عدنان الفضلي
تعدّ الناقدة أشواق النعيمي أحد أفضل المتابعين للمنجز الأدبي العراقي والعربي، فهي تراقب بعين المستبصر لكل نص أدبي يظهر للعلن عبر كتب أو من خلال الصحف والمجلات، لذلك تتحصل على ما يستفز روح الناقد بداخلها، فتدخله الى مختبرها النقدي.
في كتابها النقدي الأخير "ما رسمته الغيوم" الصادر عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، تشتغل النعيمي على تقديم مجموعة من القراءات النقدية لروايات ومجاميع شعرية وأخرى قصصية، حيث تناولت نقدياً، أكثر من عشرين مولفا، وتقول في مقدمة كتابها ما نصّه "ما رسمته الغيوم قراءات نقدية تتصفح في فضاء التدوين ما رسمته مخيلة الكاتب، ترصد قلق المسافة بين خط الشروع، وهوية عالقة في أفق المكان حيث الجذور، والخيوط التي تتحكم بسلوك شخصيات السرد، وتحرك بوصلة التخليق الإبداعي في الشعر".
الفصل الأول من هذا الكتاب كان مخصصاً لقراءات في بعض الروايات العراقية والعربية ومقالات نقدية تخص الرواية أيضاً، حيث ترصد النعيمي اشتغالات متعددة ومختلفة في السرد حاولت تفكيك بعضها وملامسة واقعها الإبداعي. ومن هذه الروايات "فندق كويستان" لخضير فليح الزيدي، حيث كانت عنونة الورقة النقدية بعنوان "فوتوغرافيا الفضاء الروائي في فندق كويستان"، كما تقول النعيمي "تنتمي رواية فندق كويستان الى نمط الرواية السيكولوجية، وهي تدور في فلك السرد الذاتي والتحليلي لبعض شخصياتها، إذ يرتبط زمن الشخصية بسيكولوجيتها وما ينتابها من مشاعر، فيطول عند الشعور بالخوف أو الألم أو الحزن أو الانتظار ويمر بسرعة عند الإحساس بالسعادة والاستقرار النفسي.
يضم كتاب "ما رسمته الغيوم" مقالات نقدية لا تعنى برواية معينة، بل تذهب لتقديم نماذج من الروايات العراقية والعربية، ومن بين تلك المقالات يبرز مقال مهم جاء بعنوان "فنتازيا العنوان الروائي" وتقول فيه النعيمي "عنونة النص جزء من سوسيولوجية الأدب التي تتعلق بعملية تسويق واستهلاك المنجز، وهي ظاهرة تستحق الدراسة، كونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالارتفاع الكمي والنوعي للكتاب".
وفي هذا المقال تستقصي النعيمي عدداً من الروايات العراقية والعربية والعالمية لتحليل عناوينها ومنها "لعنة ماركيز" لضياء الجبيلي، و"لماذا تكرهين ريماك؟" لمحمد علوان جبر، و"أصناموفوبيا" لراسم الحديثي، و"كريماتوريوم" لواسيني الأعرج، و"عزازيل" ليوسف زيدان، و"الشبح" لجو نيسبو، و"أطلس متململاً" لآين رايد، و"صاحب الظل الطويل" لجين ويستر، و "كائن لا تحتمله حفته" لميلان كونديرا.
الفصل الثاني من الكتاب ركزت فيه الناقدة على بعض المجاميع القصصية العراقية والعربية، وهو فصل احتوى كثيراً على القراءات التي تعالج السرد القصصي في أكثر من زاوية نقدية، وقد اختارت النعيمي مجاميع قصصية غير متشابهة في العنونة والتناول وأدوات السرد، مثل المجموعة القصصية "كتاب الحياة" لعبد الأمير المجر، و "مسافات" لسمير الشريف، و"مالك المقبرة" لكريم صبح، و"الريح تترك على الطاولة" لحسن البحار، و"انعكسات امرأة" لإيناس فاضل البدران.
الفصل الثالث من الكتاب جاء بعنوان "اتجاهات القصة القصيرة في العراق بعد عام 2003"، وهذا العنوان هو دراسة بحثية مطولة عالجت فيها الناقدة كثير من مستحدثات السرد بعد انهيار النظام السابق عام 2003 وكيفية خروج النص السردي العراقي من عنق زجاجة الرقيب والأدب السلطوي، فضلاً عن ذهاب الباحثة الى منطقة بحث الانقسامات الفنية والفكرية والسيرورة القصصية العراقية خلال السنوات التي أعقبت التغيير السياسي والاجتماعي في العراق.
في هذه الدراسة المهمة تستقصي الباحثة، عدداً من القصص التي تناولت واقع العراق قبل وبعد عام 2003 حيث دموية سلطة البعث والحروب المجانية، التي كان الطاغية يقودها لإرضاء غروره، فيدفع الشعب العراقي ثمن تلك الهمجية، كما تتناول بعض ما حدث عقب اعصار نيسان عام 2003، حيث تقول "أنتجت مرحلة ما بعد 2003 وما تلاها ملامح وعي فكري، أعاد تشكيل المجتمع تساوقياً مع رؤية جديدة، لواقع استمدت منه القصة القصيرة طروحاتها، وهي تتناول انتقاد الواقع السياسي الجديد، وتنامي التيار الديني، والاحتلال الأمريكي، الفساد، الإرهاب، ثم "داعش" واحتلال مدينة الموصل وتداعياتها على المشهد الاجتماعي.
الفصل الرابع من الكتاب خصصته المؤلفة للمجاميع الشعرية العراقية، حيث جاء بعنوان "قراءات نقدية في مجاميع شعرية عراقية" وقد اختارت عينات شعرية مهمة، ومنها "أوراق اليقطين" للشاعر خلف دلف الحديثي، و"أستأنفك سؤالاً" للشاعرة سهى الطائي، و"فوانيس عتيقة" للشاعر جاسم العلي و"سيبار حين يئن البجع" للشاعرة غرام الربيعي.