو الفرنسيين أو الإنجليز وإدخال عنصر جديد متماسك وطنيًا في وسط بلدانهم في طليعة وعي حتى أكثر الصهاينة جهلًا وفقرًا".
باختصار، كانت كل الطاقات التأسيسية للصهيونية مبنية على الحضور المستبعد، أي الغياب الوظيفي "للسكان الأصليين" في فلسطين؛ تم بناء المؤسسات بشكل متعمد لإبعاد السكان الأصليين، وما أن ظهر الكيان الصهيوني إلى الوجود حتى تمت صياغة قوانين تضمن بقاء السكان الأصليين في "لا مكانهم"، والصهاينة في أماكنهم، وما إلى ذلك. وليس من المستغرب أن القضية الوحيدة اليوم التي تثير إسرائيل كمجتمع هي مشكلة الفلسطينيين الذين يشكل إنكارهم الخيط الأكثر اتساقا الذي يمر عبر الصهيونية. ولعل هذا الجانب المتعسّف للصهيونية هو الذي يربطها حتماً بالإمبريالية - على الأقل في ما يتعلق بالفلسطينيين - يقول رودنسون مرة أخرى: "إنَّ العنصر الذي جعل من الممكن ربط هذه التطلعات لأصحاب المتاجر والباعة المتجولين والحرفيين والمثقفين اليهود في روسيا وأماكن أخرى بالمدار المفاهيمي للإمبريالية كان تفصيلا لا يعيرونه أهمية وهو: فلسطين كان يقطنها شعب آخر").
- تسكين الصهاينة، تهجير الفلسطينيين:
(كنت أناقش التفاوت الاستثنائي داخل الصهيونية بين الاهتمام باليهود والتجاهل شبه الكامل لغير اليهود أو السكان العرب الأصليين من الناحية الاصطلاحية. إنّ الصهيونية والإمبريالية الأوروبية متطابقتان، من الناحية المعرفية تاريخيا وسياسيا في نظرتهما إلى السكان الأصليين المقيمين، ولكن الطريقة التي عملت بها هذه النظرة الإمبريالية غير قابلة للاختزال في عالم السياسة ومعيشة الأفراد الذين لم تكن نظرية المعرفة ذات صلة بالنسبة إليهم وهو ما يبرر ان لا صلة لنظرية المعرفة بهم على الإطلاق. في ذلك العالم وفي تلك الحيوات، ومن بينهم عدة ملايين من الفلسطينيين، يمكن تفصيل النتائج، ليس كمجرد رؤى نظرية، بل كمؤثرات صهيونية صادمة للغاية. أعتقد أن أحد ردود الفعل العربية الفلسطينية العامة تجاه الصهيونية يمكن تلخيصه تمامًا في الجملة الآتية التي كتبت من قبل الوفود العربية في عام 1922 ردًا على الكتاب الأبيض لونستون تشرشل:
"إنّ الهدف من إنشاء الوطن القومي اليهودي هو التسبب في اختفاء أو تبعية السكان والثقافة واللغة العربية. ومن ثمَّ فإن ما شاهدته أجيال من العرب الفلسطينيين كان بمثابة كشف للمخطط في جذوره العميقة في التاريخ اليهودي وكيف تم حجب التجربة اليهودية الرهيبة بضرورة ما كان حدث أمام أعين اليهود وأعين الفلسطينيين. هناك تمكن العرب من رؤية عقيدة قاسية تتجسد، تدعو إلى الانضباط الذاتي الرهباني والانفصال قاسي القلب عن البيئة.
فسر اليهود الذين تفاخروا باسم العامل المشترك: الإخوة على أساس قومي أو عنصري بحت، لأنهم كانوا يقصدون بالإخوة مع اليهود، وليس مع العرب. وإذ أصروا على إعمال الأرض بأيديهم وحدهم، فلأنهم كانوا يرون اشغال الآخرين معهم لعنة بالنسبة إليهم، فاستبعدوا العرب من نظامهم.. لقد آمنوا بالمساواة، ولكن من أجل أنفسهم. كانوا يعيشون على الخبز اليهودي، الذي نشأ على تراب يهودي، محمي ببندقية يهودية.
إن القيام بعملية "جرد "inventoryالتجربة الفلسطينية في ما أحاول فعله هنا يرتكز على الحقيقة البسيطة المتمثلة في أن اليهود الفرحين أو (لاحقًا) المرعوبين الذين وصلوا إلى فلسطين كان يُنظر إليهم في الأساس على أنهم أجانب وقدرهم المعلن هو إنشاء دولة لليهود. وماذا عن العرب الذين كانوا هناك؟
كان هذا هو السؤال الذي يجب أن نشعر أنفسنا بطرحه الآن. وما سنكتشفه هو أن كل شيء يبدو إيجابيا من وجهة النظر الصهيونية هو سلبي تماماً من وجهة نظر العرب الفلسطينيين، لأنه لا يمكن لهم أن يتناسبوا أبدًا مع الرؤية الكبرى. ولم تكن "الرؤية" مجرد مسألة نظرية؛ لقد كانت "الرؤية" وكما تم تحديدها لاحقًا لطبيعة تفاصيل سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه السكان العرب الفلسطينيين الأصليين، هي أيضا الطريقة التي بها نظر قادة الصهاينة إلى العرب لكي يتعاملوا معهم لاحقًا (وبالتأكيد في تلك اللحظة) على هذا النحو.
وكما قلت سابقًا، يدور في ذهني الجدل بين النظرية والفعالية اليومية. فرضيتي هي أن إسرائيل تطورت ككيان سياسي اجتماعي من النظرية الصهيونية القائلة بأن استعمار فلسطين يجب أن يتم من أجل اليهود وبواسطتهم في وقت واحد من خلال تهجير الفلسطينيين؛ وعلاوة على ذلك، فإن الصهيونية، في أفكارها الواعية والمعلنة حول فلسطين، حاولت في البداية التقليل من شأن فلسطين ثم القضاء عليها. ومن بعد فشل كل شيء آخر، يتم في الأخير إخضاع السكان الأصليين كوسيلة لضمان أن إسرائيل لن تكون مجرد دولة مواطنيها (بما فيهم العرب بالطبع) بل دولة "الشعب اليهودي بأكمله" التي تتمتع بنوع من السيادة على الأرض والناس حيث لا دولة أخرى كانت قد ملكتهم أو تملكهم. وهذا هو الشذوذ الذي يحاول الفلسطينيون العرب منذ ذلك الحين مقاومته والاحتياط او التأهب لإيجاد بديل له.
ويمكن للمرء أن يتعلم الكثير من التصريحات التي أدلى بها الزعماء الصهاينة من ذوي الأهمية الاستراتيجية وكانت مهمتهم، بعد هرتزل، ترجمة المشروع إلى أفعال. يتبادر إلى الذهن حاييم وايزمان على الفور، بسبب شخصيته غير العادية بقدر ما، والسبب نجاحاته الظاهرة في الارتقاء بالصهيونية من مجرد فكرة إلى مؤسسة سياسية منتصرة. إن أطروحته حول أرض فلسطين تكشف مدى تكرار هرتزل القول: و"كأن الله قد غطى تراب فلسطين بالصخور والمستنقعات والرمال، حتى لا يظهر جمالها سوى لمن يحبها ويكرس حياته لمداواة جراحها".
ومع ذلك، فإن سياق هذه الملاحظة هو عملية بيع للصهاينة من قبل مالك أرض غائب ثري (عائلة سرسق اللبنانية ) لأراضي المستنقعات غير الموعودة. ويعترف وايزمان بأن هذا البيع على وجه الخصوص كان لجزء من فلسطين، وليس جزءًا كبيرًا منها بأي حال من الأحوال، ومع ذلك فإن الانطباع الذي يعطيه هو وجود منطقة بأكملها غير مستخدمة بشكل أساس، وغير مقدرة، ومُساءة الفهم (إذا كان من الممكن استخدام مثل هذه الكلمة في هذا الصدد). وعلى الرغم من الناس الذين يعيشون عليها، كان لا بد من جعل فلسطين نافعة، ومقدرة، ومفهومة. كان يُعتقد بشكل غريب أن الفلسطينيين الأصليين بعيدون عن التاريخ، وأن البادي انهم لم يكونوا حاضرين حقًا. في المقطع الاتي، الذي كتبه وايزمان لوصف فلسطين عندما زارها لأول مرة في عام 1907، لاحظ كيف أن التناقض واضح بين اشارته الى الإهمال واليأس في الماضي و"لهجة الحاضر والروح التقدمية" (في ما كتبه عام 1941) وهدف إلى تبرير إدخال المستعمرات الأجنبية والمستوطنات: "لقد كانت دولة حزينة بشكل عام، وواحدة من أكثر أركان الإمبراطورية العثمانية المهملة بشكل بائس.[ هنا، يستخدم وايزمان كلمة "الإهمال" لوصف سكان فلسطين الأصليين، الذين لا تشكل حقيقة إقامتهم هناك سببًا كافيًا لوصف فلسطين بأنها أي شيء سوى أرض فارغة ومريضة، تنتظر الأشخاص الذين يظهرون لها الرعاية المناسبة.[ كان إجمالي عدد سكانها يزيد على ستمائة ألف، منهم نحو ثمانين ألفًا من اليهود. وهؤلاء عاش معظمهم في المدن. لكن لا المستعمرات ولا مستوطنات المدينة كانت تشبه بأي شكل من الأشكال، من حيث القوة والنبرة والروح التقدمية، المستعمرات والمستوطنات في يومنا هذا!.""
وكان أحد المكاسب على المدى القصير هو أن الصهيونية "رفعت قيمة.. الأرض"، وكان العرب قادرين على جني الأرباح حتى لو تم سحب الأرض من تحتهم سياسياً.
في مواجهة الإهمال والتدهور الأصليين. بشَّر وايزمان بضرورة الإرادة والطاقة والتنظيم اليهودي لاستعادة "استرداد" الأرض. كانت لغته مملوءة بخطاب تطوعي وبأيديولوجية الإرادة والدماء الجديدة التي خصصت الصهيونية لها قدرًا كبيرًا من اللغة (ولاحقًا السياسات) التي استخدمها المستعمرون الأوروبيون الذين حاولوا التعامل مع التخلف المحلي، و"كان لا بدَّ من جلب دماء جديدة إلى البلاد، وكان لا بدَّ من إدخال روح المبادرة الجديدة".
كان على اليهود أن يكونوا مستوردين للمستعمرات والمستعمرين الذين لم يكن دورهم مجرد الاستيلاء على الأراضي حسب، بل كان عليهم أيضًا أن يكوّنوا مدارس لتعليم النهضة القوميّة اليهوديّة الذاتيّة. وهكذا، إذا كانت هناك "احتمالات كبيرة" في فلسطين، فقد أصبح السؤال: كيف نفعل شيئا حيال حقيقة أن الإرادة مفقودة. كيف يتم إيقاظها؟، كيف يمكن إطلاق العملية التراكميَّة؟.
وفقاً لوايزمان، فقد تم إنقاذ الصهاينة من الإحباط النهائي فقط من خلال "شعورنا بأن مصدراً عظيماً للطاقة كان في انتظار استغلاله - وهو الدافع الوطني لشعب خاضع لفحص مؤقت من خلال تفسير مضلل للمنهج التاريخي. "الطريقة" المشار إليها كانت النزعة الصهيونية حتى الآن للاعتماد على المتبرعين الأجانب الكبار مثل عائلة روتشيلد و"إهمال" تطوير المؤسسات الاستعمارية المكتفية على الأرض ذاتيا بنفسها) .