التسلل الشعريّ في احتماليّة عود ثقاب

ثقافة 2024/05/16
...

  ريسان الخزعلي


(1)

استوقفني في المجموعة القصصية "ما يشبه الأثر" للقصصي محمد خضيرسلطان قصة قصيرة جداً بعنوان "احتماليّة عود ثقاب" تحمل التسلسل "2" من بين ثلاث قصص. ومثل هذه الوقفة حالت دون تكوين انطباع عام عن المجموعة بسبب انتباه القراءة إلى ما هو أهم فنيّاً على مستوى الشكل، إذ تُثير هذه القراءة أكثر من سؤال يتعلّق بتجنيس النص الأدبي.

وقبل توضيح غاية الإشارة هذه، أُورد نص القصة حسب الشكل الذي وضعه المؤلّف: "هذا ليس برومثيوس.. صورة أخرى.. وهذه الظلال التي تتركها ذراعه (الطويلة) على نار الآلهة لكي يُهديها إلى الناس ليست ظلاله.. صورة أخرى, ولكنّها اغارة للظلال في الزمن الأخير، وهذه ليست ذراع برومثيوس ولكنَّ الدماء التي تسري في عروقها، دماء اسطوريّة، طفقت هي الأخرى تبحث في الأثير عن الآلهة لكي تسرق النار وغارت الظلال القديمة والجديدة في البحث ولكنّهم نفدوا كما تنفد الرمّانات اليدوية في خطوط التماس فدرج إلى الرصيف يطلب عود ثقاب من بائع سجائر ويهديه إلى الناس".


(2)

ومرّة أخرى أُعيد كتابة هذه القصة بشكل آخر.

1.  هذا ليس برومثيوس.

2.  صورة أخرى.

3.  وهذه الظلال التي تتركها ذراعه الطويلة على.

4.  نار الآلهة لكي يُهديها للناس ليست ظلاله.

5.  صورة ٌ أخرى.

6.  ولكنّها اغارة الظلال في الزمن الأخير.

7. وهذه ليست ذراع برومثيوس.

8.  ولكن َّ الدماء التي تسري  في عروقها دماء ٌ اسطورية.

9.  طفقت هي َ الأخرى تبحث ُ في الأثير. 

10.  عن الآلهة لكي تسرق النار.

11.  وغارت الظلال القديمة والجديدة في البحث.

12.  ولكنّهم نفدوا كما تنفد  الرّمانات اليدوية. 

13.  في خطوط التماس.

14.   فدرج َ إلى الرصيف.

15.  ويطلب عود ثقاب من بائع السجائر ويهديه للناس.


(3)

إنَّ موضوع القصة يؤكد فشل برومثيوس "الجديد" في سرقة النار، وقد استعاض عن ذلك الهدف بطلب عود ثقاب من بائع السجائر. وقد جرى تتابع النص أفقيّاً لمسك تلاحقيّة سرديّة لغرض تحقيق التوصيف "قصة قصيرة جداً"..، في حين كان تركيب القصة بالشكل العمودي الذي اعتمدتهُ ينقلها من الشكل السردي إلى شكل شعري مع المحافظة على الموضوع ذاته، من هنا أجد أنَّ السرد كان شعري الشكل أساساً، وقد يصح التجنيس السردي/ شعري. وما أحاله إلى تجنيس الشعر- تبعاً لإشارتي هذه -  قد يكشف عن مسوّغات فنيّة/ جمالية إضافية ترتبط بالتجنيس الشعري، قادمة من معرفة نصيّة شعرية، غير أن التجنيس المقرر سلفاً "قصة قصيرة" قاد إلى الشكل الذي كُتبت به القصة "كنص"  يحتمل الشكلين. 

ويبدو أنَّ التوصيف "نص" قد يجد بريقهُ بقوّة في الكثير من الكتابات التي تكون على شاكلة "احتمالية عود ثقاب".

ولنعُد إلى ما يرتبط بالشكل الشعري في صورة النَص الشعرية، إذ يمكن ملاحظة الرنين الإيقاعي والتكرار والتقفية المتناوبة، مثال ذلك تكرار "برومثيوس" في التسلسليَن "1، 7" وتكرار "صورة ٌ أخرى" مع ما تشكّله من إيقاع في التسلسليَن "2، 5" وكذلك الرنين الإيقاعي في التسلسليَن "6، 9" و "8، 12" و "13، 15". 

وكل هذه المقاربات هي الألصق بالشكل الشعري. من هنا تكون قصة "احتماليّة عود ثقاب" تحتمل التوصيفات: قصة قصيرة جداً، قصيدة نثر، الشكل الشعري المستور بالسردي.