شكا حاله لطبيبٍ مختصٍ بالقلب وبعد إجراء الفحوصات قال له الطبيب:
- قلبك سليم كلشي ما بيه..عليك ان تراجع طبيباً نفسياً.
فنظر الى الطبيب بعصبية وقال له:
- وشتشوفني.. مجنون لو مخبل.
وهذه حال كثيرين ما يدعونا الى أنْ نتساءل:
ما أسباب خوف معظم العراقيين من زيارة المختص النفسي؟
أول هذه الأسباب أنَّ معظم العامَّة يعدُّون المرض النفسي حالة بسيطة أو أمراً ثانوياً مقارنة بالمرض الجسدي، وآخرين يحصرون المرض النفسي بالعقل أو بالدماغ أو بالرأس تحديداً. وآخرين يخلطون بين الأمراض العضويَّة والنفسيّة والأعراض الروحيَّة من حسدٍ وسحرٍ و(صابته عين). وآخر يخاف من الذهاب الى طبيب نفسي لأنه سيذكره بتجربة سيئة أو مخجلة حدثت له بالماضي. وهناك من يخشى أنَّه إذا كشف أسراره وخفاياه للطبيب فإنَّه سيبوحُ بها الى آخرين، ولا يدرك أنَّ الطبيب أو المعالج النفسي شخصٌ مؤتمنٌ على أسراره. وأخيراً، هناك من يخاف من الأدوية النفسيَّة مع أنَّ من يحددها طبيبٌ لا يختلف عن طبيب باطنيَّة أو قلبيَّة.
وثانيها هو الخوف من وصمة العار المجتمعي، فمن يكون قد راجع طبيباً نفسياً يتعرضُ للنبذ الاجتماعي، بل أنَّ الأمر يصلُ في حالات إنَّه إذا خطب فتاة وعرف أهلها أنه راجع طبيباً نفسياً، فإنَّ أول الرافضين له هي والدة الفتاة (والله هسه لو يموت.. انطي بنتي لفد واحد مخبل!).
ويُجمعُ الخبراء على أنَّ الخوف من “وصمة العار” التي قد تلاحق من يعتقدون أنهم بحاجة إلى أطباء نفسانيين تبقى من أبرز الأسباب، بينما تزيد أحياناً مصطلحات مثل المرض العقلي والمرض النفسي من غموض الطب النفسي للناس.
مرض عقلي أم نفسي؟
بعض الأطباء يفرقون بين المرض العقلي والمرض النفسي، بينما يقول آخرون إنَّ لا فرق بين الاثنين وإنَّ المرضَ واحد. ونوضح بأنَّ المريض في حالة المرض العقلي قد يلاحظ المحيطون به تغيره و ، لكنه لا يكون واعياً بذلك، بينما المصاب بمرضٍ نفسي يكون واعياً بتغير سلوكه.
ونوضح أيضاً أنَّ من بين الفروقات، أنَّ المريض العقلي قد يعاني من هلوسات ويرى أشياءً لا يراها من حوله أو يصبح شخصاً آخر، بينما تغيبُ مثل هذه الأعراض لدى المريض النفسي.
وثالثها هي الأفلام والمسلسلات العربيَّة، فكثيرٌ منها تقدم المختص النفسي بشكلٍ يثير السخرية والشفقة من كثرة تعامله مع المرضى بعكس ما تعرضه أفلام ومسلسلات أجنبية من مكانة علميَّة وإنسانيَّة للطبيب النفسي.
أخيراً
علينا أنْ نشيعَ بين الناس ثقافة (الاستشارة النفسيَّة المبكرة) فهي تحمينا وتحمي الأسرة من تفاقم حالاتنا النفسيَّة نتيجة حادثٍ أو فقدان عزيز، ما يعني أنْ ننظرَ للتدخل النفسي المبكر نظرتنا للتدخل الجسدي المبكر، كلاهما يجنبنا تعقد الحالة وصعوبة المعالجة، وهذا يحتاج الى إشاعة الثقافة النفسيَّة داخل كل أسرة عراقيَّة، وتلك هي المهمة التي تولتها جريدة (الصباح) من عشر سنوات، وسنواصل (ما دام بعد بالحيل قوة).