فيفيان الصايغ.. وجوه شاردة تستنطق الحواس

ثقافة 2024/05/16
...

 رولا حسن


«الحرب أثرت على الجميع وصورتها عكست الكثير من المآسي والفقراء والبسطاء هم من يدفع الثمن هذه الحرب من أرواحهم وأملاكهم  ونحن كفنانين يجب أن نكون إلى جانب هؤلاء المغلوبين والمقهورين، وأنا ببعض أعمالي تحدثت عن المرأة التي هي من يكابد أوجاع هذه الحرب، وهي صاحبة الفقد الأكبر في هذه المأساة على امتداد الجغرافية السورية وطوال العشر سنوات التي مضت».. من حديث فيفيان الصايغ وهي خريجة مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية بدمشق قسم التصوير عام 2001، يمكننا أن ندخل إلى الملفت في تجربتها، حيث أعمالها المتنوعة والمختلطة بحزن الواقع السوري والواقع العربي والإنساني ككل، فامتدت لوحاتها لتشمل قصصا من فلسطين والعراق ودول أخرى وهي تصور الإنسان بوجعه المجرد ودلالاته وذكرياته وألمه وفقده اللانهائي. 

المرأة والإنسان في لوحاتها لا يظهران بشكل كامل، بل يظل جزءا منه مخفيا، وكأنها تريد أن تشير إلى الجانب المتألم والمظلم فيه، وكثيرا ما تبدو العيون مغلقة أو الوجوه شاردة وساهمة، وكأنها في حالة تأمل أو شرود أو استرجاع لذكرى ما، كما يلاحظ دوما حزن في العينين أو أنهما مغلقتان على حزن دفين أو معصوبتان، مع حركة للجسد والذي غالبا ما يكون في وضع جانبي، أو مرتبطا بتغطية اليدين للرأس والعينين والتي تضفي إحساسا عميقا بالخوف والغياب، والانكفاء على

الذات. 

يمكن أيضا أن نلاحظ في أعمال فيفيان الكثير من المشاعر واللحظات المبتورة بشكل مقصود، فنلمح دائما أمانا مبتورا، وسعادة مبتورة، وحبا مبتورا، لكن ما يلفت النظر هو لحظات الأمومة والطفولة المبتورة وسط الدموع والأعين المعصوبة أو غير الموجودة أصلا، وألعاب مكسورة وأجساد ممزقة ووجوه حزينة تمنع اكتمال أقدس المشاعر الفطرية، وأكثرها بديهية، فنرى في إحدى لوحاتها جسدا غير مكتمل يغطي رأسه وعينيه خوفا ومحاولة منه لحماية نفسه، يخرج من بيضة ينبت منها زهور وبراعم صغيرة تظهر تناقض أحلام الطفولة مع الواقع المرير.

فيفيان التي شاركت في العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها، مثل «المرأة تاريخ وحضارة،  تحية إلى الجيران، حروف وامرأة من ضياء في لبنان 2017، اتيان دوكوزان في باريس 2007» وظفت مكونات الطبيعة من أزهار، وطيور، وأشجار، وبحار في خدمة الحالة الشعورية التي يمر الإنسان، أو للإشارة إلى وحدة الحال بين جميع الكائنات وافتقادها لأحاسيس يفترض ألا تنقص أبدا. 

ورغم كل ذلك التشويه المقحم في عوالم الشخوص لا تلغي الصايغ المواساة الداخلية بينها وبين الأشخاص في رحلة تتوازن ذاتيا لتبحث عن توازنها الحسي العام في تلك اللمسات، أو في تماس يفرض التلاحم بين الشخوص عن طريق الخطوط والألوان بمختلف تلطيخاتها واقتحامها للفراغ مع تماس يربطها مع النقاط، وعلامات تشير في دوائرها للزمن، للوقت الحاضر الذي أثر فيه الماضي، والماضي الذي انتصر عليه المستقبل بصداميه التهمت الأحلام وهي تسحق الزمن في تراكمات الواقع القاسي.

تحيك الصايغ من ذاكرتها حكايا باقية، وقصصا تجسد الواقع وتتجاوز عتمته بنور الخيال وبتدفق الضوء، بحيث تعبر عنه بشكل جمالي يفوح منه عطر امرأة منبثقة من تاريخ وجغرافيا، وأسطورة انثوية التكوين دائمة الحركة والبحث عن عناصر وتكوينات الحياة المتكاملة. 

تحمل فيفيان في تجربتها تصورات مبتكرة ورؤى متجددة استلهمتها من الواقع تجمع التعبيرية، والواقعية، والسريالية، والمفاهيمية وتستثير منها زويا لتضيء معها أجزاء من كينونة الإنسان.

ففي عملها التركيبي تحاول استنطاق حواس المتلقي، وفي التعبيري تبحث عن الألم والمعاناة، وفي عملها الواقعي تفكك الحواس وكل ذلك تفعله بحرفية أنثى تجيد استغلال حواسها لتطفو بأكثر جمالية، وأعمق حضورا وتميزا حتى تشعر المتلقي بالإلفة، وبأنه جزء من العمل نفسه فيتلقاه بحواسه ويتفاعل معه حسب ما يخزن في ذاكرته من أفعال وأحداث.

أعمال تفرض التلاحم بين الشخوص عن طريق الخطوط والألوان