علي آل تاجر.. شيطانيَّة على شاطئ مهجور

ثقافة 2024/05/22
...

محمد طهمازي

 “ إن انعدام النوم لا يعني شيئاً سوى التساؤل، فلو أن المرء حصل على الإجابات لنام. “    فرانز كافكا

إن التساؤل هو البذرة التي مدت جذورها الشيطانية في وعي الإنسان الرافديني الأول، لتخصب فكره بمحفزات ومستفزات جعلت روحه تتشظى في كل الاتجاهات في بحث محموم عن أجوبة شافية، كانت بشكلها الاختلاقي المبرراتي كافية إلى حد ما لتكون الأساس الذي سينطلق منه، ليقيم عليه معماره الثقافي والفني والحضاري المبكر، ليشكل الفتح الأعظم الذي أطل منه فجر الحضارة الإنسانية.  


إن ذات روح المتسائل الباحث تلك، نلمسها لدى علي آل تاجر في تقليبه لصفحات التاريخ والتراث، سعيا وراء أجوبة لماض غني بالالتباسات والخفايا والتشويه والتحريف، ألصق العابثون ماركاتهم الحزبية التجارية وسطور أقلامهم السوداء على مشهديته، وجعلوا من حيثياته ليست سيئة فقط، بل مرعبة أيضا.

إن مما لا شك فيه أن علي آل تاجر ينحو منحى  تعبيريا، بيد أن هناك إشكالين يقع فيهما المتلقي والناقد على حد سواء؛ الأول في فهم الحركة التعبيرية المتواجدة بشكل دائم في الفن، عبر تمظهراتها التي تزداد حدة خلال الأزمنة العصيبة والأزمات الاجتماعية التي تولد حالة من القلق الروحي والتوتر النفسي، وبالخصوص تلك الناتجة عن الحروب والانقلابات السياسية، ومن دون ريب فإن واقعنا المجتمعي العراقي قد شرب من كأسها حتى الثمالة..

أما الثاني فهو الذات.. فوفق ما يذهب إليه جيرالد ويلز بأن التعبيرية هي أكثر مدرسة فنية تحركها الذاتية المفرطة للفنان، فإن أعمال علي آل تاجر تحمل رؤاه الذاتية المجتمعية والسياسية والدينية، وهذا يجعلها لا تخضع لأشكال التعبيرية المعتادة، كوننا أمام شخصية تحمل فلسفة هي خليط غير معتاد من المدركات والمفاهيم والآراء والقراءات التاريخية والسياسية والتراثية والاجتماعية والدينية، الأمر الذي يجعل نتاجات آل تاجر تتسع متمددة الى خارج حدود التعبيرية، لتتغلغل وتنصهر مع الرمزية وحتى الرومانتيكية في معمارية نادرة.

أعمال علي آل تاجر متأثرة من حيث الأسلوب التقني الذي يعتمده في تنفيذ موضوعاته بشكل كبير بأسلوب الفنان البلجيكي جيمس إنسور المتميز بكرنفاليته اللونية، وهو من رواد التعبيرية، بيد أني أراه يميل إلى الرمزية وهو يستعين بالأقنعة التي كان يضمنها تحليلاً نفسياً ويبني عليها مفهومه الجمالي، وهو بالضبط ما يشتغل عليه آل تاجر في وجوه شخصياته التي قد تسيطر عليها مسحة من الجمود، لكنه مثل جمود الصور القديمة على جدران المنزل أو في ألبومات الماضي التي تقول الكثير في صمتها.

كما تأثر علي بالرمزي مارك شاغال، الفنان الذي عاش أهوال حربين عالميتين ثم المنفى، ليزج بتهويمات روحه في تصوير صراعات القرن العشرين الذي شكلت حرائقه وأعراس دمائه وعي شاغال، في مثالية ساحرة وهو يصور عالما يتذوق مأساويته على أطباق ملونة   من الميثولوجيا وكتابات لا فونتين وغوغول، وهو مثل إنسور في رفضه للقواعد الصارمة للرسم والمعايير النموذجية للجمال، متغلغلا في الحالة العاطفية للإنسان الذي يخوض صراعات نفسية ومادية شحنت العقود الماضية بتوترات وضغوط لم يشهدها تاريخ الإنسانية. وهنا تظهر لنا العوامل والمقاربات التي شدت علي آل تاجر لشاغال وإنسور.

فلسفة أعمال علي آل تاجر هي التعبير عن المشاعر الداخلية والتجارب الذاتية، والتنقيب في الحقائق المشوهة التي طوتها قناعات الناس المخدوعة التي استسلمت لكسل التلقي الاستهلاكي لما تضخه الماكنات الإعلامية للمنتصر، الذي يحمل الرؤوس ويدحرجها في لعبة البولنغ.

يقول ماريو بارغاس يوسا: “ الذاكرة فخ، واضح وبسيط .. إذ تعيد تشكيل الماضي بمهارة.. كي يناسب الحاضر.