سامر المشعل
لم يتبقَ لنا سوى عدد محدود جدا من نسل الفنانين الكبار، الذين قدموا منجزاً ابداعياً يستحق التكريم والاحتفاء، وأن يقام لهم مهرجان فني يليق بعطائهم، مثل بقية البلدان التي تحترم فنها ومبدعيها. أغلب هؤلاء الفنانين هم خارج العراق يعانون آلام الغربة وعدم الاهتمام، لوطن قدموا له زهرة شبابهم، الآن هم يقضون ما تبقى من سنواتهم التي باتت فريسة الغربة واللامبالاة.
هم فنانون حقيقيون اضطروا لمغادرة بلدهم من أجل مبدأ وطني واخلاقي، كي لا يكونوا اداة بيد دكتاتور يبايعون غطرسته وعنجهيته، باغاني التمجيد التي تزيد من امراض ساديته وتسلطه، فكان لهم موقف شخصي ووطني مشرفين.
وفي آخر لقاء لي مع نقيب الفنانين الدكتور جبار جودي، قلت له بعد رحيل الملحن الكبير كوكب حمزة لم يبقَ لنا الا عدد قليل من الفنانين العراقيين الكبار، وعلى نقابة الفنانين أن تأخذ دورها في دعوتهم وتكريمهم في بلدهم، ومنهم الفنان الملحن نامق أديب والملحن والشاعر طالب غالي، والموسيقي علي الامام، والموسيقار سالم عبد الكريم، والموسيقار رائد جورج.. وللامانة الدكتور جبار جوردي استجاب لهذا الطلب ودون ملاحظة بذلك، وربما سيتذكر كلامي بعد أن يفجعنا الموت برحيل أحدهم حتف غربته وفي نفسه الحسرة والالم لنظام فاشيستي شرده عن بلده، ووزارة ثقافة ونقابات ومؤسسات مشغولة عنهم ولا يمتد بصرها للاهتمام بهم. بينما تقام بين الآونة والاخرى مهرجانات يتم فيها تكريم فنانين عرب وتتصدرها الفانشستات.
كنت على مقربة من الفنان كوكب حمزة، وكنت أرى الخذلان على مقلتيه من دون ان يبوح ويشكو، فهذا الفنان الذي اضطرته الدكتاتورية ان يغادر الوطن وهو يتمتع بالوسامة وروح الابداع، بعد سقوط النظام الدكتاتوري لم يلقَ الاهتمام الذي يوازي عطاءه الابداعي ويمسح من مقلتيه احزان الغربة، وعندما مات كوكب حتف غربته في الدنمارك، أوصى بدفنه هناك، وهذه ادانة ضمنية للحكومات المتعاقبة والثقافة ومؤسساتها التي ادارت ظهرها ولم توليه الاهتمام الذي يستحق.
بعد رحيل كوكب هرعت تتسابق جمعيات وجهات لاقامة مراسيم العزاء والاستذكار مشفوعة بالاحساس بالذنب لخسارة هذه الشخصية الفنية والوطنية، ولو اقيمت هذه الجلسات الاحتفائية في حياته وشعر بقيمته المعنوية والتقديرية من بلده لمنحه الاحساس بالفخر والاعتزاز الطاقة ولظل حيا بيننا لعدة سنوات.