لماذا النسيان مفيد؟

علوم وتكنلوجيا 2024/05/21
...

 كاليفورنيا: بي بي سي

كتبَ عالمُ الأعصابِ تشاران رانجاناث في كتابه الجديد (لماذا نتذكر) أنَّ «الذاكرة هي أكثر بكثيرٍ من مجرد أرشيفٍ للماضي، إنها المنظور الذي نرى من خلاله أنفسنا والآخرين والعالم».
أمضى البروفيسور رانجاناث، أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا، الثلاثين عاماً الماضية في استكشاف العمليات الدماغيَّة التي تقف وراء قدرتنا على التذكر، والنسيان. ويجادل بأنَّ العديد من افتراضاتنا الشائعة بشأن الذاكرة خاطئة ومضللة، فغالباً ما تنشأ وتنبثق عيوب الدماغ الواضحة من ميزاته الأكثر فائدة، الأمر الذي يخلق مرونة معرفيَّة كانت وبشأن هذا الفهم المتطور للدماغ، والطرق التي يمكننا من خلالها استخدام هذه المعرفة للاستفادة بشكل أفضل من عقولنا غير الكاملة، يوضح البروفيسور أنَّ الذكريات تتشكل من خلال التغيرات في قوة الاتصالات بين الخلايا العصبيَّة. الآن، بعض هذه الروابط لن تكون مثاليَّة، في حين أنَّ البعض الآخر سيكون أقوى وأكثر فعاليَّة. مبدأ التعلم القائم على الأخطاء هو ببساطة أنه عندما تحاول استرجاع هذه الذكريات، فإنَّ تذكرك سيكون دائماً غير كاملٍ إلى حدٍ ما».

يستحق الانتباه نهاية
التشبيه الذي أحب أن أطرحه هنا هو: دعنا نتخيل أنني ذهبت إلى منزلك، وسألت: لماذا لا تحتفظ بكل أشيائك؟ لماذا لا تخزن كل شيء؟ إذا لم ننس الأشياء التي عملناها ومررنا بها، فستخزن كل الذكريات، ولن تتمكن أبداً من العثور على ما تريد، عندما تريده.

التقدم في العمر
المشكلة، مع تقدمنا في السن، ليست بالضرورة أننا لا نستطيع تكوين الذكريات، بل لأننا لا نركز على المعلومات التي نحتاج إلى تذكرها. نصبح أكثر قابليَّة للتشتت، وكل هذه الأشياء التافهة تأتي على حساب المواد المهمة التي نهتمُّ بها. ولذلك، عندما نحاول استرجاع هذه الذكريات، لا يمكننا العثور على المعلومات التي نبحث
 عنها.
ويضيف: هناك ثلاثة مبادئ أساسيَّة: أولها التميز: تتنافس ذكرياتنا مع بعضها البعض، وبالتالي كلما تمكنت من إبراز شيء ما، كان ذلك أفضل. الذكريات الحيَّة المرتبطة بالمشاهد والأصوات والمشاعر الفريدة هي التي ستبقى في الأذهان. لذا فإن التركيز على التفاصيل الحسيَّة، كبديل للأشياء التي يجب أن تظل عالقة في رؤوسنا.الإستراتيجيَّة الثانية: هي تشجيع تنظيم ذكرياتك بشكل أكبر وأفضل بطريقة تجعلها ذات قيمة ومعنى أكبر. ثالثًا: يمكننا إنشاء إشارات أو مفاتيح.
يعدُّ البحث عن الذاكرة أمراً مجهداً للغاية وعرضة للخطأ، من الأفضل أنْ تتبادر الذكريات إلى رؤوسنا. ويمكن أنْ يساعدَ إنشاءُ الإشارات أو المفاتيح في حدوث ذلك.

تفاصيل زائفة
يقول رانجاناث: لدينا برامج «مخططات» تساعدنا على التذكر بشكل اقتصادي.
تخيل أنك ذهبت للتو إلى البنك – فمن الطبيعي أنَّ لديك قدراً كبيراً من المعرفة حول أنواع الأحداث والأمور التي تحدث في البنك والتي لا تحدث.
يتيح لك ذلك تقييد نطاق المعلومات التي يجب عليك تذكرها، حيث تعمل المخططات بمثابة النسيج الضام الذي يسمح لك بأخذ البيانات الجديدة فقط وتطبيقها.
لكنْ في بعض الأحيان تملأ المخططات الكثير من الفراغات بتفاصيل خاطئة. والسبب الثاني هو أن الذكريات تتغير مع مرور الوقت.
هذا مهم جدا، لأنك تريد أن تكون قادرا على تحديث ذكرياتك.
إذا رأيت قريبا لم تره منذ فترة طويلة، وتغير وجهه مقارنة بالمرة الأولى التي رأيته فيها، فأنت بحاجة إلى إنشاء ذاكرة أكثر دقة
لمظهره.
لكن في بعض الأحيان يمكن لخيالنا أن يتسرب إلى الذاكرة ويقوم بذلك.
عمليَّة تعاونيَّة
عندما نشارك الذكريات مع أشخاص آخرين، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحديث الذكريات. عندما أشرح لك حدثاً ما، فإنَّ تأليف تلك القصة لأرويها لك يمكن أنْ يغير الطريقة التي أتذكرها بها. ردود أفعالك على الطريقة التي أروي بها القصة، على سبيل المثال، ستشكل ذاكرتي عنها وحولها لاحقا، وقد تصبح أكثر مرحا وفكاهيَّة.
أو ربما تعطيني بعض المعلومات الإضافيَّة – ولكن الخاطئة – التي يمكن أن تتسرب إلى ذاكرتي - وقد أشعر بالارتباك بين ما حدث بالفعل مقابل ما أخبرتني به بينما كنت أشرح ما حدث.
أود أن أزعم أن العديد من ذكرياتنا لم تعد فعلا مُلك خاص بنا – بل أصبحت ذكريات جماعيَّة. وأشار «منحني كتابة كتابي هذا، على وجه الخصوص، حافزاً للحفاظ على ذاكرتي.
أحاول الآن ممارسة التمارين الرياضيَّة بانتظام، وأنا حريصٌ جداً على نظامي الغذائي، للتأكد من أنني أحافظ على صحتي المعرفيَّة في سن
الشيخوخة».